الأحد 24 نوفمبر 2024

هل قدمت الدراما للأب ما يستحقه من تقدير؟

عبد المنعم مدبولي في الحفيد

21-6-2022 | 19:24

هبة عادل

 

«الأب».. أقدس الكلمات، أسمى المعانى، أقوى الروابط البشرية، رب الأسرة، وهل يستهان بمفهوم يطلق عليه اسم «رب».. عند الحديث عن الأب هذا المفهوم الذى يمكننا إذا بدأناه .. ألا ننتهى أبداً.. أما عن الأب فى الفن وكيف وإلى أى مدى تمت معالجة وتقديم هذه القيمة الإنسانية، بل والسماوية العليا، يرى البعض أن الأعمال التى قدمت نموذج الأم كانت الأغلب على حساب شخصية الأب، فبحثنا فى الأمر حتى لا نكون قد أخذنا الأمور كما هى دون بحث، فجاءت نتيجة البحث لتؤكد أن «الأب» كان عموداً فقريًا بل ومحوراً أساسيًا فى العديد والعديد من الأعمال الفنية سواء السينمائية أو التليفزيونية أو حتى المسرحية، فما من ممثل مهم وعظيم ومبدع إلا وقدم دور الأب ربما لأكثر من مرة فى كثير من الأحوال، الأب بكل حالاته.. حزمه وحنانه، ضعفه وربما جبروته، طيبته وقوته أحيانًا.. نماذج غاية فى الإيجابية وأخرى ربما جاءت على عكس ذلك، لكنها فى نهاية الأمر عبرت وصورت وجسدت هذا الدور السامى والنموذج الإنسانى المتفرد.. أعمال خالدة فى ذاكرة الدراما حمل منها العديد اسم «الأب» «وأبى» و«بابا» فى عنوانها بشكل مباشر تارة وبتنويعات متنوعة تارة أخرى، وفى كل الأحوال تبقى الأعمال محفورة فى وجدان المشاهد المصرى والعربى عبر كل العصور وعلى مدار كل الأجيال، فى تحقيقنا التالى وبعد رحلة بحث كبيرة والعثور على عشرات الأعمال التى دارت حول شخصية الأب كمحور أساسي.. كما سنعرض فى السطور التالية ،وجهنا سؤالا لنخبة من النقاد وصناع الدراما والمتخصصين: هل ترون أن الأعمال التى قدمت الأب كبطل رئيسى فيها كانت كافية ووافية.. أم تظل الصورة العامة منقوصة ربما لصالح الأم.. أم أن دور الأب فى الدراما مهمش إلى حد بعيد.. ولكن قبل أن نستمع لآراء المتخصصين وتقيمهم اسمحو لنا أن نصطحبكم فى جولة لتقديم رصد على سبيل المثال لا الحصر لأهم الأدوار والشخصيات التى قدمها نجومنا الكبار، مجسدين شخصية الأب.

 

حسين رياض

إحدى أهم أيقونات السينما المصرية الذين  قدموا دور الأب باقتدار كان الفنان القدير الراحل حسين رياض، الذى قدم فيلم «بابا أمين» عام 1950 للمخرج يوسف شاهين، ومن اسمه ندرك أنه كان العمود الفقرى، والمحور الرئيسى للفيلم، الـذى صور حياة شخص بعد الموت، حيث يرى أحـوال أسرته ومشاكلها من بعد رحيله. فيما قدم رياض أيضاً دوراً بارعاً للأب فى فيلم «رد قلبى» 1957 من إخراج عز الدين ذو الفقار، وكذلك لعب حسين رياض دور الأب بامتياز فى فيلم «السبع بنات» عام 1961 من إخراج عاطف سالم، وتدور أحداث الفيلم حول رجل مكافح لديه سبع بنات وهو المسئول عنهن بعد وفاة والدتهم، وفى عام 1961 أيضاً قدم حسين ريـاض دور الأب فى فيلم «فى بيتنا رجل» من إخراج هنرى بركات.

