21-12-2022 | 11:43
ظاهرة سلبية جديدة باتت تشكل فى حياة النجوم واحدة من المعارك التى وجدوا أنفسهم فجأة مضطرون للدخول فيها ربما عن غير رغبة أو إرادة، ولكنها مقتضيات التدخل الرهيب والاقتحام الذى صنعته وسائل التواصل الاجتماعى وطغيان السوشيال ميديا على كافة أشكال الحياة، بشكل أصبح يفقد الفنانون الشعور بخصوصية حياتهم الشخصية، فمع نشر صورة هنا أو مناسبة هناك أو احتفال أو أى حدث خاص، يواجه الفنان بسيل من الهجوم والاحتقان الذى يبلغ حد التنمر.
فماذا عن هذه الظاهرة التى باتت واضحة على مواقع التواصل الاجتماعى تجاه نجومنا وكيف يمكننا مواجهتها وقبل هذا ما هى الأسباب وراء ظهورها.
البداية تأتى من الفنانة يسرا اللوزى التى تعرضت لهجوم من أحد متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعى حيث وصفها بأنها «أم الطرشة»، وذلك عقب ظهورها مع الإعلامية منى الشاذلى فى برنامج «معكم» حيث أشارت بعدها إلى أنها فخورة بأنها أم لطفلة صماء ستصبح إنسانة متفوقة ومثقفة وتعتمد على نفسها بدون أن تكون عبئا على أحد.
حتى الفنانة القديرة سوسن بدر لم تسلم من حالات التنمر بعد أن كتب لها أحد المتابعين متمنيًا لها الموت، حيث علق لها فى بوست نعت خلاله المخرج السورى حاتم على «عقبالك»، بينما علقت عليه الفنانة قائلة «الموت رحمة ولطف من ربنا سبحانه للطيبين، لأنهم بيتمنوا لقائه أشكرك على دعائك».
أيضا الفنان أحمد زاهر من النجوم الذين فضلوا الرد عن الصمت ففى واقعة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت صورة لابنة الفنان وهى بصحبة والدها داخل «حمام السباحة» بالملابس المخصصة للسباحة، حيث ظهر زاهر وهو يحتضنها، وعلى الفور انهالت بعض التعليقات الخارجة التى دونها بعض المتابعين، وقام زاهر بالرد قائلاً: أنا مش عارف ليه بقينا كده، ليه نجرح فى بنات وأطفال صغيرين، لو الصورة مش عاجباك عديها.
وكان قد سبق ذلك واقعة بنات الفنان شريف منير حين نشر صورة لابنتيه الصغيرتين ولاقى العديد من التعليقات المسيئة بالنسبة للصورة رغم أنها عادية، ولكنه أيضاً لم يستطع الصمت وقام بالرد دفاعاً عن ابنتيه.
أيضاً تعرض الفنان كريم فهمى للتنمر بسبب بنتيه الطفلتين ففى حفل زفاف شقيقه أحمد فهمى.. قام بنشر صورة عائلية جمعت الاسرتين وقد وضع على وجه الطفلتين «قلوب» حيث معروف عنه رفضه لظهورهما فى هذه السن المبكرة، ليفاجئ بإحدى المتابعات تعلق قائلة ساخرة: «قلوب ايه اللى حاطينها على وش العيال، افهم بس ايه الفكرة، مش هيتحسدوا، يا رب سامحنى، بس مش قادرة اسكت بجد»
أما النجمتان الكبيرتان نادية الجندى ونبيلة عبيد فقد لاقتا العديد من التعليقات المسيئة من بعض المتابعين الذين يتعجبون أنهما مازلتا تعملان رغم تقدمهما فى العمر، وعلى هذا الأمر ردت نبيلة عبيد وقالت: أعتقد أن المخرج أراد الرد على هذه الآراء والتى تتحدث عن أعمارنا وعودتنا من خلال أغنية عبدالباسط حمودة بالمسلسل، والتى تقول أنه ليس ضرورياً على كل من كبر سنه أن يعتكف وينسى حياته وعمله مادام يستطيع العمل وتقديم الجديد .
وتابعت: وأنا ونادية مازلنا نستطيع العمل والأداء الجيد لماذا نتوقف؟!
