ولد الموسيقار خالد داغر فى بيئة موسيقية من الطراز الفريد، فوالده هو عازف الكمان الأشهر الفنان الراحل عبده داغر.. ومنذ نعومة أظافره تسلل حب الموسيقى إلى وجدانه، عندما شاهد واستمع إلى الموسيقار العظيم عمار الشريعى فى منزلهم، كان الطفل الصغير يلعب مع الأطفال، لكنه ترك اللعب ووقف مشدوهاً إلى الرجل الذى يخرج السحر من آلة «الأورج» التى يراها الطفل لأول مرة فى منزلهم، فأسرته الموسيقى منذ ذلك الحين ##IMG-20220904-WA0024.jpg## ، حتى التحق بالكونسرفتوار، وظل هناك حتى الآن، طالباً ومدرساً.
خالد داغر، هو وكيل وزارة الثقافة ويشغل منصب رئيس البيت الفنى للموسيقى والباليه بالأوبرا، لكن خالد داغر يحب أن يعرفه الناس أكثر كعازف «تشيلو»، وأستاذ لهذه الآلة المدهشة، هذا أيضاً ما تعرفه كبرى دور الأوبرا العالمية التى يعزف معها فى حفلات دولية، كذلك كانت له إسهاماته المتعددة والناجحة كمؤلف موسيقى شارك فى عدد كبير من الأعمال الدرامية والسينمائية مثل مسلسلات «الحارة» و«دوران شبرا» و«فرح ليلى» و«بين السرايات» و«رمضان كريم» و«القاهرة كابول»، وأفلام «صرخة نملة» و«حرب كرموز» و«خيال مآتة».
انشغل خالد داغر خلال الفترة الماضية بالتجهيز وإقامة الدورة الثلاثين من مهرجان القلعة الموسيقى.
حول المهرجان، ورد فعل الجمهور تجاهه، وخطة البيت الفنى للأوبرا فى المرحلة المقبلة، وغيرها من التفاصيل يحدثنا الموسيقار خالد داغر فى الحوار التالى...
توليت مسئولية البيت الفنى للأوبرا فى ظل انتشار فيروس «كورونا» وكانت فترة صعبة.. كيف استطعت التغلب على هذا التحدى؟
بالفعل عندما توليت كانت فترة انتشار «كورونا»، وكان عدد الحفلات قليلاً جداً؛ ونسبة الإشغال المسموح بها ٢٥ % فقط من الاستيعاب، فكانت فترة صعبة جداً، لكن كان لدى إصرار على أن تسير الحياة الفنية ولا تتوقف، فكان ذلك بمثابة تحدٍ لنا لتقديم الإضافة والتغلب على هذه الظروف الصعبة، ومن هنا تولدت فكرة إنشاء «مسرح النافورة»؛ لأنه كان الحل البديل لنعمل فى مكان مفتوح ليكون أكثر أمناً بالنسبة للتباعد و«كورونا».
.. وهل حقق «مسرح النافورة» الهدف المرجو من إنشائه؟
نعم، فبعد إنشائه اكتشفنا أنه أصبح مكاناً مفضلاً للجمهور والمطربين على السواء، خاصة فى الصيف، وانتقلت إليه كل الحفلات، بالإضافة إلى أنه يحمل طابع المكان؛ لأن خلفيته مبنى دار الأوبرا.
وما حجم الطاقة الاستيعابية لهذا المسرح؟
استيعابه ضعف المسرح الكبير، أى ما يقارب ألفين شخص، وبالإضافة إلى الحفلات التى تحييها فرق الأوبرا والأوركسترات التابعة، فهناك أيضاً حفلات تقدمها الأوبرا خاصة بفنانين من خارجها، مثل حفلة أنغام فهى ليست مغنية فى الأوبرا لكن نتعاقد معها لنقدم حفلاً، وكذلك الفنانة عفاف راضى والفنان محمد منير وعلى الحجار ومدحت صالح.. كل هذه الحفلات هى من خارج الأوبرا لكننا ننظمها وننتجها.
حدثنا عن الإقبال الجماهيرى على الحفلات؟
الحقيقة أننى كنت محظوظاً قليلاً، فبعد انحسار «كورونا» ومع بدايات فتح ستائر المسرح واستئناف الحفلات، كان لدى الجمهور شغف بالحضور، فأقمنا عدداً من الحفلات الجيدة، وبدأ الجمهور يتزايد عندما أحب «مسرح النافورة»، وبالتزامن مع ذلك أقمنا حفلات فى المسارح المغلقة فى مسرح سيد درويش وأوبرا الإسكندرية وأوبرا دمنهور، وأيضاً هنا فى «المسرح الصغير» و«مسرح الجمهورية» و«مسرح معهد الموسيقى العربية»، ولاقت الحفلات رواجاً واضحاً.
