الأربعاء 27 نوفمبر 2024

اقتباس الأعمال الفنية فى ميزان المتخصصين

بشير الديك و أماني التونسي و طارق الشناوي

9-12-2022 | 11:07

عمرو والي

يتجدد الجدل مع كل موسم سينمائى أو تليفزيونى حول فكرة اقتباس الأعمال الفنية، حيث شهدت الفترة الأخيرة سجالاً واسعاً عن مفاهيم الاقتباس، وتوارد الأفكار، والتأثر، وغيرها، وذلك بعدما واجهت بعض الأعمال على مستوى السينما أو التليفزيون انتقادات حادة بسبب الاقتباس.
وما بين اتهامات لبعض صناع هذه الأعمال بالإفلاس والاستسهال، ودفاع آخرين من منطلق التشابه فى الخطوط العريضة فقط، طرحت «الكواكب» على عدد من المتخصصين مجموعة من التساؤلات، حول حدود الاقتباس فى العمل الفنى.. وشروط نجاح أى عمل مقتبس.. وهل فكرة الاقتباس فى حد ذاتها ضامنة للنجاح، ولماذا يلجأ بعض المبدعين إلى الاقتباس من الأساس؟ 
الاجابة من خلال السطور التالية...

حدود فاصلة

فى البداية أوضح المؤلف والسيناريست بشير الديك أن هناك حدوداً فاصلة بين الاقتباس والنسخ بالكامل، فالأول أمر مشروع فى الكتابة الدرامية، بشرط الإشارة للمصدر الأساسى، أما النقل الواضح بنفس المواقف والشخصيات والحالة فهو أقرب ما يكون فهو أمر مرفوض.
وأضاف الديك قائلاً: الاقتباس من الرواية لا مانع منه، ولكن نجاح الفيلم أو المسلسل هنا يتوقف على المخرج ورؤيته وتكنيكه السينمائى فى الإخراج، بالإضافة إلى مجهود السيناريست نفسه، وقدرته على إبراز أجمل ما فى الرواية، من وجهة نظره، وبالتالى يقربه من البناء الدرامى الروائى، ومن ثم صياغته بشكل أعمق ورؤية أفضل فى عمل فنى متكامل، وبالتالى ليس الاقتباس ضامناً للنجاح دون هذا الأمر.
أشار الديك إلى أن اقتباس عمل ناجح ليس عيباً أو جريمة، بعد إعادة عرضه بشكل جيد، على أن يكون الإنتاج متميزاً ومتقناً ويعبر عن الواقع، لافتاً إلى ضرورة أن يكون هناك وعى كامل لدى صناع أى عمل عندما يريدون اقتباس أو تمصير عمل أجنبى، بأهمية أن يصنع الكاتب حبكته الدرامية بشكل به لمسة من إبداعه الشخصى، ويكون قريباً من البيئة التى يعيش فيها الجمهور المستهدف.
أختتم الديك حديثه قائلاً: أنا ضد النسخ الكامل، أو كما نقول «النقل بالمسطرة»، فالاقتباس أو التمصير يتطلب إضافة الكاتب للنص من خياله وإبداعه، وبعض ورش الكتابة كانت سبباً رئيسياً فى تلك الظاهرة، لأنها تحول الكتابة والتأليف إلى ما يشبه العملية الميكانيكية المرتبطة بأحداث محددة وخطوط لا يمكن الخروج عنها.
رؤية خاصة
يعد السيناريست تامر حبيب من الأكثر تجارب فى مجال الاقتباس والنهل من الفورمات العالمية، ويؤكد دائماً أن ذلك ليس عيباً ويقول: فكرة الاقتباس من الرواية أو تحويل الفورمات الغربية ليست عيباً أو حراماً، لاسيما مع عدم أخذ العمل كما هو مكتوب نصاً، ولكن يتم تقديمه وفق رؤية خاصة بما يناسب طبيعتنا المصرية، لافتاً إلى أنه يقوم بالعمل على النص الأجنبى من البداية حتى النهاية لأنه ليس مترجماً.
