تعتبر المهرجانات السينمائية الدولية مكسباً كبيراً لكل دولة تشارك فيها بأفلامها، ومن الطبيعى أن يخرج كثير من الدول بأفلامها من المهرجانات دون أية جوائز، لكن الغرض الذى تنشده مصر من مشاركاتها هو التواجد فى ذلك العرس السينمائى، لكى يطلع الغرب على نهضتنا، وتفتح للأفلام المصرية أسواق فى الدول الأوروبية، وأيضاً يرى الغرب مهارة وإبداع الممثلين المصريين، وربما يرى الغربيون جمال الطبيعة فى مصر فيتخذونها ساحة للإنتاج السينمائى.. نرصد فى السطور التالية مشاركة السينما المصرية فى أهم المهرجانات العالمية منذ بدايتها وحتى وقت قريب..
أهدت مجلة «الكواكب» فى عددها الصادر فى 1 مارس 1960 كتيباً بديعاً بعنوان «قصة السينما العربية» وفى فصله الحادى عشر أُلقى الضوء على كل مشاركاتنا فى المهرجانات السينمائية الدولية، منذ بدايتنا السينمائية وحتى عام 1960، وأكد الكاتبان وليم باسيلى وحسين عثمان أنه على الرغم من أن السينما المصرية قد أثبتت وجودها حينما بدأت تنتج أفلاماً طويلة ذات قصة هادفة، إلا أن المنتجين قد أحجموا عن المشاركة فى مهرجانات السينما العالمية، واتضح ذلك عندما تلقت مصر دعوة للمشاركة فى «مهرجان فينيسيا» عام 1935، فلم يجسر أحد المنتجين على تلبية الدعوة، لأنهم يعرفون أنه أمام الفيلم المصرى خطوات متعددة عليه أن يجتازها قبل أن يتمكن من الوقوف على قدميه فى مهرجان دولى، وبالتالى فلم يكن بين الأفلام التى أنتجت حتى عام 1935 فيلم واحد يصلح للعرض فى الخارج.
أول مشاركة فى المهرجانات السينمائية
تلقت مصر دعوة للمشاركة فى «مهرجان فينيسيا» عام 1936، ولم يتردد الفنان أحمد سالم ـ وكان آنذاك مديراً لاستوديو مصر ـ فى التقدم للمهرجان بفيلم «وداد» وهو باكورة إنتاج «استوديو مصر» وبطولة كوكب الشرق أم كلثوم، وتحدد يوم 18 أغسطس 1936 لعرض الفيلم فى المهرجان، وفى الحفل وزعت كراسة بملخص الفيلم باللغتين الإنجليزية والإيطالية، وفى اليوم التالى أشادت الصحف الإيطالية بأم كلثوم وجمال صوتها، ونشرت جميع الصحف صورها فى الصفحات الأولى، وبرغم تلك الحفاوة فلم يفز الفيلم بأية جائزة، وإنما فاز بمرتبة التقدير من لجنة المهرجان.
مشكلة "ليلى بنت الصحراء"
فى العام التالى (1937) تقدمت السيدة بهيجة حافظ للمشاركة فى «مهرجان فينيسيا» بفيلمها «ليلى بنت الصحراء»، ووُضعت الدعاية اللائقة للفيلم، لكنها فوجئت بكارثة تمنع مشاركتها فى المهرجان، فقد أرسلت المفوضية المصرية فى إيطاليا رسالة إلى إدارة المهرجان قبل عرض الفيلم بيوم واحد، تطلب فيه منع عرض الفيلم، وشرح المندوب أن سبب المنع يرتكز على أن الفيلم يصور أحد ملوك الفرس بشكل سيئ، مما قد يفسد العلاقة بين مصر وإيران، وأمام تلك الأسباب تقرر عدم عرض الفيلم.
لجأت السيدة بهيجة حافظ إلى الجهات الرسمية فى إيطاليا وطالبتها بعرض الفيلم؛ لأن اللجنة المشرفة على المهرجان لا تملك منع عرض فيلم تم قبوله بالفعل، وواصلت بهيجة شكواها فى إيطاليا حتى وصل الأمر إلى الحاكم موسيلينى، الذى أمر بعرض الفيلم على مسئوليته الخاصة، ولكن المهرجان كان قد اختتم أعماله، فتقرر عرض الفيلم فى حفلة خاصة خارج المهرجان، وكان ذلك انتصاراً كبيراً لبهيجة حافظ على من ينفذون تعليمات الملك السابق فاروق.
