استطاع الكثير من النجوم على الساحة الفنية فى ترك بصمة واضحة لهم فى السينما والتليفزيون والمسرح، حيث بلغت شهرتهم عنان السماء، وحازوا على إعجاب الملايين من محبيهم وعلى الرغم من عدم دراستهم للتمثيل أو الالتحاق بأي أكاديمية فنية إلا أن حبهم للفن، وموهبتهم الكبيرة ساهمت فى تحقيقهم لمعادلة النجاح الصعبة، فلم يرتبطوا بمؤهل دراسي أكاديمى للفن.
«الكواكب» تعيش معهم تجربتهم هذه ....
البالطو الأبيض
البداية مع كلية الطب والتي تخرج فيها العديد من النجوم الكبار والشباب، والذين فضلوا مجال الفن على ارتداء البالطو الأبيض، ويأتي على رأسهم الفنان يحيي الفخراني، والذي بدأ مشواره الفني منذ التحاقه بالكلية، وانطلق من المسرح الجامعي، وبعد تخرجه عين كممارس عام فى صندوق الخدمات الطبية بالتليفزيون إلا أنه تفرغ للفن فيما بعد.
وهو نفس الحال بالنسبة للفنان الراحل عزت أبو عوف، والذي دخل مجال الطب إرضاء لوالده فقط، الذي كان يتمني أن يصبح طبيبا، فدخل عالم الفن من خلال الموسيقى وتكوينه للفرقة الشهيرة الـ «فور إم» بصحبة شقيقاته، ومن الغناء للتمثيل حصل على أول دور سينمائي له فى فيلم «آيس كريم فى جليم».
كما تخرجت الفنانة الشابة سهر الصايغ فى كلية طب الأسنان، على الرغم من ظهورها الأول فى مسلسل «أم كلثوم» وهي طفلة، إلا أنها استطاعت جذب الأنظار إليها، ورغم ذيوع صيتها الفني، فهي تمارس مهنتها كطبيبة بين الحين والآخر.
ومع نشأته فى عائلة طبية بامتياز لأب وأم يعملان كأطباء كان طبيعيا أن يتخرج الفنان محمد كريم فى كلية الطب، حيث عمل فى مجال السمنة والنحافة والتخسيس بجانب التمثيل والعمل فى عروض الأزياء، وخلال السنوات الماضية سافر كريم إلى الولايات المتحدة حيث درس التمثيل فى هووليود وحصل على شهادة من معهد التمثيل، وشارك فى فيلم بصحبة النجم الأميركي نيكولاس كيدج.
وهو نفس الأمر بالنسبة للفنان كريم فهمي، والذي درس طب الأسنان، و ظل يمارس مهنته كطبيب، فى عيادته الخاصة بجانب الكتابة والتمثيل إلى فترة قريبة حتي تفرغ تماما للفن، وقدم مجموعة من الأعمال السينمائية والدرامية كان آخرها فى رمضان الماضي بمسلسل «ونحب تاني ليه».
السلك الدبلوماسى
أما شقيقه الفنان أحمد فهمي، والذي خاض هو الآخر العديد من التجارب الفنية فى الكتابة والتمثيل، وقدم العديد من الأعمال فى السينما والتليفزيون فقد درس فى كلية الهندسة قبل أن يقوم بالتحويل إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بعد عام واحد فقط، ليشق طريقه فى الفن كمؤلف لمجموعة من الأفلام أبرزها «كده رضا، وورقة شفرة، واتش دبور»، ليخوض بعدها التمثيل، ويقدم أبرز مجموعة من الأعمال أبرزها مسلسلات «ريح المدام»، «الواد سيد الشحات»، وأفلام «كلب بلدي»، و«سمير وشهير وبهير»، و«الحرب العالمية الثالثة» كما درست الفنانة يسرا اللوزي الاقتصاد والعلوم السياسية والتاريخ فى الجامعة الأمريكية، وقدمت العديد من الأدوار فى السينما والتليفزيون وأصبحت واحدة من نجمات جيلها بالوسط الفني، بالإضافة إلى الفنان الراحل ممدوح عبد العليم.