وما الاستراتيجية أو الخطة التى اتبعتموها فى إقامة الحفلات بعد توليك؟
الحقيقة أن عدد الحفلات تقلص، من نحو 250 حفلة فى السنة إلى نحو 135 فى المسارح الخاصة، وكان هذا أمراً متعمداً، لسببين.. الأول، هو أننا حرصنا على ألا نحمل الدولة الكثير من الأعباء المادية، على الرغم من أننا ندعم الثقافة والمحتوى الحقيقى والفن الراقى، لكن فى ذات الوقت كان ترشيد النفقات أمراً مهماً فى ذلك الوقت.
أما السبب الثانى، فكان الحرص الشديد والتدقيق الكبير فيما يتعلق باختيار الفنانين الذين يقفون على المسرح، فهذه مسئولية كبيرة، ولا يجب أن يقف أى شخص على مسرح الأوبرا، فنحن كدار أوبرا نقدم أعلى مستوى فنى موجود.. والحقيقة، أن تلك السياسة نجحت جداً، فقلة عدد الحفلات أفرزت جودة أكبر فى المنتج الذى نقدمه للجمهور بسبب المستويات الجيدة التى نقدمها، وهو ما انعكس على حالة الرواج التى حدثت فى عدد الحضور والإقبال.
هل هناك خطة للوصول إلى أكبر عدد من الأسر المصرية لحضور الحفلات؟
الإجابة عن هذا السؤال هى الخطوة الثانية فى خطتنا، (التى أعتبرها أهم خطوة فى ٢٠٢٢)، وهى فكرة التوجه إلى الجمهور المصرى الحقيقى، والأسرة المصرية البسيطة، عن طريق إقامة نفس الحفلات التى تقام فى الأوبرا ولكن بأجر رمزى، وقد رأينا هذا مؤخراً فى مهرجان «القلعة»، المنتهى منذ أيام، فقد كانت تذكرة الدخول 20 جنيهاً، وسط حضور أهم مطربى مصر وتفاعل الجمهور معهم.. وقبلها كان هناك تعاون بين وزارتى الثقافة، والسياحة والآثار، برعاية رئاسة الوزراء، تمثل خلال شهر مارس الماضى فى مهرجان «دندرة» فى قنا، الذى لاقى رواجاً كبيراً، وأنا شخصياً كنت غير مصدق أنى أقيم حفلة فى دندرة أمام معبد من أقدم المعابد فى التاريخ، وكان هذا المعبد هو خلفية المسرح، فكان ذلك فرصة عظيمة للترويج للسياحة مع إقامة فعالية فنية جميلة، وكانت فرصة لتعريف الجمهور بالآثار المصرية العظيمة وسط جو من السعادة والغناء، كما أن التنظيم كان سهلاً وهناك سهولة فى التجهيزات والأداء عما كان الوضع عليه عندما كان العبء كله على دار الأوبرا المصرية فقط، وقد لاحظت فى تلك النوعية من الحفلات شيئاً مهماً، هو أن الناس يكونون سعداء ولديهم طاقة إيجابية كبيرة، وهناك نوع من التعاون فى الدخول والخروج دون مشاكل، فهذا هو النجاح الحقيقى، الذى يجعلنى أستمتع وأنا أعمل.
هل كان لتخصصك فى الموسيقى وكونك موسيقياً مبدعاً تأثير على عملك وأفكارك فى هذا المكان؟
أكيد، بحكم أنى متخصص فى الموسيقى، فأنا أستطيع انتقاء الفنانين أصحاب المستوى الحقيقى، بحيث نفخر فى دار الأوبرا بتقديم هذا المستوى العالى.