كما تعرض الفنان محمد رمضان للتنمر فى الفترة الأخيرة بعد نشره صورة مع ابنه الصغير، حيث سخر بعض الأشخاص من ملامح الطفل، وقالوا أنه لم يرث أى من جمال أمه، فيما رد الفنان المصرى بأنه فخور بلونه ولون أطفاله.
كما شاركت الفنانة عبير صبرى جمهورها بصور من كواليس تصوير مسلسل (خيانة عهد) الذى شاركت به فى الموسم الرمضانى الماضي، وظهرت عبير فى الصور برفقة يسرا وحلا شيحة وسلوى عثمان، حيث تلقت تعليقات من جمهورها يثنون على المسلسل ودورها فيه إلا أن أحد المتابعين علق على الصور كاتباً: (جميع فئات المجتمع خسرت بسبب كورونا إلا أنتوا يا فنانين على فكرة ده مش حسد ده قر).
الفنان الكوميدى حمدى الميرغني، وزوجته الممثلة إسراء عبد الفتاح، نجما مسرح مصر أيضاً من ضحايا التنمر الإلكتروني، بعدما نشرت إسراء صورة تجمع زوجها بابنته تمارا بمناسبة عيد الأب، لتنهال التعليقات الغاضبة من توقيت نشر الصورة، الذى تزامن مع إعلان «أوس أوس»، زميلهما فى «مسرح مصر»، وفاة طفله الرضيع «علي».
بالرغم من أن الفنان آسر ياسين قليل الظهور بصحبة زوجته، إلا أنه من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعى من حيث مشاركة الصور الخاصة به ولزوجته وتقديم الشكر لها أمام متابعيه، ليقابل بتعليقات ساخرة وجارحة على زوجته، وأنها ليست على قدر كبير من الجمال، ليتبع آسر ياسين طريق المواجهة للرد على ذلك التنمر الفج، ونشر صورة لزوجته معلقًا أنه يراها أجمل امرأة فى العالم، ويكفى وجودها بجانبه وما فعلته من أجله فى حياتهما الزوجية.
تعرض الفنان خالد سليم للتنمر بسبب نشره لصورة زوجته على حسابه الشخصى على السوشيال ميديا فى الفترة الأخيرة، ولكن رد فعله كان حادًا حيث رد بشكل واضح وجاف على الشباب الذين هاجموا زوجته وعلقوا على جمالها.
تعتبر الممثلة ياسمين رئيس من أكثر الفنانات اللاتى يتعرضن للتنمر منذ ظهورها الأول، وإثارتها للجدل بأدوارها، حيث تختار قصات شعر مختلفة، وأدوار خاصة بها، ولكن ما تعرضت له خلال الأيام الماضية من تنمر كان فجًا وغير مبرر، حيث صورتها الأخيرة مع زوجها المخرج هادى الباجورى، والتى ظهرت فيها أكثر طولا منه نظرا لارتدئها حذاء بكعب عال .
كما تعرضت الفنانة الاستعراضية «دينا» لهجوم عنيف عبر مواقع التواصل الاجتماعى بعد نشرها صور لها من أداء مناسك العمرة، وفوجئت بتعليقات سلبية حتى أن البعض اتهمها بأن ذهابها هناك كان لغرض الزواج، ما اضطرها لغلق التعليقات ونفى فكرة الزواج من خلال فيديو نشرته توضح فيه موقفها.
وإذا كانت الجولة السابقة استعرضت بعض النماذج لما وصل إليه حال بعض من الجمهور تجاه الفنان.
هذا عن بعض ما يحدث الآن من التنمر ضد النجوم والمشاهير ولكن كيف يرى الخبراء الأمر؟
فى البداية يقول الناقد الفنى طارق الشناوى: إن مواقع التواصل الاجتماعى فتحت الباب أمام الجماهير لمتابعة التفاصيل اليومية لحياة نجوم الفن، ووفّرت مجالا خصبا للبعض من ذوى النفسيات السيئة وممتلكى الكراهية الدفينة للظهور تحت أسماء مستعارة للهجوم والإساءة.