«فنانون بدرجة مهندسين»
كما كان لكلية الهندسة نصيب أيضا، فتخرج فيها مجموعة من النجوم أبرزهم الفنان سيد رجب خريج كلية الهندسة، جامعة حلوان، وقد عمل لمدة 20 عاما مهندسا بشركة النصر للسيارات، وبدأ مشواره المهني مسرحيا، وعمل لسنوات طويلة فى مجال المسرح التجريبي والحر، وقدم العروض المسرحية داخل وخارج مصر، وكذلك الفنان يوسف الشريف، والذي تخرج فى كلية الهندسة جامعة عين شمس، قسم ميكانيكا دفعة 2002، وشارك فى أول عمل فني له عام 2004، بفيلم 7 ورقات كوتشينة مع المخرج شريف صبري.
والثنائي هشام ماجد، وشيكو فكلاهما خريج لكلية الهندسة الأول عمل كمهندس للصيانة بأحد الفنادق الكبرى فى شرم الشيخ أم الثاني بدأ حياته مهندس ميكانيكا قوى، بإحدى الشركات العالمية، حيث التحق بكلية الهندسة حبا لأن والده ووالدته كانا مهندسين، بالإضافة إلى الفنان آسر ياسين، والذي درس هندسة الميكانيكا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
نجوم الكوميديا
وكانت كلية الزراعة هي مجال الدراسة المشترك لمجموعة كبيرة من النجوم الكبار ولعل أبرزهم الفنان الكبير عادل إمام والفنان صلاح السعدني، والفنانة دلال عبدالعزيز، والفنان محمود عبدالعزيز، حيث بدأ هؤلاء النجوم مشوارهم بفريق التمثيل بالجامعة، فكانت بداية الفنان عادل إمام من خلال مشهد وحيد فى مسرحية «السكرتير الفني»، حيث قدمه الفنان عبد المنعم مدبولي، ثم المشاركة فى مسرحية «أنا وهو وهي» من بطولة الفنان فؤاد المهندس لتنطلق رحلته الفنية التي قاربت على نصف قرن رسم فيها الضحكة علي وجوه الملايين، وقدم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخ الفن المصري.
كما لعبت الصدفة والأقدار دورا مع الفنان صلاح السعدني، حيث التحق بفريق التمثيل بجامعة القاهرة منذ العام الأول، ورشحه الفنان عادل إمام، والذي كان رئيس فرقة التمثيل المسرحي لأول دور له بمسرحية بعنوان «ثورة الموتى»، وهو نفس الحال بالنسبة للفنانة القديرة محسنة توفيق، والتي تخرجت أيضا فى كلية الزراعة، والتي أكدت فى تصريحات تليفزيونية لها فى هذا الصدد أن دخولها لعالم الفن بالصدفة دعمته عوامل متنوعة جعلتها تستمر، على الرُغم من عدم دراستها له إلا أنها وجدت أنّ الفن فى الأساس موهبة وحياة وثقافة ودراسة والدراسة بالفعل تصقل الموهبة ولكنها قد تصقل بدون دراسة مع التجربة الفنية والخبرة والقراءة والتدريب على التمثيل من خلال المخرجين الذين يتعامل معهم الفنان.
الحقوق والتجارة
ورغم حصولها على درجة الماجستير فى الملكية الفكرية بعدما تخرجت فى كلية الحقوق بتونس، توجهت الفنانة التونسية هند صبري إلى التمثيل، وابتعدت تماما عن مهنة المحاماة، لتشارك فى مصر بأول عمل لها وهو فيلم «مذكرات مراهقة» لتستقر فى مصر، وتصبح إحدي النجمات بمشوار طويل من الأعمال الفنية. كما حصلت مواطنتها الفنانة درة على ليسانس حقوق من تونس، ومن جامعة سانت جوزيف بلبنان حصلت على بكارليوس وماجستير بالعلوم السياسية، وبعد انطلاقتها فى تونس جاءت إلى مصر، وقدمت أول مشاركتها فى فيلم «هي فوضى» ليسطع اسمها سريعاً بعالم الفن. فيما يضم سجل الفنانين من خريجي كلية الحقوق مجموعة أخرى أبرزهم الفنانة شريهان وشرين سيف النصر ومحمود ياسين والفنان الراحل خالد صالح.