بعد مهرجان «دندرة».. كيف كانت الخطوة التالية؟
بعد دندرة ذهبنا إلى أبيدوس فى سوهاج، وفى كل هذه المهرجانات كانت نسبة الحضور تتعدى الـ٨ آلاف شخص سواء فى دندرة أو أبيدوس أو تل بسطا فى الشرقية أو متحف السويس فى السويس وأخيراً مهرجان القلعة، ونحافظ فى كل وقت على أن نكون قريبين من مزاج المستمع ونقدم له ما تطرب له أذنه، ليس هذا فحسب، بل أيضاً نقدم له شيئاً موازياً للأشكال الغنائية التى تمتعه، ونحن على ثقة من ذلك لأن كل فن حقيقى يستطيع أن يصل للناس، وهذا بالفعل الذى نستطيع أن نواجه به الفن الهابط؛ لأننا طوال الوقت نقدم محتوى، لا نقدم «ترندات»، ومن ضمن الأهداف أن نعرض عليهم أو نسمعهم الأنواع المختلفة من الموسيقى فى العالم، مثل حفلات الـ«جاز» وحفلات فرق من العالم مثل فنزويلا وبنما والهند، وهذا يعطيهم حالة لطيفة للاطلاع على فنون الآخرين، كما أن رؤية هذا الفن بالعين يجعل الجمهور أكثر استمتاعاً بما يقدمه من حالة سحر خاصة ومختلفة.
هذا بالنسبة للجمهور.. وماذا عن المطربين وانطباعهم حول تلك المهرجانات؟
مثلما يسعد الجمهور عندما يشاهد ويسمع مطربه المفضل، كذلك المطرب يكون سعيداً للغاية عندما يرى أمامه هذا الجمهور الغفير، الذى يستمد منه الطاقة الإيجابية من هذا العدد الكبير الذى يصل الى 15 ألف فرد، لذلك نجد أن المطربين يتسابقون على المشاركة فى هذه المهرجانات، حتى أنهم أحياناً يتنازلون عن جزء من أجرهم فى سبيل هذا التفاعل مع الجمهور، وتلك الحالة المتبادلة من التفاعل بينهم، ونحن كمنظمين نكون فى غاية السعادة.
هل ترى أن تلك المهرجانات تستطيع منافسة مهرجانات الساحل؟
ليست الفكرة فى التحدى، بقدر ما هى فكرة العدالة الثقافية أو الفنية، حتى يستطيع كل الناس الاستمتاع بنفس الشكل، وهذا دور جميل أن نوفر للأسرة مكاناً راقياً وحضور حفلة مع المطرب المفضل لها، بسعر قد لا يتجاوز 100 جنيه، فهذا يسعد الجمهور، وعندما نرى السعادة فى وجوه هذا الجمهور، نستمد نحن منه طاقة جميلة، لذلك فقد أقمنا هذا العام ٦ مهرجانات حتى الآن، وهذا عدد كبير على إدارة الأوبرا، بجانب الحفلات الموجودة فى كل مسارحنا، فهذا عبء على الأوبرا، لكن كل هذا يهون عندما نرى أسرة بسيطة حضرت لتستمتع وسعيدة.
حدثنا عن طبيعة مهرجان القلعة.. هل يكون مختلفاً عن باقى المهرجانات؟
هو مهرجان دولى يحمل الشارة الدولية، ومهرجان القلعة من المهرجانات القليلة فى العالم الذى يقدم فنوناً متنوعة، مثل الموسيقى الكلاسيكية والعربية والغناء الصوفى والغناء الشعبى والغناء الكلاسيكى والعالمى، ويقدم مطربين من جميع أنحاء العالم وفرق رقص من الهند وغيرها من الدول المختلفة فى العالم.
ما الإبداعات الخاصة بخالد داغر فى الفترة الأخيرة كمؤلف موسيقى تصويرية؟
أحب الموسيقى التصويرية، ومن وقت لآخر أشارك فى بعض الأعمال الفنية من خلال الموسيقى التصويرية، التى أحب العمل من خلالها جداً، وكان آخرها مسلسل «القاهرة كابول»، عن طريق المزج بين أسلوب الموسيقى المصرية ومنطقة أفغانستان، وكان ذلك بناء على رغبة المخرج الذى يريد سماع الموسيقى الآتية من السيدة زينب لكن نسمعها آتية من الجبال، وأعمل حالياً على موسيقى تصويرية لفيلم بعنوان «ليلة العيد» سيخرج للنور قريباً، بطولة يسرا وسيد رجب ومجموعة من الفنانين، من إخراج سامح عبد العزيز وتأليف أحمد عبد الله، وينتمى إلى أحداث اليوم الواحد، وتدور أحداثه فى ليلة العيد، ولكنه يناقش قضية مهمة، وهى العنف ضد المرأة