السبت 18 مايو 2024

الفنون التشكيلية الأفريقية ألهمت المدارس الأوروبية

الفنون التشكيلة

2-12-2022 | 13:56

شيماء محمود

يرجع عطاء القارة السمراء فى مجال الفن إلى عصور ما قبل التاريخ، الذى ميزها عن غيرها من القارات، فهو فن متميز بذاته وله طابعه الخاص، وكان له بالغ الأثر فى تطور الفن الحديث والفنون البصرية بشكل عام حول العالم.

ولا ينكر أحد ذلك الدور الذى لعبته الفنون الأفريقية فى تطور الممارسات الفنية فى الغرب خلال القرن العشرين، وقد تجلى ذلك فى العديد من الممارسات الفنية للفنانين الأوربيين, الذين شكلوا الطليعة الأولى لحركة الحداثة الفنية فى أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين.

وعلى وجه الخصوص كان هنرى ماتيس وبابلو بيكاسو ورفاقهما فى مدرسة باريس يستلهمون جماليات الفنون الأفريقية ويمزجونها بأساليب ما بعد الانطباعية، التى كان يمثلها سيزان وجوجان، كما ساعدت ألوان الأقمشة الأفريقية الزاهية والمعالجات والخطوط الحادة التى تمتعت بها المنحوتات الأفريقية على تأكيد هذه الروح الحداثية فى وقت مبكر.

وللخروج من أسر الأساليب المدرسية التى ميزت الفن الغربى منذ عصر النهضة الأوروبية، تأثر فنانو أوروبا فى تجاربهم ومعالجاتهم الفنية بأفريقيا فى تلك الحقبة، حيث استلهم بيكاسو من قبيلة «اليوروبا» النيجيرية على سبيل المثال مدرسته التكعيبية، من أقنعتها المشهورة بالأشكال الهرمية المحرفة لتكوين تفاصيل الوجه، كما مزج فنان التعبيرية الألمانية، آرنست كريشنر، فى أعماله بين جماليات الفنون الأفريقية وألوانه المتنافرة للتعبير عن الحياة الحديثة، بينما طور بول كلى أساليبه الرمزية.
وبدا تأثر التعبيريين فى أوروبا بالفنون غير الغربية واضحاً ابتداءً من نهاية العقد الأول من القرن العشرين.
كل هذا التأثر والتطور تأثر به فنانون لم ينشأوا ويعايشوا هذا الثراء بالفعل.. فما بالك عندما يترعرع فنان وسط كل هذا الزخم فى بلد مثل السودان ومتشبع بتراثه، بل ويستقى المزيد من كل بلد أفريقية استوطن بها لسنوات؛ ليتنقل رحالة الفن ما بين الدول الأفريقية، ويعيش سنوات ما بين كينيا وغانا ويستقر بعد ذلك فى مصر لأكثر من عشر سنوات.
نتحدث عن الفنان السودانى صلاح المر، الذى استمد معظم الإلهام لعمله من المشاهد اليومية والأشياء العتيقة، تلك التى يحبها كثيرًا، سواء من السفر أو حتى الصور الفوتوغرافية القديمة، التى لا تخلو بشكل كبير من تأثره بجذوره السودانية.
سعى المر إلى خلق لغة بصرية معاصرة تعكس الهوية الفريدة للفن الأفريقى؛ ليصور فى لوحاته الناس والحيوانات والأصوات والروائح والألوان.
فنجد الموضوعات تعبر عن القدرات العاطفية، فيبدو لكل وجه قصة وراءه؛ لتتضمن أحداثًا مهمة، فنجده تارة يستلهم من التاريخ وتارة أخرى نجده فى حنين للصور الفوتوغرافية القديمة، مفتونًا بالقصص التى لا تُروى.
يرى المر الصورة طريقة يمكن من خلالها تحدى مرور الوقت، ومن خلال مقتنياته التى جمعها من كل الدول الأفريقية التى زارها يوثق عادات وتقاليد الشعوب.. بخلاف كنزه الذى ورثه عن والده، المتمثل فى مئات الصور التى أخذها أبوه وجده نظرًا لتوارث العائلة استوديو للتصوير الفوتوغرافى.. وفى ذلك الاستديو توافد العديد والعديديات، ويستعدون للحظة التى تجمد فيها الوقت.
وبخلاف الاستوديو يلتقط «ابن بطوطة» الفن، صلاح المر، فى كل زياراته للبلاد العديد من الصور الملهمة التى يستوحى منها أعماله.. كلوحة «الراهب الإثيوبى»، الذى كان يجوب أحد الشوارع أثناء الاحتفالات بالأعياد.
كما تضمنت أعماله الحيوانات والطيور التى تحمل رمزًا ودلالة داخل العمل الفنى.. ويتميز المر باستخدام العناصر التقليدية بطريقة معاصرة، فلوحاته مليئة بالطقوس، بألوان حية جمعت بين سطوع الشمس وخضرة الغابات مما جعلها غامضة وجذابة فى آن واحد.