وقد ظل التنمر لفترة طويلة مقترنا بجمهور الرياضة، فجمهور فريق مثل الزمالك المصرى ظل لسنوات طويلة يتحاشى الاعتراف بتشجيع لاعبى فريقه علنا خوفا من موجات السخرية التى يتعرضون لها مع أى هزيمة للفريق، ثم اتجه لأهل الفن مع انتشار بعض أغانى الفيديو كليب حتى تشكلت روابط «الأولتراس الفنية»، التى تدعم مطربا إزاء المنافسين وتشنّ حربا إلكترونية حال تعرضه لانتقاد، ولا شك ان المواقع الإخبارية الإلكترونية اتاحت مجالا واسعا للتنمّر بشكل غير مباشر عبر استحداثها لبعض الموضوعات التى تثير اهتمامات الناس كملابس الفنانين فى المهرجانات وغيرها.
وطالب طارق الشناوى بالتفرقة بين التنمر والنقد، فقطاع من الفنانين أساء توظيف المصطلح الدارج حتى بات يعتبر كل هجوم على أعمالهم الفنية تنمر، وبعضهم يلجأ إلى الرد بعنف على المتنمّرين فيساعدون دون قصد على تنامى الظاهرة، ويتناسون أنهم قدوة للجمهور.
من جانبها أكّدت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن المشكلة الأساسية فى الفجوة الإنسانية المتسعة بين الجمهور والفنانين، سواء فى العالم الحقيقى أو حتى فى موضوعات الدراما التى يتناولونها فى بعض الأحيان والتى اغفلت دورها فى تربية الذائقة الفنية لدى الجماهير، ومناقشة قضاياهم، والتعبير عن مشكلاتهم ومن ثم ابتعد بعض الجيل الحالى من الفنانين عن الجمهور وعن مشاكله الحياتية الحقيقة ، على عكس الرعيل الأول، حيث كانت الصور الملتقطة فى منازلهم تظهرهم كبشر مثل الجميع، يعدون الطعام فى مطابخ تقليدية، ويقطنون فى منازل لا تختلف كثيرا عن منازل الطبقات المتوسطة، فى الأثاث والموقع وحتى فى ملابسهم المنزلية.
وأوضحت خضر أن انتشار التنمّر ضد نجوم الفن، سببه اختلال المنظومة القيمية فى المجتمعات بشكل عام وذوبان الخط الفاصل بين المزاح والسخرية والتهكم، كما يعتبر نتاجا طبيعيا للتعليم الذى سقط دوره التربوي.
وأضافت أن مواجهة التنمّر ضد نجوم الفن أو غيرهم، يجب أن تكون شاملة تشارك فيها المؤسسات كافة، بداية من الإعلام فى وقف البرامج التى تنمى الظاهرة وتجر الضيوف للهجوم على بعضهم لنيل المشاهدات، وكذلك الأسر والمؤسسات التعليمية التى لديها دور فى غرس منظومة القيم.
ويرى الدكتور جمال فرويز، استشارى الطبى النفسى، أن بعض المتنمّرين يعانون اضطرابا فى الصحة العقلية ولديهم طريقة قاصرة فى التفكير والشعور بالآخرين، وفقدان القدرة على ضبط المشاعر والسلوك، أو إقامة علاقات اجتماعية سوية، ولا يعتدون بمشاعر الآخرين ويوجهون اللوم الدائم لهم كنوع من الاسقاط لكل ما يمرون به من مشكلات.
وذكر أن الظاهرة سببها الانحدار الثقافي، وتراجع دور الأسرة فى التربية وتثقيف الصغار، وجو العنف الأسرى فى المنازل ووجود المشادات والمشاجرات بين الأبوين أمام الأطفال، أو وجود شخص داخل الأسرة يمارس تهديدا على الطفل فيمارسه بدوره على الآخرين حتى لو كان عبر الواقع الافتراضى وليس الحقيقي، والتنمّر ظاهرة راسخة منذ القدم، لكن انتشار المصطلح هو الجديد، فأشعار الهجاء ضمت السخرية من العيوب الجسدية والعاهات البارزة، مثل قصر القامة أو صعوبة الحركة أو طول الأنف، وإنما الجديد هو تنامى الظاهرة بصورة فجة جاءت مع تطوّر وسائل الاتصال، وتستهدف جميع الأعمار والطبقات، وربما كان نجوم الفن أكثر تعرضا للأذى بحكم أن الأضواء مسلطة عليهم بكثافة .