تشهد مؤسسة «دار الهلال» على أنها إحدى قلاع الثقافة المصرية، فهى مؤسسة عريقة كتبت لنفسها تاريخا عريقا من الإبداع والثقافة والفنون، وتأسست على يد جرجى زيدان عام 1892، وكانت شاهدة عن قرب على كل مبدعى الوطن من خلال إصداراتها الفريدة والمتخصصة فى كافة المجالات ودروب الحياة، إن «دار الهلال» التى اعترف بمكانتها القاصى والدانى كانت أحد أهم روافد الثقافة ليست فى مصر فحسب بل فى كل أرجاء الوطن العربى، كون إصداراتها شكلت كثيرا من ثقافات وفنون تلك المجتمعات العربية المختلفة وهذا لم يتأت بشهادات أبناء «دار الهلال» وأنا واحد من كوادرها على مدى 36 عاما منذ خطوت خطوتى الأولى، وأنا طالب بكلية الإعلام جامعة القاهرة بقسم الصحافة فى العام 1986 وحتى اليوم، ولكن بشهادات مثقفى ومبدعى وفنانى تلك الدول العربية الذين جمعتنى بهم لقاءات فنية وثقافية على مدى سنوات عملى الصحفى، وأنا ألتقى بكافة المبدعين من مختلف الأقطار العربية إذ يشهدون بكل حيادية على أهمية إصدارات «دار الهلال» منذ زمن بعيد، وأن تلك الإصدارات كانت زادا ثقافيا لهم كانوا ينتظرونه على سلم الطائرات التى كانت تأتى إليهم بمطبوعات «دار الهلال» وفقا لتاريخ الصدور الأسبوعى أو الشهرى..
كانت تلك الإصدارات التى مثلت زادا ثقافيا مهما فى زمن كانت مصر قبلة التعليم لكثير من طلاب تلك الدول الشقيقة، والذين تربى الكثير منهم ممن تلقوا تعليمهم فى مصر على مطبوعات «دار الهلال» وأخص بالذكر مجلات: «المصور والكواكب وحواء وسمير وتوم وجيرى وطبيبك الخاص وكتاب الهلال وروايات الهلال والهلال الشهرى»، التى كانت أيقونة للثقافة وقبلة المبدعين، والتى خط صفحاتها كبار الكتاب والمثقفين والأدباء والنقاد والمبدعين فى كافة مجالات الثقافة والفنون ، ولأن تلك المطبوعات تخصصت فكان لهذا التخصص نوع من التفرد، فكانت «المصور» التى صدرت لأول مرة عام 1924 إحدى قلاع الصحافة المصورة، والتى كانت تتابع الأحداث السياسية والاجتماعية والرياضية فى مجتمعنا المصرى عن كثب، وتقدم الكلمة الرصينة والصورة البديعة لكوكبة من الكتاب والمصورين الذين التحقوا بالعمل فى هذه المؤسسة ،وكانوا أعمدة لهذه المنارة الفريدة حقا، أما «الكواكب» التى صدرت لأول مرة عام 1932 كملحق باسم «الكواكب والاثنين»، ثم صدرت مجلة منفصلة، فكانت قبلة الفنانين فى مصر والوطن العربى، وكان من يُنشر له سطر فى صفحاتها شهادة بشهرته ونجوميته فيما بعد، بل كانت أقلامها الرشيقة ومقالاتها النقدية هى شهادات ميلاد لعشرات النجوم الذين اكتشفتهم وقدمتهم لأول مرة على صفحاتها ، ثم مجلة «حواء» المتخصصة فى الصحافة النسائية والمكانة التى لعبتها منذ العام 1955 وحتى اليوم فى التعبير عن قطاع كبير من أبناء المجتمع المصرى، وخاصة ممن تفردن من نسائه فى كافة المجالات وكانت «حواء» معبرة عنهن وعن نجاحاتهن ودورهن البارز فى المجتمع ، أما «طبيبك الخاص» التى كانت من درر إصدارات «دار الهلال» فلعبت دورا فى التعريف بكل ما يطرأ من أمراض وكيفية علاجها والتعريف بالثقافة الطبية، وكان من كتابها أطباء ومشاهير متخصصين فى مجالاتهم.
أما روايات الهلال فكانت إحدى أهم المطبوعات المتخصصة فى نشر الروايات الحديثة للكثير من كبار الكتاب وتشجيع النوابغ من المواهب الجديدة، وكذلك مجلة «الهلال» وما كانت تحويه من أقلام نقدية رشيقة ورصينة فى تناولها للحياة الثقافية فى مصر والوطن العربى، ولا ننسى مطبوعات الأطفال الشهيرة التى كانت «دار الهلال» تطبعها وتخصصت فى نشر ثقافة الطفل من خلال مجلة «سمير» التى تأسست عام 1956 و مجلة « توم وجيرى» و«ميكي» وكانت تلك المطبوعات من أهم ما يطبع فى «دار الهلال» لأنها كانت من أكثر مطبوعاتها توزيعا .
ونأتى إلى درة التاج وهى التى سميت المؤسسة باسمها وهى « الهلال» والتى صدرت فى عام 1892 أى قبل 130 عاما من الآن .. إن هذا التاريخ الطويل من الإبداع والتحدى والكثير من النهضة الصحفية التى شهدتها «دار الهلال» خاصة فى الستينيات والسبعينيات وهى فى أوج تألقها وقمة التوزيع لإصداراتها المختلفة التى كانت تصل لمئات الآلاف من النسخ أسبوعيا، وكانت تتخطى البحار والمحيطات لتصل إلى كثير من دول العالم ..إن هذا التحدى وهذا النجاح صنع شهرة كبيرة لمؤسسة عريقة اسمها «دار الهلال»، والتى حافظ على مكانتها كبار الكتاب من أمثال أحمد بهاء الدين وأمينة السعيد ومكرم محمد أحمد من الذين رأسوا مجالس إداراتها عمرا طويلا من الزمن .
لقد شهد تاريخ «دار الهلال» نجاحات وتحديات كثيرة، ومع ذلك كانت تقاوم وتتحدى مصاعب الزمن وتؤدى دورها بكل شفافية وحيادية.
إن تاريخ «دار الهلال» سيظل ناصعا وستظل هى رمزا ومنارة للثقافة والفنون والإبداع طالما بقيت المؤسسة شامخة واقفة تواجه عوامل التحدى فى وسط مدينة السيدة زينب فى قلب القاهرة التاريخية.. فتحية إجلال وتقدير لمؤسسة أفنيت فيها حتى اليوم 36 عاما من عمرى متمنيا لها ألقا وازدهارا.