وأضاف حبيب قائلاً: يجب مراعاة طبيعة الجمهور الذى سيعرض عليه المسلسل، والبيئة التى نعيش فيها، وهنا مكمن الخطورة لأن هناك اختلافاً كبيراً بين ثقافات البلاد، فيكون للسيناريست مطلق الحرية فى الحركة والمرونة داخل القصة الأساسية، والموضوع عبارة عن وسيط مثلما يقوم الفرد بقراءة رواية أو مشاهدة مسرحية، فيتم تحويلها إلى مسلسل، قد يقوم المؤلف بزيادة خطوط درامية، أو إزالة خطوط أخرى، فالقصة فى النهاية تنتهى لتصبح خاصة بك وبأسلوبك.
شروط ومعايير
وترى الكاتبة والمؤلفة أمانى التونسى، أن فكرة الاقتباس موجودة منذ نشأة السينما المصرية، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الأعمال المقتبسة، التى تم تناولها فى أكثر من محتوى سينمائى ودرامى، ضاربة المثل برواية «ذا كونت دى مونت كريستو»، التى تتحدث عن فكرة الانتقام، والتى تم تقديمها بأكثر من طريقة وشكل درامى مختلف، وفى جميع أنحاء العالم.
وأضافت التونسى أن هناك الكثير من الأعمال الأدبية العالمية والعربية، التى تم الاقتباس منها، بأكثر من طريقة، وثقافة سواء فى منطقتنا العربية أو فى الخارج، مشيرة إلى أن فكرة الاقتباس فى حد ذاتها ليست عيباً أو أزمة، بل بالعكس هى بوابة للانفتاح على أشكال وثقافات وبيئات متنوعة، ولكن بشرط تقديمها بالشكل الصحيح.
وأوضحت التونسى أن من أهم شروط نجاح العمل المقتبس جعله يشبه الثقافة الخاصة بالبلد التى سيتم فيها تقديم العمل للجمهور، وتحديد الهدف من العمل، لافتة إلى أنه يمكن تقديم عمل مقتبس، ولكن ينفر منه الجمهور، لعدم تشابه مضمونه مع بيئة البلد، وبالتالى سيشعر معها المتفرج بالغربة بعض الشىء، مؤكدة أن فكرة الاقتباس فى حد ذاتها قد تكون ضامناً للنجاح، ولكن بشرط واحد أن يتم تنفيذها بالشكل الصحيح، الذى يناسب تذوق الجمهور المتلقي.
غياب الاجتهاد
وأرجع المخرج مجدى أحمد على، انتشار الاقتباس بشكل كبير بسبب الاستسهال  أحياناً، وانعدام الخيال، وغياب القدرة على تقديم قصة من واقع المجتمع المصرى الذى نعيشه، وعدم الاعتماد على الابتكار والإبداع، مشدداً على أننا نمتلك الكثير من المواهب الحقيقية، التى تستطيع تقديم هذا، ولكن البعض لا يرغب كثيراً فى الاجتهاد والتفكير.
وأضاف المخرج أن الاقتباس بشكل عام موجود فى العالم أجمع، ولكن بشروط وضوابط محددة، أهمها أن نذكر اسم العمل الذى تم الاقتباس منه، سواء كان أجنبياً أو عربياً قديماً، وهذا يحدث فى العالم كله، ولكن نجد البعض يعمد إلى كتابة أسمائهم على الأعمال باعتبار أنهم أصحاب المنتج الأصلى من قصة وسيناريو وحوار، ولديهم بصمتهم الخاصة عليه، وهو أمر يمكن كشفه بسهولة تامة.
وأشار أحمد على إلى أن عدم الاهتمام بذكر اسم العمل الأصلى يحول الأمر إلى شيئ بعيد عن الاقتباس، فيما يعتبر آخرون اللجوء إلى الأمر ضامناً أو مؤشراً أولياً للنجاح، نظراً لرؤيتهم القاصرة التى تتلخص فى أن أى عمل منقول أو مقتبس من الخارج سينجح بالضرورة وسيحقق مكاسب عالية، وهو أمر غير صحيح.
ورش الكتابة
وأكد المخرج محمد فاضل أن الاقتباس كان السبيل الوحيد للكثيرين خلال الآونة الأخيرة، بعد غياب المواهب فى الكتابة والتأليف، وذلك بالتزامن مع انتشار ورش الكتابة، التى أضرت الدراما كثيراً، ولم يخرج منها أى إبداع، نظراً لاختلاف المشاركين فيها فى أسلوب الكتابة والرؤية، وفى النهاية يخرج عمل فنى متوسطاً، لا تريد رؤيته مرة أخرى.