فريد شوقى

من أروع الأدوار التى قدم فيها فريد شوقى دور الأب فيلم «لا تبكى يا حبيب العمر» وحبيب العمر هنا المقصود به الابن، الذى لعب دوره الفنان نـور الشريف فى مهد الشباب وشاركتهما البطولة ميرفت أمـن والإخــراج لأحمد يحيى، وتـــدور أحـــداث الفيلم حول الشاب أحمد الـذى يتفق مع خطيبته على الزواج بعد الانتهاء من الدراسة بكلية الطب ويقوم والده الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة لابنه ليكتشف أنه مصاب بورم فى المخ، وأثناء إجراء الأب للعملية يموت الابن لينهار والده تماماً. وفى قالب كوميدى، قدم فريد شوقى دور الأب فى فيلم «يا رب ولد»، حيث الأب لثلاث بنات، وهـو رجـل أعمال ثــرى، ولكنه يحلم بالابن الولد الذى يرثه.

أيضاً من أروع الأدوار التى قدم فيها فريد شوقى دور الأب فيلم «وبالوالدين إحسانا» مع الرائعة كريمة مختار وسمير صبرى، الذى لعب دور ابنهما الناقم على حياة أبويه الفقيرين، ما يسبب لهما جرحاً ومشاكل كبيرة.

عماد حمدى

من العمالقة أيضاً الذين قدموا دور الأب باقتدار الفنان الكبير عماد حمدى، ونذكر دوره  فى فيلم «أم العروسة» ورغم أن الفيلم يحمل فى عنوانه كلمة «أم»، إلا أن دوره كأب لم يكن أقل أهمية وألق من دور الأم تحيه كاريوكا، فى فيلم شديد الخصوصية والمصرية. كما قدم عماد حمدى دور الأب فى فيلم «الخطايا» وبدا هنا على النقيض من صورة الأب الطيب، فهو هنا الأب شديد الحزم والحسم مع ابنه عبد الحليم، خاصة فى اللقطة الشهيرة التى يصفعه فيها على وجهه. كما قدم عماد حمدى دوراً من أدوار الأب التى لا تنساها ذاكرة السينما المصريه فى فيلم «سواق الأتوبيس» من إخراج عاطف الطيب مع النجمن نور الشريف وميرفت أمين.

عماد حمدي

يحيى شاهين

عـن عـمـلاق آخــر نتحدث، عـن الفنان يحيى شاهن الذى قدم واحداً من أهم أدوار الآبــاء فى السينما المصرية، حيث شخصية السيد أحمد عبد الجواد أو «سـى السيد» فـى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية»، حيث قدمنموذجاًلتسلطالأبالرجعىعلىأسرته، بينما هو فى داخله يعانى الازدواجية ويفعل خارج المنزل كل ما يحرمه على أولاده وزوجته. فيلم آخر جسد فيه يحيى شاهين دوره بعبقرية هـو «الأخـــوة الأعــــداء» المـأخـوذ عن الرواية الروسية الشهيره «الأخوه كرامازوف»، وتدور أحداثه حول أب لديه أربعة أبناء ولكنه لا يحبهم.. وكذلك لا يحب كل منهم الآخر، لدرجة تصل لقتل هذا الأب على يد أحد أبنائه.

يحيي شاهين

يوسف وهبى

فـى إطـــار كـومـيـدى أيـضـاً قــدم يوسف وهبى دوره فى فيلم «إشاعه حـب»، حيث الأب الثرى، الـذى يعمل جاهداً لإقناع ابنته بالزواج من ابن عمها الشاب الخام، الذى يعمل وهبى له مخططاً ليفوز بقلب الابنة الجميلة، وكذلك فيلم «البحث عن فضيحة» حيث الأب المتفاهم الذى يقف بجوار ابنته الجميلة التى ترغب فى الـزواج من حبيبها، بينما ترفضه الأم المتسلطة، لكن ينجح الأب فى النهاية فى تحقيق رغبة ابنته الوحيدة.

عبد المنعم مدبولى

ومع واحد من أهم وأروع الأعمال والأفلام والأدوار والكراكترات نتوقف عند الفنان الكبير عبد المنعم مدبولى فى فيلم «الحفيد» هذا الفيلم القريب إلى قلب كل بيت وأسرة مصرية، مقدماً نموذجاً للعائلة، حيث الأب والأم والأبناء فى مراحل أعمارهم المختلفة منذ الطفولة وحتى الجامعة، ثم زواج البنات وإنجابهن، وما هى مشاعر الجد وكيفية الاستعداد لاستقبال الحفيد الأول.

