17-11-2022 | 17:40
طاهر البهي
أرشح هذا الفيلم البلجيكي/ الفرنسي، لأحد جوائز المهرجان؛ فالقصة والسيناريو يستحقان جائزة، وهذه الممثلة المعجونة بماء الفن، الممثلة الشابة التي تقف عمريا بين سن المراهقة والشباب ـ وهو مقصود تماما ـ التي جسدت مرحلتها العمرية ببراعة لا نظير لها، جعلتنا نتوحد مع قضيتها الإجتماعية عابرة الحدود، وأن نتوجع لمأساتها، وأن نترقب معها الخلاص، خاصة مع تلك المشاهد التي تقترب منها العدسة "زووم إن"، فنجد تعبير صادق بعيد كل البعد عن الإفتعال، بخطوط وجهها البريء ـ رغم عمق الجرم ـ ثم نبتسم مع مراحل تعافيها، وكأننا نشد على أياديها، آملين أن تنهض بعد اكتشافها الخطأ الذي انحدرت إليه سنوات عمرها القليلة، تلك الممثلة الشابة التي لا نعرف تاريخها السينمائي تستحق عن جدارة جائزة، جتى هذا الممثل الذي قبل دور الأب المقزز نجح في أن يجعلنا ننفر منه، يستحق أيضا جائزة عن مشاهده المعدودة؛ فقد كان قبيحا بما فيه الكفاية، أما مخرج الفيلم فقد نجح في أن يتلاعب بمشاعرنا بين الرفض المطلق لشخصية "دالفا"، والخوف عليها، والتوتر الشديد في تتبع مصيرها، مستخدما مع المونتير "تقطيع" بالغ الحرفية والمهارة، كادرات سريعة، متلاحقة، تنبئ دائما أن هناك المزيد من التفاصيل التي لا تأتي دفعة واحدة كما هو الحال مع كتاب السيناريو المفلسين، كأن المخرج يرفع شعار "انتظروا" لمشاهدي الصالة، مع مشاهد متوازنة بين الداخلي والخارجي لم يترك لنا وقتا للملل أو التقاط الأنفاس، هو مخرج يستحق أيضا جائزة.
يبقى أن أخطر ما في فيلم "الحب على طريقة دالفا"، هو جرأته الشديدة في طرق قضية إجتماعية/ إجرامية، بالغة الخطورة، مؤلمة للمجتمع قبل أن تكون جريمة في حق الأبناء، من العر أن ندفن رءوسنا في الرمال حتى نميت ضمائرنا، وننفي وجود تلك الجريمة البشعة في تلك المجتمعات، إن نظرة إلى صفحات الحوادث ومحاضر الشرطة في هذه البلدان سوف تكشف لك المأساة، 90 دقيقة مع قضية دالفا سوف تشعرك بالخطر على وجه يتمتع ببراءة غير عادية، حتى أنها تبدو غريبة مع استخدام الماكياج أو أحمر الشفاه، فتاة في مثلها لا تعرف معنى الحب، إلا الذي علمه لها والدها المدان، وهو الحب الخاطئ معه فقط، فتاة في مثلها لا تعرف لعب البنات؛ فهي تعيش داخل بيت أشبه بالقبو رغم أثاثه المودرن، بيت ذو رائحة عفنة، مع أب مريض، مجرم، بيت يفتقد الشرائع الإنسانية، حياتها تشبه النفق المظلم الذي مشت فيه دون هدف بمصاحبة كاميرا محترفة، ظهرت بهذه الطريقة مرتين في الفيلم؛ ليؤكد صناعه على عدم وعيها وافتقادها الرؤية لحياتها، تتذكر أن أبيها المجرم أوهمها أن الحب هو أن تكون له وحده، أن تستسلم له، وأن ذلك هو طريقها الوحيد لأن يهتم بها، تلقت دالفا هذا الدرس منذ الخامسة، واعتقدت بأنه الصواب، لذلك نجدها في تحقيقات الشرطة بعد بلاغ من الجيران، تؤكد على أن والدها غير مذنب؛ خاصة أنها كانت تكن كراهية لأمها التي تركتها في عمر ال 5 سنوات، لنكتشف ضمن الأحداث أنها تركت الزوج بسبب أفعاله المشينة، وأنها حاولت كثيرا البحث عنها حيث أن الأب كان دائم التنقل حتى لا يكتشف جريمته أحد.
تنتشل الشرطة دالفا من هذه الأجواء العفنة، وتودعها دار رعاية، وهناك تقترب منها الفتاة السمراء "سامية"، وعن طريقها مع الإخصائي الإجتماعي، تبدأ رحلة تغيير مفاهيمها عن الحب، وتكتشف كذب وسفالة والدها، وتعود للحياة الطبيعية مع نزلاء دار الرعاية، شيئا فشيئا، وفي مشهد "فينالة" شديد الرمزية، دخلت بصحبة والدتها قاعة المحكمة التي يحاكم بها الأب، الفتاة جالسة بجوار الأم، يقف الحضور تحية للقضاة، ينادي المحلف على الأب، يقف الأب المتهم، فيما تدير دالفا رأسها في الإتجاه الآخر... ختام