الأحد 28 ديسمبر 2025

وداعا داوود عبد السيد ...أثر لايمحي

28-12-2025 | 14:16

فقد الوسط الفني أحد أعمدته الراسخه وأنقي رموزه ، المخرج الكبير الاستثنائي داوود عبد السيد الاسم الذي لم يكن عابرا في تاريخ السينما ، بل علامه فارقه تركت أثرا لا يمحى. رحل الجسد وبقيت الرؤيه وبقيت أفلامه شاهدا علي مبدع آمن بأن الفن موقف قبل أن يكون مهنة، مثقفا حمل الكاميرا كسؤال مفتوح عن الإنسان، برحيله تخسر السينما المصريه عقلا مبدعا اختار العمق على الضجيج، مخرج اختار أن يكون صادقا مع نفسه قبل أن يكون جماهيريا وفضل الصدق الفني علي مجامله السوق في زمن تسود فيه السرعه وتقاس القيمة أحيانا بالأرقام، فكتب اسمه بهدوء في ذاكره الفن الخالد. حصل داوود عبد السيد علي بكالوريوس الإخراج السينمائي من المعهد العالي للسينما عام 1967 ، ليبدأ رحلته المهنيه كمساعد مخرج في عدد من الأفلام المهمه كان من أبرزها (الأرض) للمخرج العالمي يوسف شاهين و (الرجل الذي فقد عقله ) للمخرج كمال الشيخ و (أوهام الحب ) للمخرج ممدوح شكري؟ هذه التجربه المبكرة إلي جوار كبار صناع السينما أسهمت في تشكيل وعيه الفني وصقلت رؤيته الخاصة. بدافع شغفه برصد المدينة وأهلها اتجه في بداياته إلي صناعه أفلام تسجيليه ذات طابع اجتماعي وإنساني من بينها (وصيه رجل حكيم في شؤون القريه والتعليم ) و (العمل في الحقل ) و(عن الناس والأنبياءوالفنانين)، أعمال كشفت مبكرا عن مخرج يري السينما وسيلة للفهم والتأمل لا مجرد أداه للحكي بعد هذه المرحله بدأ داوود عبد السيد انتقاله إلي عالم السينما الروائيه ليصنع لاحقا أفلاما أصبحت علامات فارقه في تاريخ السينما المصرية، علامات تشهد بأن هذا المبدع لا ينتمي إلي التيار السائد ولم يغريه بريق الشباك ولم ينجرف خلف الموضات السينمائية العابرة، بل انشغل دائما بالإنسان، خوفه ،طموحه،تناقضاته، ورغبته الدائمه في فهم العالم من حوله، أفلامه ليست حكايات تحكي فقط بل أفكار تناقش وتجارب تعاش، في فيلم (الصعاليك) قدم رؤية مبكره للصراع الطبقي وتحولات القيم، بينما حمل فيلم (البحث عن سيد مرزوق ) سؤالا فلسفيا عميقا عن العبث والاغتراب، أما فيلم (الكيت كات)فقد أستطاع من خلال شخصيه الشيخ حسني أن يمنح السينما المصرية واحده من أكثر شخصياتها إنسانيه شخصيه تري مالايراه المبصرون، وجاء فيلم (أرض الخوف )ليؤكد مكانته كمخرج مفكر لا يخشي الأقتراب من المناطق الرماديه بين الخير والشر، مقدما عملا لايزال حتي اليوم محل جدل وتاويل، ثم عاد بعد سنوات طويله بفيلم (رسائل البحر )عمل هادئ وملئ بالشجن يعكس نضج التجربه وهدوء الرؤيه وكأنه رسالة شخصيه من مخرج تصالح مع الزمن، ولذلك أستحق وعن جداره الحصول علي العديد من الجوائز والتكريمات أهمها جائزه الدولة التقديريه في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة. داوود عبد السيد هو ابن جيل آمن بأن السينما فعل.. معرفة، وأن الصورة يمكن أن تكون سؤالا فلسفيا لا مجرد وسيله ترفيه، قله أفلامه ليست نقصا في الإنتاج، بل دليل على وعي الاختيار فهو لايصنع فيلما إلاعندما يكون لديه ما يستحق أن يقال. في النهايه يظل داوود عبد السيد واحدا من القلائل الذين صنعوا سينما تفكر بقدر ماتشاهد وتركوا أثرا أعمق من حدود الزمن والشاشة، ستظل أفلامه شاهده علي مخرج آمن بأن الفن مسؤوليه وبأن الإخلاص للرؤيه هو الطريق الوحيد للخلود هكذا سيبقي اسمه حاضرا في ذاكره السينما كقيمة فنية وإنسانيه لاتغيب .