من أبرز أدوار الأب ما قدمه الزعيم عادل إمام فى فيلم «التجربة الدنماركيه» وقد لعب فيه دور «قـــدرى» الــذى يتقلد منصب وزير «الشباب والرياضة» ولديه 4 من الشباب الأبناء والذين تركتهم أمهم ورحلت عن الحياة وهى تنجب آخر الأبناء. قدم أيضاً عـادل أمـام دور الأب فى فيلم زهايمر والـذى عالج من خلاله قضيه كبيره حيث مرض الزهايمر الذى يصيب الأباء فى عمر متقدمه وكيف يؤثر على حياته وحياه أبناؤه. قدم أيضاً عادل أمام شخصية الأب بشكل متميز جداً فى فيلم «مرجان أحمد مرجان» إخراج على إدريس وكان أباً لكل من شريف سلامة وبسمة، وفيه عالج الزعيم مفارقة أن يكون الأب شديد الـثـراء ولكنه غير متعلم ما يجعل أبناءه يخجلون منه رغـم غناهم الشديد. فيما لا يمكن أن ننسى الـــدور الكبير الذى لعبه عادل أمام فى فيلم «عريس من جهه أمنية» ولعله من أهم الأدوار التى قدمها كنموذج للأب الذى يحب ابنته ويغار عليها، فهى وحيدته اليتيمة التى تولى تربيتها، وحين تبلغ سن الزواج وتحب وترغب فى الزواج بمن تحب يعترض الأب بشدة حتى أنه يرفض العديد من الأزواج المتقدمين لطلب ابنته.

عبد المنعم مدبولي

حسن حسنى

ونتوقف مع شخصية مهمة جداً قدمت دور الأب فى العديد من الأفلام المهمة وإن كانت تميل إلى اللون الكوميدى إلا أنه قدمها باقتدار شديد، هو الراحل الكبير حسن حسنى، الذى يعد من أكثر الشخصيات والفنانين الذين لعبوا دور الأب تقريباً مع جيل الكومديانات الجددعبرالـ20عاماًالأخيرهمنعمرالسينما، وعلى سبيل المثال لا الحصر قـدم شخصية الأب فى أفلام منها «عيال حبيبة»، «يا أنا يا خالتى»، «البيه رومانسى»، «محامى خلع»، «ليله سقوط بغداد»، «حبيبى نائماً»، «ميدو مشاكل»، «زكى شان»، وغيرها.

أحمد زكى

أما الرائع الراحل أحمد زكى فقدم دوراً من أقوى أدوار الأبـوة التى عرضتها الشاشة فى قصة صاغها الكاتب الكبير وحيد حامد فى فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة»، حيث والد منى زكى الفتاة الجامعية التى تدخل كلية الطب.. لتنتقل مع والدها المصوراتى البسيط وجدتها للقاهرة، ويقع أحد زملاء الفتاة فى الجامعة فى حبها ويعدها بالزواج، الذى يرفضه أبوه الثرى، وتتوالى الأحداث البديعة التى عبر عنها أحمد زكى بحنان وأبوة لا يضارعان.

احمد زكي

الدراما التيلفزيونية

أيضاً لم تكن الأعمال الدرامية التليفزيونية لتغفل عن تناول شخصية الأب كعمود فقرى فـى العديد مـن الأعـمـال الـتـى قـدمـت عبر عشرات السنوات، منها على سبيل المثال لا الحصر ما قدمه الفنان الكبير عادل إمام الذى لم يغفل أبداً عند الاتجاه إلى العمل بالدراما التليفزيونية بعد فترة انقطاع عنها أن يعود ليقدم لنا دور الأب فى أكثر من عمل. واحد من أبرزها مسلسل «صاحب السعادة»، الذى قدم فيه شخصية «بهجت أبو الخير»، ودارت أحداث المسلسل فى إطار كوميدى حول حياته بعد تقاعده من عمله مع زوجته وأبنائه وأحفاده وما يلاقيه من مشاكل بسبب غيرة زوجته الشديدة عليه، بالإضافه إلى مشاكله مع أبنائه. قدم أيضاً عادل إمام شخصية الأب ولكنه على النقيض من صورة الأب الكريم.. مقدماً شخصية جديدة للبخل من خلال مسلسل «مأمون وشـركـاه»، حيث الأب البخيل على الزوجة والأبناء.