عراقيل فيلم دنيا
مع نشوب الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1939، ألغيت كافة المهرجانات السينمائية فى العالم ، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أقيم «مهرجان كان» وأرسلت إدارته دعوة إلى الجهات الرسمية فى مصر للمشاركة، لكنها لم تلبِ الدعوة، لكن الفنانة راقية إبراهيم تقدمت إلى إدارة المهرجان للمشاركة فيه بفيلم «دنيا» الذى أنتجته، وفى المهرجان وُضعت العراقيل أمام الفيلم من قبل البعض الذين لم يرق لهم انفراد راقية إبراهيم بعرض فيلمها فى مهرجان دولى، ونتج عن ذلك عرض الفيلم خارج نطاق أفلام المهرجان، ومع ذلك نال تقدير بعض النقاد والصحف الفرنسية.
لم تكن هناك جوائز تمنح فى ذلك المهرجان، بناء على تعليمات الاتحاد الدولى السينمائى، واكتفت لجنة التحكيم بمنح شهادات التقدير، ونال فيلم «دنيا» درجة «جيد جداً».
أفلامنا فى "كان"
فى مهرجانات «كان» التى عقدت بين عامى 1949 و1955، شاركت مصر بالأفلام التالية : «عنتر وعبلة» بطولة كوكا وسراج منير، و«البيت الكبير» لأمينة رزق و«ست البيت» لحسين رياض و«سيف الجلاد» ليوسف وهبى، و«صراع فى الوادى» لفاتن حمامة، و«الوحش» لأنور وجدى، و«حياة أو موت» ليوسف وهبى.. ونستكمل رصد باقى السنوات من كتاب «أفلام ومهرجانات» للكاتب والمؤرخ زياد فايد، حيث أكد مشاركة فيلم «شباب امرأة» لتحية كاريوكا وشكرى سرحان فى مهرجان «كان» عام 1956، وعرض فيلم «الليلة الأخيرة» لفاتن حمامة عام 1964، وعرض لفاتن أيضاً فيلم «الحرام» عام 1965، وفى عام 1970 عرض فيلم «الأرض» لمحمود المليجى، وعام 1985 فيلم «الوداع يا بونابرت» ليوسف شاهين، وعام 1986 عرض فى قسم «نصف شهر المخرجين» فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» وعام 1987 فيلم «اليوم السادس» وفى نفس العام عرض فى قسم «نظرة ما» فيلم «عودة مواطن» ، وعام 1988 عرض فيلم «إسكندرية كمان وكمان» ليوسف شاهين فى قسم «نصف شهر المخرجين»، وفى عام 2006 عرض فيلم «إسكندرية نيويورك» لمحمود حميدة ويسرا.
مهرجان فينيسيا
شاركت مصر بفيلمين فى مهرجان «فينيسيا» وهما «ابن النيل» لشكرى سرحان عام 1951 وفيلم «نساء فى حياتى» ليحيى شاهين عام 1957، ومن كتاب زياد فايد نضيف فيلم «أنا حرة» عام 1959 لشكرى سرحان ولبنى عبدالعزيز، وعام 1963 فيلم «الزوجة 13» لشادية ورشدى أباظة، وعام 1965 فيلم «الحقيقة العارية» لماجدة وإيهاب نافع، وعام 1982 فيلم «حدوتة مصرية» لنور الشريف، وعام 1968 فيلم «البداية» لأحمد زكى».
مهرجان تشيكوسلوفاكيا
وعرض فى ذلك المهرجان الذى عقد بين عامى 1957 و1958 فيلم «أرضنا الخضراء» لماجدة الصباحى، و«أرض الأحلام» لمديحة يسرى»، و«لن أبكى أبداً» لفاتن حمامة، وقد غفل الكاتب زياد فايد آخر فيلمين رصدتهما «الكواكب»، لكنه أكد أن المهرجان اتخذ اسم «كارلو فيفارى» ورصد مشاركة فيلم «القاهرة 30» فى المهرجان عام 1966 وفيه فاز فيلم «الظلال فى الجانب الآخر» لنجلاء فتحى بجائزة «السينما الشابة» عام 1974، وفاز فيلم «للحب قصة أخيرة» بجائزة «مدير المهرجان» عام 1986، وفاز فيلم «زوجة رجل مهم» بجائزة أحسن ممثل.
