كان طريقى إلى حيث يرقد جثمانها .. مملؤا بالدماعات ، تذكرت كم كانت جميلة ، مبهجة روحا وشكلا وفنانا ، كم كانت منطلقة مشعة نابضة بالحياة ، و الآن وقد غابت عنها ،، أذهب إلى قبرها لعله مازال ينبض برحيق الاسرار مثلها ،، قابلت عم محمود حارس مقبرة الجميلة سعاد حسنى ، فماذا قال ؟
قال عم محمود بديع :إن هناك زائرين يتوافدون علي المقبرة طوال العام وهم في الغالب من الشباب صغار السن الذين لم يعرفوا سعاد حسني أو يلتقوها، وربما لم يسمعوا عنها إلا وهي في سن كبيرة، أي بعد فيلمها الأخير الراعي والنساء ،ومعظمهم كتبوا خواطر ومناجاة علي جدران مقبرتها يخاطبون فيها روحها ،واللافت في هذه الكتابات كونها تبدأ بكلمة "ماما" علي الرغم من أن سعاد قلما لعبت دور الأم ،وتكثر علي جدران مقبرتها كلمات تقول :"بنحبك ياماما سعاد"..."يارب اغفر لماما سعاد"...إلي أمي التي لم أرها ولكن سمعت عنها.. أحبك للأبد".
وقال لي أيضا العم محمود :انه منذ أن دفن سعاد بيديه لم يزرها سوي الشباب صغير السن ،وهم أحيانا يتوافدون علي المقبرة آتين من محافظات بعيدة ،لكن لا أحد من الفنانين مطلقا أتي إلي هنا أما أكثر الزوار فهو شاب من الفيوم يأتي باستمرار ،علق علي جدران المقبرة آيات قرآنية ،وطبع دفاتر تحتوي آيات القرآن الكريم ،ووزعها صدقة علي روحها مجانا.
مضت سنوات بعيدة علي رحيل سعاد ولكن اكتشفت أن الملايين من جمهورها مازال يتذكرها ويعشقها ويتوافد علي مقبرتها الواقعة علي طريق الفيوم، طوال العام يقرأون الفاتحة علي روحها بل إن بعضهم يقومون بالحج والعمرة نيابة عنها ؛يبكون لأجلها وهم يخطون بالطباشير أو الأقلام عبارات الحب علي جدران مقبرتها أنهم احباء سعاد حسني الحقيقيون الذين تخطي حبهم لها حدود العقل في بعض الأحيان.
في صمت تام تأتي" مني علي ابراهيم" خريجة كلية الحقوق ليس شرطا أن يكون موعد الزيارة هو موعد الذكري السنوية ٢١يونيو من كل عام ،فتدعو لها وتقرأ الفاتحة وتنهال دموعها علي خديها مع أنها لم تلتق بسعاد ولا مرة في حياتها تقول مني :
أشعر أنها قريبة مني ،وادعو لها بالرحمة وذات ليلة رأيتها في المنام تجلس في قصر كبير ألوانه واثاثه نادر الوجود ،وعلي رأسها تاج مرصع بالجواهر كان نصفه ابيض والاخر اسود وكذلك جدران القصر ،سألت عن تفسير الحلم فقالوا لي :لأنها لم يكن لها في الدنيا ولد صالح يدعو لها،
و يقول محمد مظهر مهندس ديكور: رأيت سعاد حسني أيضاً في المنام وأنا اقف في عمارة في أحد طوابقها ،وهي تنزل من فوق أمامى مباشرة ،وكانت العمارة كلها من البللور الذي يعكس أشعة الشمس الذهبية في لحظة الغروب ،وفي عينيها بريق عجيب يزيد وجهها جمالا ،وكانت تنزل من السماء بهدوء فأسرعت الي أسفل وأنا خائف عليها ،فضحكت وقالت لى :لا تخف أنا أصور فيلما .
حكت لي أيضاً إحدى الفتيات: أنها شاهدتها في المنام وكان المكان مليئا بالخضرة وشلالات المياه والطيور ،وكانت تنظر لها مبتسمة من وراء الأشجار الخضراء وعشرات الاحلام المشابهة لسعاد علي هذا الشكل،
وكنت أتساءل أحيانا بيني وبين نفسي :هل يصح أن يري المتوفي بحال جميل بهذا الشكل وهو في الحقيقة علي غير ذلك ؟
ولكن اري أن الاحساس الذي وضعه الله برحمته الواسعة في قلوب هؤلاء الناس ليظلوا يدعو لها دوما بالرحمة لأنه يريد ان يزيد مرتبتها عنده بدعائنا لها ،فلا اتصور وجود تفسير أخر غير ذلك