يحيى الفخرانى

الفنان الكبير يحيى الفخرانى أيضاً قدم مجموعة من الأعمال المهمة، التى جسد فيها دور الأب، يأتى على رأسها مسلسل «دهشة»، المأخوذ عن رائعة «الملك لير» وجسدها الفخرانى بشخصية صعيدية فى إحدى قرى الصعيد فيما قـدم أيضاً الفخرانى دور الأب فى مسلسل «بالحجم العائلى» مع المخرجة هالة خليل، ودار العمل بشكل رئيسى حول عائله «نادر التركي».. يحيى الفخرانى الدبلوماسى ً

الذى يسعى لتحقيق حلمه منذ الطفولة نظرا  لحبه الشديد للمأكولات، فيقرر بناء فندق كبير فىمدينة ساحلية، مما سبب خلافاً بينه وبين زوجته الأرستقراطية ميرفت أمين.

محمد صبحى الشهير بـ«ونيس»

فيما لا يمكن أيـضـاً أن نتحدث عن الفنانين الذين قدموا شخصية الأب على الشاشة دون أن نذكر وبقوة الفنان محمد صبحى الذى قدم لنا سلسلة مسلسل «عائلة ونيس» عبر 11 جزءاً شكلت علامة فارقة فى تاريخ الدراما الأسرية.

 

نور الشريف

نشير أيضاً إلى واحدة من أروع كلاسيكيات الـدرامـا المصرية ومسلسل «لـن أعيش فى جلباب أبى»، الذى قدم فيه نور الشريف دور الحاج «عبد الغفور البرعى» باقتدار لا يبارى، وهو الأب العصامى الذى يبدأ من الصفر ويتزوج بشريكة عمره وينجبان الولد الــذى قدمه الفنان محمد رياض وأربعة من الأشقاء البنات هن منال سلامة، حنان ترك، وفاء صادق وناهد رشدى، من إخراج أحمد توفيق، فيما قدم أيضاً نور الشريف شخصية رجل الأعمال المسيطر فى مسلسل «الدالى» عبر ثلاثة أجزاء متتالية.

الدالي

نبيل الحلفاوى

نبيل الحلفاوى أيضاً من النجوم الذين قدموا دور الأب ببراعة فى عدة أعمال نذكر منها «لأعلى سعر»، حيث كان والـد الفنانة نيللى كريم والذى يحتوى مأساة خيانة زوجها الذى تحبه صديقتها، وكان هو الأب الحنون الـذى حـاول مــداواة جرح ابنته ليخرجها من  أزمتها، فيما تألق هذا العام من خلال مسلسل «القاهرة كابول»، حيث لعب دور والد حنان مطاوع، وهو الوالد لكل الشباب فى العمارة التى يسكنها والمقهى الذى يجلس عليه مع شباب الحى فى منطقه السيدة زينب يعلمهم دروساً فى التاريخ والوطنية والحكمة والأدب والحياة وكان دوره شديد التأثير فى إطار عمل وطنى ضخم.

أحمد خليل

أحمد خليل أيضاً قدم دور الأب عبر أكثر من عمل نذكر منها مسلسل «رسايل»، حيث لعب دور الأب لمى عز الدين، التى تمر بحالة شديدة الخصوصية، حيث تتلقى رسائل من عالم آخـر تتحقق على أرض الواقع وبينما يصفها كثيرون بالجنون والهذيان، يقف والدها أحمد خليل بجوارها يدعمها ويصدقها ويؤمن بماتمربه،فيماقدمدوراًرائعاًللأبمنخلال مسلسل «الفتوة» كوالد للفنان أحمد صلاح حسنى الـذى يحاول أن يعلمه أن الفتونة هى أخذ حق الضعيف وليس اغتصابه بالقوة والعنف، ولعب دوراً مميزاً جداً فى مسلسل «خيط حرير» بطولة مى عز الدين، وهو رجل أعمال شديد الثراء لكن تتحكم فيه زوجته الجبارة وتسوء حالته الصحية حتى يتحول إلى

جليس على كرسى متحرك.

