السبت 23 نوفمبر 2024

قوة مصر الناعمة (٢) ..المسرح المصرى

7-7-2022 | 11:40

 

سبقت مصر العالم أجمع فى مجال المسرح حيث عرف المصريون القدماء  فنون المسرح ، ويشهد على ذلك الكثير من  النقوش على جدران المعابد الفرعونية .

و يعد العصر الإغريقى  أساس المسرح بشكله الحالى ولكنه استمد مقوماته من البدايات الأولى للمسرح فى مصر الفرعونية منذ آلاف السنين  وقد اشتقت  كلمة " تياترو" أو " المسرح " من كلمة "ثياترون" الإغريقية ومعناها  مكان المشاهدة الذى يبنى على شكل مدرجات نصف دائرية حتى تتيح للجمهور متابعة العروض بشكل جيد .

الخديو إسماعيل

وبعد مرور آلاف السنين وبالتحديد فى عام 1870 أمر الخديو إسماعيل  بتحويل بركة الأزبكية إلى حديقة على غرار حديقة لوكسمبورج بباريس ، وتم افتتاحها فى عام 1872 وبلغت مساحتها 18 فدانا، وبالقرب منها أنشأ إسماعيل المسرح الكوميدى (مبنى المطافى حالياً) ودار الأوبرا الملكية " جراج الأوبرا حاليا "  عام 1869 وأعدها لاستقبال ضيوف قناة السويس كما أنشأ فى الحديقة مسرحا صغيراً. (1870-1919) الذى عرضت عليه عروض مسرح يعقوب صنوع رائد المسرح المصرى، ويعد أول مسرح وطنى، كما عُرض عليه عدد كبير  الفرق الأوروبية التى كانت تقدم عروضها للأجانب المقيمين فى مصر، كما تم به عرض للفانوس السحرى عام 1881 والعديد من العروض المسرحية والسحرية ومرت على المسرح المصرى فترة من المسرح الهزلى وانتشرت فى مسارح عماد الدين، والتى أدت إلى أن يسود هذا التيار واحتلاله رقعة واسعة من مجال المسرح بمصر حتى طغى على المسرح الجاد والغنائى.

وفى عام 1917 أسست شركة ترقية التمثيل العربى (جوق عبد الله عكاشة وأخوته وشركاهم) وذلك باتفاق كل من عبد الخالق باشا مدكور وطلعت حرب وزكى وعبد الله عكاشة وأسسوا الشركة المساهمة لتقوم بالإنفاق على فرقة عكاشة وتمويلها وتحميها من التيار الهزلى فقامت الشركة بتأجير مسرح الأزبكية لمدة 50 عاماً بإيجار سنوى وقدره 12 جنيها بموجب عقد يسمح للفرقة بتجديد بناء المسرح وتم طرح أسهم الشركة للاكتتاب حتى وصل رأس المال إلى 8000 جنيه لتغطى تكلفة البناء الجديد.

تياترو الأزبكية

شيد تياترو حديقة الأزبكية عام 1920 فى نفس موقع تياترو الأزبكية القديم من حديقة الأزبكية جنوب شرق الحديقة وهو الجزء الذى يطل على ميدان العتبة وشارع البوسطة ومنصته ناحية الميدان ومدخله من مركز الحديقة ناحية الشمال الغربى وقد تم افتتاحه رسميا للجمهور فى الأول من يناير لعام 1920 وقد صممه ونفذه  المهندس الإيطالي  فيروتشى ، والذى كان يشغل منصب مدير عام المبانى السلطانية فى ذلك الوقت وقد صمم المسرح من الداخل على التصميم المعمارى الذى كان سائدا فى ذلك العصر من ناحية الصالة البيضاوية على هيئة حدوة فرس وكان تصغيراً لتصميم مسرح الأوبرا الملكية المصرية، وقد تم تصميم العديد من المسارح على غرار هذا المسرح مثل مسرح وسينما محمد على بالإسكندرية عام 1922 (مسرح سيد درويش) ومسرح طنطا ومسرح ريتس عام 1923 ومسرح دمنهور 1925 ومسرح الريحانى عام 1926 ومسرح معهد الموسيقى العربية عام 1928 ويرجع فضل اختيار الطراز العربى للتصميم المعمارى للمبنى إلى طلعت حرب والذى أنشأ فى نفس العام بنك مصر على نفس الطراز والزخرفة المعمارية العربية.