مهرجان برلين
عرضت فى مهرجانات برلين السينمائى أفلام «ريا وسكينة» لأنور وجدى، و«لك يوم يا ظالم» لمحمود المليجى وفاتن حمامة، و«من غير وداع» لمديحة يسرى، و«أين عمرى» لماجدة ويحيى شاهين، و«الفتوة» لفريد شوقى، و«باب الحديد» لفريد شوقى وهند رستم، و«حسن ونعيمة» لمحرم فؤاد وسعاد حسنى، أما فيلم «دعاء الكروان» فقد عرض عام 1959 حسبما جاء فى كتاب «أفلام ومهرجانات» وفى عام 1961 عرض فيلم «المراهقات» لماجدة، وعام 1963 عرض فيلم «اللص والكلاب» لشادية وشكرى سرحان، وعام 1964 عرض فيلم «الليلة الأخيرة» لفاتن حمامة، وفى نفس العام أيضاً عرض فيلم «الأيدى الناعمة» لأحمد مظهر، وله أيضاً فيلم «ليلة الزفاف» عام 1966، أما عام 1967 فقد عرض فيلم «المخربون» لأحمد مظهر ولبنى عبدالعزيز، وعام 1978 فاز فيلم «إسكندرية ليه» بجائزة «الدب الفضى»، وفى عام 1984 عرض فيلمان فى قسم سينما البحر المتوسط وهما «الأفوكاتو« و«الحريف» لعادل إمام، وفى عام 2006 عرض فيلم «عمارة يعقوبيان» وفيلم «إسكندرية نيويورك».
مهرجانات ومؤتمرات سينمائية
ونظراً لأهميتها فقد توالى اشتراك المنتجين فى كل المهرجانات والمؤتمرات السينمائية الدولية، سواء بصفة رسمية أو شخصية.. فقد شاركت السيدة آسيا فى مؤتمر بروكسل عام 1958 بفيلم «رد قلبى»، وفى مؤتمر الهند عرض فيلم «ابن النيل» لفاتن حمامة وشكرى سرحان، و«ليلة غرام» لمريم فخر الدين، وعرض فيلم «خالد بن الوليد» لحسين صدقى ومديحة يسرى فى مهرجان طشقند.. أما فى مؤتمر موسكو فقد عرض فيلم «جميلة» لماجدة و«حب إلى الأبد» لنادية لطفى، وقد خصص المؤتمر أسبوعاً لعرض سبعة أفلام مصرية وهى «أرضنا الخضراء» و«رد قلبى» و«لحن الخلود» و«لن أبكى أبداً» و«أرض الأحلام» و«الفتوة» و«أين عمرى».. وعرضت نفس الأفلام فى مؤتمر الصين السينمائى.. أما فى مؤتمر سباستيان بإسبانيا فقد عرض فيلم «هذا هو الحب» ليحيى شاهين ولبنى عبدالعزيز و«بين الأطلال» لفاتن حمامة وعماد حمدى.. ومن الواضح أن اسم «مؤتمر موسكو» قد تغير إلى «مهرجان موسكو» حسب ما جاء بكتاب زياد فايد، فقد أكد فيه أن فيلم «بداية ونهاية» قد عرض فى المهرجان عام 1960، وعرض فيلم «الناصر صلاح الدين» عام 1963، ثم فيلم «خان الخليلى» عام 1967، وفيلم «شىء من الخوف» عام 1969، وفيلم «الأرض» عام 1970، وفيلم «زوجتى والكلب» عام 1971، وفيلم «الناس والنيل» عام 1972، وفيلم «امبراطورية ميم» عام 1974، وفيلم «أبناء الصمت» عام 1975، وفيلم «زوجة رجل مهم» عام 1987.