المسرحيات

وفى مفارقة لطيفة وجدنا أيضاً أن أشهر وأحب المسرحيات التى نحبها ونحفظها عن ظهر قلب، كان دور الأب فيها بط ًلا رئيسياً، فنذكر على سبيل المثال لا الحصر دور الفنان القدير حسن مصطفى فى مسرحية «العيال كبرت».. وكذلك دوره كأب بجانب دوره كناظر للمدرسة فى مسرحية «مدرسة المشاغبين»، ونذكر أيضاً دور الفنان الكبير فؤاد المهندس فى مسرحية «سك على بناتك» ودور العماق فريد شوقى فـى مسرحية «شـــارع محمد على» كوالد للنجمة شريهان، أيضاً دور الفنان سمر غانم فـى مسرحية «موسيقى فى الحى الشرقى» مع صفاء أبو السعود وجورج سيدهم، ومجموعة من الأطفال، وكذلك الدور الشهر للنجم حسن عابدين مع الكوميديان محمد نجم فى مسرحية «عش المجانين»، الذى لعب فيه دور والد النجمتين ميمى جمال وليلى علوى. والآن بعد هذه الجولة.. ترى كيف يرى

المتخصصون قوة دور الأب على الشاشة وكيف يقيمون هذه الصورة التى قدمت عبر الزمن؟... يقول الناقد الفنى والمــؤرخ السينمائى

الكبر محمود قاسم: بداية ينبغى أن نشر إلى أن أبرع من قدم دور الأب على شاشة السينما هو الفنان زكى رستم وهو أشهر وأبرز وأقوى نجم قـدم هـذا الــدور باقتدار فى أفـام مثل «هذا ما جناه أبى»، «أعز الحبابيب»، «معلش يازهر»، وكذلك بالطبع الراحل الكبر حسين رياض، الذى قدم العديد من الأفام متقمصاً دور الأب، ولا ننسى العماقين محمود المليجى وعماد حمدي.. لكن هذا لا يلغى بالطبع أن اهتمام الدراما السينمائية وربما الدراما بشكل عـام جـاء ضعيفاً بالنسبة لتقديم دور الأب بشكل محورى ورئيسى، وتفوقت عليه بالطبع أدوار الأمـومـة، حيث إن الأم تشكل ظاهرة فى حد ذاتها، حيث ضعفها وكثرة التزاماتها ومسئولياتها وأعباؤها.. لذلك اعتنت الأفام بتقديمها بشكل أكبر، فى صورة الأم المضحية أو المقهورة وربما المعذبة، فنجد مث ًا نموذجاً للست «أمينة» فى ثاثية نجيب محفوظ، فى مقابل جبروت وطغيان «سى السيد» الذى عاقبها لمجرد خروجها لزيارة «سيدنا الحسين» ومعهذاهوأيضاًالأبالذىبكىعندوفاةابنه على يد الاحتال الإنجليزى.