ويعد يعقوب صنوع وأبو خليل القبانى أول من قدما عروضا مسرحية بشكلها الحديث تأثرا بما شاهداه من عروض أوروبية وظهرت فى مصر الفرق المسرحية الحرة وانقسمت لنوعين تراجيديا وكوميديا ومن أشهر الفرق التى كانت تقدم التراجيديا فرقة يوسف بك وهبى، أما أبو السعود الإبيارى وإسماعيل ياسين وبديع خيرى وعلى الكسار ونجيب الريحانى فهم أشهر من قدم العروض  الكوميدية  حيث شهدت صالات العرض المسرحى حوالي  350 مسرحية  فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين شارك فى تقديمها بيرم التونسى، أمين صدقى، بديع خيرى وأبو السعود الإبيارى وأخرجها عزيز عيد وبشارة واكيم وعبد العزيز خليل

فؤاد المهندس

 

وتعد فرقة الريحانى الأطول عمرا من 1916 وحتى 1983 أى استمرت مايقرب من سبعين عاما ؛ أما أكثر فرق القطاع الخاص غزارة فى الإنتاج هى فرقة رمسيس التى أنتجت خلال الفترة من 1923 إلى 1960 ما يزيد على 240 مسرحية ؛ أما  أطول فرق مسارح الدولة عمرا هى فرقة المسرح القومى فقد استمرت ٩٨ عاما بدءا من 1935 حتى الآن.

وقد شهد المسرح المصرى تطورا كبيرا بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ على يد مجموعة من الكتاب المسرحيين أمثال: ألفريد فرج ؛ وعلي سالم ؛ نعمان عاشور ؛ سعد الدين وهبة ؛ مع تقديم أعمال لكتاب كبار مثل توفيق الحكيم و أمين صدقى، وبديع خيرى، وأبو السعود الإبيارى ، كما تم تقديم أعمال من المسرح العالمى لكتاب عالميين مثل موليير، بيير كورنى ووليم شكسبير .

وقد شهدت فرق القطاع الخاص زخما مسرحيا متنوعا على يد عدد من المخرجين المتميزين مثل  السيد راضى، حسن عبدالسلام، عبد الغنى زكى، أما فرق الدولة فإن أكثر المخرجين غزارة فى الإنتاج هما الفنانان فتوح نشاطى، وزكى طليمات .

نجمات المسرح المصرى

تعد منيرة المهدية أول مطربة وممثلة مصرية وقد أسست  فرقة مسرحية باسمها فى بداية القرن العشرين ومن قبلها كانت هناك فرق لفنانات من الشام  .

الطريف أن منيرة المهدية  جسدت فى فرقة عزيز عيد دورا رجاليا فى رواية للشيخ سلامة حجازى لتصبح أول من تحدى تقاليد الزمن وقتها والتى تُحرم على المرأة التمثيل وهو ما أحدث ضجيجا ساهم فى زيادة شهرتها. ومنيرة المهدية هى أيضًا من اكتشفت موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومنحته الفرصة لاستكمال ألحان مسرحية كليوباترا ومارك أنطونيو بعد الوفاة المفاجئة لسيد درويش. وشجعته على الوقوف أمامها مجسدا دور مارك أنطونيو فى نفس العرض.

وقد ساهم عدد من الفنانات فيما بعد فى حفر أسمائهن بأحرف من نور فى تاريخ المسرح المصرى مثل أمينة رزق ونعيمة وصفى وملك الجمل وسناء جميل وسميحة أيوب التى لقبت بسيدة المسرح العربى وتولت منصب رئيس المسرح القومى ومن أبرز نجمات فرق المسرح الخاصة شويكار التى كونت مع الفنان الكبير فؤاد المهندس وقدما معا عددا من المسرحيات الناجحة ؛ وكذلك سهير البابلى التى استطاعت جذب الجمهور لأعمالها المسرحية التى أخذ بعضها الطابع السياسى فى فترة الثمانينيات .

المسرح ما بعد الانفتاح

فرضت طبقة الأغنياء الجدد التى ظهرت أواخر القرن الماضى بعد الانفتاح  ذوقها على المسرح  الخاص الذى خاطبها و قدم معظم عروضه كخلطة تجمع بين الكوميديا وامرأة جميلة والكثير من النكات ولكن شهدت أيضا عروضا جادة تحمل قيمة كبرى ومن أبرز نجوم هذه المرحلة عادل إمام ومحمد صبحي  وسعيد صالح ويونس شلبى ومحمد نجم وغيرهم

وفى العام الماضى ٢٠٢١ احتفلت وزارة الثقافة برئاسة  د. إيناس عبد الدايم بمرور 150 عاما على بداية المسرح المصرى الحديث ؛ فكيف أصبح المسرح فى مصر اليوم  بعد كل هذه السنوات منذ عصر الفراعنة ؟

هذا السؤال نجيب عنه فى مقال قادم بإذن الله .