وأضاف فاضل أن ارتفاع مستوى الأعمال الدرامية مشروط بالرجوع للروايات الأدبية، مشدداً على أن الأدب والرواية هما الأساس فى دراما قوية، لافتاً إلى أن تأييده المطلق للاقتباس فى حالة وحيدة، وهى الاقتباس عن أعمال أدبية، يتم الإشارة إليها بشكل واضح.
ولفت المخرج القدير إلى أن فكرة تمصير الأعمال الأجنبية أو النقل عن أعمال أمريكية أو من أى دولة أخرى هى غير معبرة عن بيئتنا المصرية، وتفتقر إلى دراما قريبة لنا كمتفرجين، فهى تحقق جمال الصورة والمناظر فقط، ولكن بلا أحداث حقيقية تجذب الجمهور.
أمر طبيعى
وأكد الناقد الفنى طارق الشناوى أن الاقتباس جزء رئيسى وموجود فى العالم كله، وهو فى حد ذاته ليس عيباً، بل متعارف عليه، إلا أن الأزمة الرئيسية فى السينما المصرية هى عدم ذكر اسم العمل الذى تم الاقتباس منه، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الأعمال المصرية، التى لم يذكر فيها اسم العمل الرئيسى، وهو أمر لا يجوز مطلقاً.
وأضاف الشناوى أن قيمة العمل ونجاحه ورسم شخصياته، لاسيما النجم فيه، كلها أمور تغرى الكاتب لاقتباس أو تمصير أى عمل درامى، إذ يكون ثمة حد أدنى من النجاح مضموناً، اعتماداً على العمل الأساسى وتاريخه ونجاحاته السابقة، لافتاً إلى أن فيلم «نهر الحب»، على سبيل المثال، الذى قدمه الثنائى فاتن حمامة، وعز الدين ذو الفقار عام 1960، مأخوذ فى الأساس عن قصة «أنا كارنينا» لليو تولستوى، التى تم تقديمها بأكثر من شكل من قبل، لافتاً إلى أن نجاح العمل فى الأساس جاء لمراعاة المخرج عز الدين ذو الفقار بيئة وطبيعة الثقافة المصرية.
واستطرد حديثه قائلاً: فى الثقافة المصرية تعتبر فاتن حمامة ضمن الأحداث خائنة ومدانة بالكامل، فيما تم عقوبتها فى النهاية بالانتحار أمام القطار، ولكن نجد أنهما عندما سافرا إلى لبنان، حرص المخرج على نفى وجود علاقة بينهما، لأنها كانت زوجة زكى رستم ضمن الأحداث، لأنه لا يجوز أن تكون على علاقة مع شخص آخر وهى متزوجة، وبالتالى كانت تفصيلة مهمة من عز الدين ذو الفقار، فلم يصدم المشاهد، وحاول أن يراعى الفارق الثقافى والاجتماعى لدى الجمهور، فكان من الأفلام الناجحة فى تاريخ السينما المصرية والعربية.
الاقتباس.. والسرقة
أما  الناقد الفنى محمود قاسم  فيرى أن  شروط الاقتباس صعبة، كما أن الاقتباس من وجهة نظره لا ينفذ بدقة، ما يدخل صانعيه فى دائرة بعيدة عن الاقتباس، حيث يتطلب الاقتباس ذكر اسم المؤلف الحقيقى بعد استئذانه بوصفه حقه المعنوى، بالإضافة إلى حقه المادى، أى دفع المبلغ الذى يطلبه، وفى حال وفاته يفترض أن يذكر اسمه ويدفع المال لمن ينوب عنه، وهذا ما لا يحدث لدينا.
ويرجع قاسم سبب لجوء كتاب السيناريو إلى الاقتباس أو السرقة أو حتى المحاكاة إلى ضعف الإمكانات الإبداعية أحياناً، وإلى الرغبة فى اللعب على المضمون، لافتاً إلى أنه إذا كانت القصة نجحت كفيلم من قبل إذن فنسبة نجاحها مرة أخرى كفيلم عربى كبيرة، مستطرداً بالقول: بعض المؤلفين المصريين  يحتاجوا أحياناً إلى «عكاز» يستندون إليه، لفقدانه الخيال فى الكثير من الأحيان.