ويرى الناقد الفنى الكبر طارق الشناوى أن أكثر فنانين قدما دور الأب باقتدار على الشاشة هما حسين رياض وعبدالوارث عسر.. لدرجة يصفها الشناوى بأنها حطمت فكرة تواجدها على الشاشة لتنتقل إلى الشارع وصار كل من يقابلهما فى الحياة يعاملهما حسبما يراهما على الشاشة وفى الأفـام.. فتخطت الصورة الافتراضية حدودها وصو ًلا للواقعية من فرط المصداقية التى تمتع بها هذا الثنائى. ويـكـمـل الــشــنــاوى: بـاسـتـثـنـاء هذين النموذجين وغرهما ممن قدموا أدوار الأب، لا يعتبر دور الأب قدم كما ينبغى أن يكون، لاسيما إذا ما قــورن بــدور الأم الــذى عنيت الشاشة بتقديمه أيما اعتناء، وذلك لأن الأم هى دائماً محط التعاطف، كونها امــرأة فى المقام الأول، وطوال الوقت هناك إحساس بأنها كائن ضعيف أو مستضعف لذلك تألقت من خـال هـذه الصورة الذهنية نماذج فـردوس محمد، كريمة مختار، أمينة رزق وعزيزة حلمى وغــرهــن.. كـل هــذه الـنـمـاذج ومــن صاغوها صوروا وعبروا عن فكرة أن الحياة هى «الأم» وليست «الأب».. ومثلما نجد الفارق الشاسع بين الاحتفال بعيد الأم وعيد الأب، هكذا نجد نفس الفارق بين معالجة وتقديم دور الأم على الشاشة.. لتظل بالتالى أدوار الأم هى الأقوى والأكثر تأثراً والأبقى أثراً من الأب. ويقول الناقد الكبر الأمر أباظة رئيس

مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولي: فى الحقيقة أن السينما تعانى فيما تعانى من جملة أزمات أو لنقل تحديات.. دون شك تقديم النماذج المثالية أو حتى صورة القدوة والمثل الأعلى والتى تتمثل أول ما تتمثل فى صورة وشخصية الأب.. فلم نعد نجد اهتماماً بتقديم أدوار الأب كالتى قدمت فى زمن «لأبيض وأسود» وكان الأب فيها له دور وقيمة وأثر واضح على الأبناء، واستمتعت بها أجيال الخمسينيات والستينيات من الـقـرن المـاضـى، حتى جــاء زمــن الانفتاح وصارت صورة الأب النموذج هى شخصية الأب الانتهازى، الوصولى، أو ربما النصاب، الذى لا يقدم لأبنائه سوى تلك الأموال بأى وسيلة وبأى ثمن، وهم بدورهم لا يسألون أو يعبؤون بذلك، وأصبحت النماذج الجيدة

مهمشة تماماً وغر موجودة. وتقول الناقدة الفنية الكبرة خرية البشاوى: فى المطلق ليس هناك تصور ثابت يسر عليه صناع الدراما لتقديم صورة الأب أو الأم بشكل عام، لاسيما إذا لم يعتمد الفيلم أو العمل الدرامى عموماً على نص أدبى محدد مسبقاً معروف ماذا يريد منه كاتبه الأصلى، وبالتالى تسر المسألة وفق تصورات فردية وأكثر من ذلك وفق تطورات كل مرحلة بعد الأخرى وما هو السياق العام اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً الـذى يقدم فيه العمل والــذى يسعى فى المقام الأول لترويج ما تبغيه جماهير هذه المرحلة أو تلك.. فى عملية مغازلة صريحة لمسألة الجذب الجماهيرى ومن ثم شباك التذاكر، وبالتالى فصورة الأب الطبيعى الموجودة فى معظم بيوت الطبقة المتوسطة وهى السائدة.. غير موجودة على الشاشة ومهما اختلفت أشكال التعبير عنها درامياً تظل النماذج الحقيقية شيئاً عابراً لا يقاس عليه كمنهج للتقييم أو التعميم. وحتى النماذج القريبة منا تعد استثنائية وأحياناً تقدم بشكل مبالغ فيه لتخرج أيضاً بصورة مغايرة لما اعتدناه فى حياتنا عن نموذج الأب السائد. ويقول المخرج أحمد البدرى: كنت لتوى عائداً من لندن، وعملت كمساعد مخرج مع المخرج الكبير محمد فاضل، مخرج مسلسل «أبنائى الأعــــزاء.. شـكـراً» الشهير بـ «بابا عبده» للعملاق عبدالمنعم مدبولي.. ومن وقتها والى الآن لم أجد عم ًلا واحداً قدم الأب بهذا الأسلوب وبهذه الصورة الرائعة والحقيقية والواقعية.. فصورة الأب «اللى بجد» بالطبع غير موجودة بشكل محسوس وعملى على الـشـاشـة، وصـــارت تـقـدم إمــا بشكل ساخر وكوميدى أو هامشى لا يقدم أى قيم يعلمها أو يقدمها لأبنائه.. قد نجد نموذجاً مثلما قدمه الفنان الكبير محمد صبحى فى مسلسل «عائلة ونيس» ولكنه يعد أو تعد نماذج فردية واستثنائية لا تتكرر كثيراً، ولا نستطيع أن نتخذها كقاعدة تثبت الاهتمام بتقديم نموذج الأب على الشاشة والتى من المفترض أن تقدم بشكل أكثر إيجابية أو لنقل إنه من المفترض أن تقدم تشريحاً للمجتمع كله بكافة متغيراته من خلال علاقة الأب بأبنائه.