كما كان لكلية التجارة النصيب الأكبر من خريجيها من الفنانين منهم الفنانة بوسي، والفنان محمود حميدة، وليلى علوي وصفية العمري وسمية الخشاب وصلاح عبدالله ونشوى مصطفى وأحمد آدم ومصطفى قمر، والفنان الراحل علاء ولي الدين ومحمد نجاتي ونيرمين الفقي وريهام عبد الغفور وغادة عادل.
وهناك فنانون تخرجوا فى كلية الفنون التطبيقية وهم محمد منير، وحسين الإمام، وفي كلية السياحة والفنادق الفنانة إسعاد يونس و الفنانة داليا البحيري، والفنانة أميرة فتحي، والفنان هشام سليم، وفي كلية الآداب تخرج كل من إبراهيم نصر وأحمد بدير وأحمد عز وبسمة ورانيا محمود ياسين وجالا فهمي وصابرين وسماح أنور والضيف أحمد وسعيد صالح، وتخرج فى كلية الإعلام كل من الفنان مصطفى شعبان ومنى زكي والفنانة نجلاء بدر.
سوء الحظ
على الرغم من تحقيقهم النجومية والشهرة لم يحالف الحظ مجموعة أخرى من الفنانين فى استكمال تعليمهم مثل الراحل إسماعيل ياسين وسعاد حسني والفنان أحمد رمزي الذي التحق بكلية التجارة ولم يستكمل دراسته بسبب اتجاهه للفن وعبدالسلام النابلسي ورشدي أباظة وفريد الأطرش وعبدالفتاح القصري، كما حصل على الدبلوم والثانوية العامة فقط كل من الفنان عمر الشريف وعماد حمدي وماجدة ومحمود المليجي ومريم فخر الدين وناهد شريف.
عامل مشترك
قال الناقد الفني طارق الشناوي إن ثقافة الفنان عامل قوي ومؤثر فى تحقيقه للنجاح والاستمرارية، على الرغم من عدم دراسته للتمثيل أو الالتحاق بأي أكاديمية فنية، لافتا إلى أن الدراسة مرتبطة لدينا بفكرة الأكاديمية أو المعهد أو الكلية فقط، ولكن هي فى حقيقة الأمر دائرة أوسع تتطلب الكثير من الجهد والوقت والعمل الجاد والتجارب لكي يفهم الفنان كل ما يخص المجال الذي يعمل فيه، وهي عوامل استطاع هؤلاء النجوم تحقيقها.
وأضاف الشناوي أن التاريخ الفني يمتلىء بالكثير من النجوم والمخرجين العظماء، والذين لم يدرسوا التمثيل أو الإخراج، واستطاعوا تقديم أعمال ونجاحات مبهرة، وهناك على الجانب الآخر نجوم سلكت الطريق المعروف فى الدراسة ثم العمل واستطاعوا النجاح أيضا، ولكن ثقافة الفنان كانت هي العامل المشترك بين الطريقين.
وأوضح الشناوي أن هناك الكثير من النماذج الفنية التي استطاعت تحقيق النجاح الباهر، ولم تدرس التمثيل وعلى رأسهم الفنان عادل إمام، وهو خريج كلية الزراعة فى الأساس، ولكن يظل هو أهم نجم كوميدي موجود على الساعة حتي الآن، بالإضافة إلى يحيي الفخراني، وهو طبيب فى الأساس، كما يعرف الجميع، لافتا إلى أن مخرجين عظام أمثال يحيي العلمي، ومحمد فاضل، وأنعام محمد علي لم يلتحقوا بأي أكاديمية لتدريس الفن، ولكنهم استطاعوا ترك بصمات واضحة فى الفن.