وأشار قاسم إلى أننا نجد بعض المؤلفين يأخذ عملاً أجنبياً «من الألف إلى الياء»، يغير فقط الأماكن والحوار، وهناك الكثير من النجوم اعتمدوا على هذا الأمر ونجحوا  أما الآخرين ففشلوا فشلاً ذريعاً.
الأقوى والأضعف
وقال الناقد الفنى جمال عبد القادر: يجب التفريق بين الاقتباس من الرواية أو قصة أدبية، والاقتباس من عمل فنى أو سينمائى، فالأول أمر محمود ومرغوب ومطلوب وإيجابى، أما الثانى فهو أمر مكروه، مشيراً إلى أن الاقتباس عن الرواية يتم بأخذ الفكرة أو الخط العام، والبناء عليه وتفاصيله، لأن الرواية بها الكثير من المقومات أو كما يطلق عليها «عظام متينة» يمكن البناء عليها بكل أريحية، وهنا يتحقق الحد الأدنى من الجودة، لاسيما إذا كانت رواية ناجحة من قبل مثل روايات نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو يوسف إدريس وغيرهم، وبالتالى فلديّ فكرة وخطوط درامية ويبقى فقط مجهودى الشخصى كمؤلف.
واستطرد عبد القادر حديثه قائلاً: أما تمصير العمل، وأخذ عمل فنى آخر وإعادة تدويره بمفردات العصر فقط فهو أمر سخيف، وجدناه فى بعض  من الأعمال الأخيرة، حيث تتم ترجمة النص بكل تفاصيله، وكادراته فى بعض الأحيان، وهو ليس إبداعاً، وهنا يجب التفريق بين الاقتباس من الرواية، والنقل من عمل فنى آخر.
ويواصل الناقد الفنى حديثه قائلاً: الاقتباس عامل قد يضمن النجاح الأولي، ولكن ليس بشكل دائم، فمن الممكن أن يأخذ الكاتب عملاً ما لنجيب محفوظ، وهنا يحدث جذب لانتباه الجمهور، لأن الجميع يريد أن يعرف ماذا سأقدم لنجيب محفوظ؟، وكيف سيتم تناول العمل؟ ولكن إذا تم تقديم الموضوع بشكل سيئ، فبماذا سأحقق النجاح؟، وهنا تظهر تفاصيل المبدع وشغله ومجهوده، وبصمته الخاصة، بدليل أن هناك الكثير من الأعمال المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ على سبيل المثال، لم تحقق النجاح بالقدر الكافى أو المطلوب.
ويرجع الناقد الفنى لجوء بعض المؤلفين إلى فكرة الاقتباس من الأساس لعدم وجود أفكار فى ذهنهم، فيحاولوا استدعاء رواية قرؤها أو فكرة أعجبتهم، وشعروا معها أن الوقت مناسب لتقديمها مع تغيرات الزمن، فتتم إعادة إنتاجها وتصبح صالحة للاستخدام مرة أخرى، ولكن الأصل هو ما الهدف من تقديمها؟ وكيف سيتم تنفيذها؟!
وختم عبد القادر حديثه قائلاً: من وجهة نظرى أفضل عمل تم اقتباسه هو فيلم «دماء على الأسفلت»، الذى قدمه نور الشريف، لأن التمعن فى تفاصيل وأحداث الفيلم يكشف أنه فى الأصل فيلم «بداية ونهاية».. نفس فكرة الأسرة، والأخ الذى ينجح فى شغله، ويتنصل من أهله، والأخت التى تبيع نفسها، والابن الذى يذهب إلى المخدرات، فكانت نفس الحدوتة وخطوطها العريضة، إلا أن الكاتب أسامة أنور عكاشة قدم تناولاً مختلفاً بشكل متميز للغاية، لقصة نجيب محفوظ، وعلى مستوى الدراما يمكن اعتبار مسلسل «حديث الصباح والمساء» أفضل من الرواية بمراحل، حيث أضاف الكاتب محسن زايد الكثير من التفاصيل غير الموجودة، التى أضافت قوة للمسلسل، أما عن الأضعف فيمكن القول إن مسلسل «بين السماء والأرض» الذى تم تقديمه ضمن منافسات رمضان الماضى، كان دون مستوى الفيلم أو الرواية، ولم ينجح بالشكل المطلوب.