فـأيـن نحن مـن نـمـاذج حسين ريـاض وعـمـاد حمدى وزكــى رستم وغـيرهـم، هذا لا يعنى أن أقلل من شأن الموجود الآن، إنما الموجود الآن يحاكى جزء من الواقع وللأسف يحاكيه فى أسوأ صوره، حيث افتقاد النموذج والقدوة وربما الهدف فى حد ذاته.. ويعود ذلك فى رأيـى للكتابه والكتاب الذين يجب أن ينتبهوا وبوضوح لأهمية دور الأب فى الشاشة حتى ينعكس ذلك إيجاباً على الواقع. ويقول السيناريست هانى كمال صاحب رائعتى «أبـو العروسة» و«ولاد نـاس»، الذى عرض خلال الموسم الرمضانى الماضى وقوبل باستحسان كبير، وقد عالج فى العملين قضية الأب وكيف أنه عصب وعمود البيت والأسرة المصرية.. حتى أنه أشار فى حديثه لـ«الكواكب» إلى ما سماه بـ«رخصة الأبوة» التى أشار ونصح بها فى الحلقة الأخيرة من «ولاد نـاس».. ويقول هاني: فى الحقيقة إن معالجة المفهوم الحقيقى للأبوة مفقود تماماً على الشاشة، كما أصبح مفقوداً لدى الكثيرين على أرض الواقع أيضاً، فعندما نجد أبـاء كثيرين هذه الأيـام لا يعون طبيعة أدوارهـم الحياتية على الإطـــلاق وبالتالى أصبحنا نجد نسخاً مشوهة من الشباب والمراهقين.. وهو ما أردت توضيحه ومعالجته من خلال النماذج التى قدمتها فى «ولاد نـاس» وهو يختلف كثيراً عن «أبو العروسة» الذى حكى بشكل مباشر عن الأب «عبدالحميد» الذى قدمه الفنان سيد رجب.. رب الأسرة الذى يكدح من أجل حياة ومستقبل أبنائه، والأحداث تدور فى مواقف اجتماعية يعيشها كل بيت مصرى. بينما فـى «ولاد نــاس» تطرقنا لأكثر من مشكلة وأزمـــة يعيشها أفـــراد كـل أســرة بشكل شخصى، وأكدنا دور التربية فى بناء الأبناء، بل فى بناء الإنسان بشكل عام.. الأعمال التى تقدم الآن للأسف لا توضح النموذج والقدوة والمثل الأعلى، وأصبح الشباب سواء فى الطبقة الاقتصادية العليا جداً أو العكس، يستقون قدوتهم من نماذج أبطال البلطجة والعنف التى تصدرها بعض الأعمال على الشاشة دون وعى لخطورة ذلك. بينما نحن فى حاجة لتقديم نماذج توضح للأبناء، بل للآباء نفسهم دور الأب كشريك أصلى فى الحياة، وذلك إذا ما قارناه بالأعمال والأدوار التى قدمت زمان «الأبيض والأسود».. فالفارق سنجده كبيراً جداً، فنجوم الزمن الجميل قدموا نماذج من لحم ودم.. كـان يجد الأب فيها نفسه ويتمنى أن يكون على غرار الفنان الذى يتابعه فى عمل فنى جميل، ويعود ذلك فى رأيى للكتابة، لاسيما الاهتمام بالكتابة عن دور الأب القدوة والمثل وليس تقديمه بشكل مهمش أو أنه «كمالة عدد» فى المنتج الدرامى لأنها ليست الحقيقة على الإطلاق.