ويستطرد الشناوي حديثه قائلا : ثقافة الفنان وقدرته على تطوير مهاراته، وموهبته دون دراسة أكاديمية تظهر لنا مثلا فى الفنانة الراحلة سعاد حسني، فوالدها لم يلحقها بالمدارس من الأساس، وكان لديه الاعتقاد بأن المدارس تفسد المواهب، لكنها ومع الاشتغال بالفن، استطاعت تثقيف نفسها، بالإضافة إلى مساعدة المحيطين لها على ذلك، وعندما تجلس معها أو تستمع لها، تجدها فنانة على درجة كبيرة من الوعي والإدراك والثقافة، إسماعيل ياسين أيضا، وهو نجم كوميدي كبير ارتبط معنا بالنكتة والمونولوج إلا أنه كان مثقفا وأحاديثه ملفتة للنظر وتحمل وجهات نظر متعددة، ويعي جيدا ما يقدمه ويخطط لما يفعله دائما بشكل جيد للغاية.
وختم الناقد الفني حديثه بالقول: دراسة الفن ليس قرينة بثقافة الفنان بشكل عام، لكنها من الممكن أن تصبح أحد عناصر أو مصادر الثقافة لكنها ليست المصدر الوحيد بالضرورة، وهناك الكثير من المصادر الأخرى، التي يتطلب للفنان معرفتها حتي يصبح على دراية كاملة بما يقدمه للجمهور.
عظماء الفن
ويرى الناقد الفني محمود قاسم أن الموهبة عليها العامل الأكبر فى دخول عالم الفن، مشيرا إلى أن العظماء فى مجال السينما لم يدرسوا فى أكاديميات أو معاهد فنية إلا نادرا، مشددا على ضرورة أن يقوم الفنان بتطوير نفسه وتنمية مهاراته الفنية والإبداعية، حتي يضمن الاستمرارية والنجاح، وعلى الرغم من أن الفنانين الكبار كانوا يعتمدون على الموهبة فقط إلا أن خبراتهم كانت تعوض مسألة الدراسة الأكاديمية.
وأضاف قاسم قائلا: التمثيل والرسم والغناء والرقص وغيرها من الفنون قائمة على الموهبة فى الأساس، ثم تأتي الدراسة، وإذا لم يمتلك المبدع الموهبة من الأساس فسيحقق الفشل، وينكشف زيفه للجمهور، ويصبح فى طى النسيان.
نجاح حقيقى
أكد الناقد الفني سمير الجمل أن الموهبة منحة ربانية استثنائية، لا يمكن لأي شخص أن يتدخل فيها، لافتا إلى أن الكثير من النجوم استطاعوا ثقل موهبتهم بالدراسة، وكان على مستوى مميز من الناحية العلمية والعملية، ضاربا المثل بالفنان نور الشريف، والفنان حسين فهمي، والذي درس الإخراج فى الأساس، واتجه للتمثيل بعد ذلك، ليصبح أحد النجوم فى مصر والوطن العربي، وهنا تصبح الدراسة عاملا هاما فى اختلاف الفنان.
وأوضح الجمل أن قيمة الفنان المثقف فى النهاية هي التي ترجح كفته، وتضمن استمرارية نجاحه لأنه يمتلك وعي وإدراك وخبرات، يكتسبها ليس من خلال القراءة فقط، وإنما من اختلاطه بالبشر، ومعرفته بتاريخ الفنانين الكبار، بالإضافة إلى قدرته على التطور، وهنا يصبح الفارق واضحا فهناك نجوم أكثر شهرة وآخرون أعمالهم أكثر استقرارا فى الذاكرة لأهمية أدوارهم.
وختم الجمل حديثه قائلا: الموهبة المتأصلة مثل الذهب لابد أن يعتني بها صاحبها يوميا، والنجم الحقيقي، والنجاح الحقيقي ليس صدفة، وإنما نتاج لمجهود وعمل وجهد، وعندما نذكر أسماء مثل فؤاد المهندس او نجيب الريحاني، وغيرهم هم حاضرون بأعمالهم لقيمتها الحقيقية، أما الآن فالبعض قد يكتسب صفة النجومية ولكن أعمالهم بلاقيمة.