ورغم أن تلك الأفلام فازت بجوائز قليلة، إلا أنها نالت التقدير الأدبى، وبعرضها فى الدول الغربية لفتت نظر صناع السينما فى العالم إلى موقع مصر فى الإنتاج السينمائى، فهى غنية بريفها الساحر وجوها الصافى الذى لا وجود له فى الدول الأوروبية، وبالتالى فقد اتجهوا إلى إنتاج الأفلام التى تدور أحداثها فى مصر بأبطال مصريين، فكانت أول محاولة عام 1947 من خلال فيلم «المنتقم» بطولة أحمد سالم ونور الهدى، وفى عام 1949 زار القاهرة المخرج الإيطالى «السكاندرينى» وهو من مواليد الإسكندرية، وكان له فيلم إيطالى ناجح باسم «فيوريانا» فأعد منه نسخة عربية باسم «أمينة» وأسند البطولة إلى يوسف وهبى والممثلة الإيطالية «آسيا توريس» ولم ينجح فى مصر كالنسخة الإيطالية فحمله معه إلى إيطاليا وهناك أعد له عملية «دوبلاج» باللغة الإيطالية فنجح نجاحاً طغى على النسخة الأصلية الإيطالية.. وحدث ذلك أيضاً مع المخرج الإيطالى «فيرنوتشو»، حيث أخرج فيلم «امرأة من نار» بطولة كاميليا، وصادف نجاحاً كبيراً عند عرضه فى إيطاليا بطريقة «الدوبلاج».
أفلام ومهرجانات
إن كنا قد اعتمدنا فى رصدنا هذا على مجلة «الكواكب» عام 1960، فقد استكملنا رصد مشاركات الفيلم المصرى فى المهرجانات العالمية للسنوات التالية بعد عام 1960، من كتاب «أفلام ومهرجانات» للكاتب والمؤرخ زياد فايد، الذى رصد فى كتابه مشاركات الفيلم المصرى فى المهرجانات الأوروبية والعربية، وأكد أن نصيب مصر فى المهرجانات الدولية خلال المائة عام الأولى لم يتعدَ الثلاثين جائزة، رغم تأكيد «الكواكب» أن الأفلام المصرية لم تنل جوائز حتى عام 1960، ولكن تحقق للفيلم المصرى شهرة كبيرة فى الدول الأوروبية وفوائد أخرى كما رصدناها، وربما اعتمد المؤرخ زياد فايد على جوائز مصر فى المهرجانات العربية مثل «قرطاج» و«دمشق» و«المعهد العربى بباريس».
ومن الكتاب نضيف «مهرجان فيفاى الدولى»، الذى فازت فيه مصر بجائزة «العصا الذهبية» عام 1986 عن فيلم «البداية» لأحمد زكى.. لكننا وجدنا مشاركة سابقة لمصر بفيلم «طائر على الطريق» عام 1982 وذلك حسبما جاء فى مجلة «الكواكب» عدد 3 أغسطس 1982، فقد أكدت الزميلة الراحلة مارى غضبان فى تغطيتها للمهرجان تحت عنوان «أخيراً فيلم مصرى بعد ست سنوات» أن مصر شاركت فى المهرجان بعد انقطاع دام ست سنوات، وضمت بعثة الفيلم المخرج محمد خان وبطلته آثار الحكيم، ودعمت السفارة المصرية فى براغ الفيلم، وحضر العرض وفد منها برئاسة السفير محمد عيسى، ولاقى الفيلم ترحيباً كبيراً من الجمهور والنقاد رغم عدم فوزه بأية جائزة.. وإن كانت مجلة «الكواكب» قد رصدت ما هو بعيد عن كتاب «أفلام ومهرجانات» فإن الكاتب الصحفى أشرف غريب أكد لى أن عنوان مارى غضبان لم يكن دقيقاً، وهو عن انقطاع مصر عن المشاركة فى المهرجانات الدولية ست سنوات، لأن يوسف شاهين قد شارك فى مهرجان برلين عام 1978.
رصدنا على عجالة مشاركات مصر فى أهم المهرجانات السينمائية الدولية، وإن كان الرصد الكامل يستلزم عدة أعداد كاملة من «الكواكب» أو «موسوعة كبيرة»، فقد غطت «الكواكب» على مدار عمرها كل المهرجانات السينمائية العالمية والعربية، وصاحبت كل تغطيات كواليس وأسرار وطرائف وحكايات باح بها نجوم الفن ونشرتها «الكواكب» مع نوادر صورهم.