28-12-2022 | 11:28
أحمد سعيد
لا تخلو أغنية شهيرة من قصة مثيرة أو طريفة أو غريبة تكون أحد أسباب ظهورها للنور؛ والأمثلة كثيرة ، مثل تعاون أم كلثوم مع عبد الوهاب فكانت «انت عمرى» وملحمة معركة «رأس العش» كانت وراء أغنية «يا حبيبتى يا مصر» وقصة حب د. إبراهيم ناجى للفنانة زوزو حمدى الحكيم التى أنتجت لنا «الأطلال» والتى كتبت على روشتة دواء وغيرها من الأغنيات، ونحن فى السطور التالية نرصد بعضا من تلك الأمثلة التى تكشف أسرار الأغنيات الشهيرة ونحكى بعضا من حكاياتها .
أخاصمك آه
لاشك أن أغنية « أخاصمك آه « لنانسى عجرم هى الأغنية الأشهر فى حياتها ، بل ربما هى سبب شهرتها ولولاها لما كانت نانسى أو على الأقل تأخرت شهرتها ، ولكن كيف ولدت أخاصمك آه وهل كانت مكتوبة فى الأساس لنانسى أم لمطربة أخرى؟
المفاجأة أن الأغنية كادت تغنيها مطربة لبنانية أخرى وهى «أيلين خلف» ولكن مدير أعمالها رفض بحجة أنها قدمت أغنية شبيهة فذهبت الأغنية لنانسى.
مؤلف الأغنية الشاعر الكبير والكاتب الصحفى «فوزى إبراهيم» أمين صندوق جمعية المؤلفين والملحنين يقول: «أخاصمك آه» كانت أساسا تيمة موسيقية حيث تعرفت على الملحن محمد سعد للمرة الأولى وأسمعنى أكثر من تيمة موسيقية، وهذه الأغنية خطفتنى فقلت له سجل لى هذه الأغنية ، فقال لى إن لديه أفضل منها، لكننى صممت عليها وقلت له لا مانع من سماع باقى الألحان، وبالفعل أخذت منه ألحانا أخرى لكننى طلبت أن نبدأ بها فقال لى: «أنا مستغربك»، هذه ليست أقوى أغنية فقلت له: أنا أعرف مواطن قوتها، وأخذتها، ثم «اشتغلنا عليها» كموسيقى قبل الكتابة لتقوية مناطق الضعف فيها لتكون لحنا قويا ثم بدأت الكتابة ، وانتهيت من مذهب والكوبليه الأول، ثم طلبت الشركة المنتجة لأغنيات «أيلين خلف» «ونانسى عجرم» أن أجهز لهما أغنيات وقالوا لى إنهم يريدون أغنية رئيسية لأيلين خلف وأغنية رئيسية لصوت جديد سيزور مصر لأول مرة قلت لهم تمام أنا أعرف أيلين لكن الصوت الجديد أريد أن أسمع له أى مقطع فأرسلوا لى «ألبوم قديم» اسمه «شيل عيونك عنى» كانت تغنى فيه نانسى مثل ميادة الحناوى وعزيزة جلال وكانت تريد أن تقدم هذا اللون الذى يعتمد على الطرب لكننى وجدت أن خامة صوتها لو ذهبت إلى لون آخر «هاتنور» أكثر وكان عمرها 20 سنة وبدأنا العمل فقالت لى الشركة إن أيلين ستأتى أولا وطلبوا منى أن تسمع «أخاصمك آه» والأغنية الأخرى رغم أننى رأيت أن «أخاصمك آه» تناسب المطربة الجديدة أى نانسى والأغنية الأخرى واسمها «هيمانة» تناسب أيلين لكننى بالفعل أسمعت أيلين «أخاصمك آه» ففوجئت بأن مدير أعمال أيلين رفض الأغنية وقال إنهم أخذوا أغنية أخرى بنفس الإيقاع، ثم أخذ أغنية «هيمانة»، وكنت قد غيّرت فى أغنية «أخاصمك آه» لتناسب أيلين ثم عدت وغيّرت فيها مرة أخرى لتناسب نانسى، وعندما حضرت نانسى مع مدير أعمالها جيجى لمارا واستمعا إلى الأغنية، رغم أنهم كانوا قد انتهوا من الألبوم وقاموا بتسجيل 9 أغانٍ، واختاروا الأغنية الرئيسية بعنوان «ياسلام» وقاموا بتسمية الألبوم باسمها لكنهم بمجرد سماعهم لأغنية «أخاصمك آه» طلبوا تسجيلها فورا، وأسرعوا بتغيير البوستر وتغيير اسم الألبوم إلى «أخاصمك آه» كما غيّروا ترتيب الألبوم واكتشفت أن المنتج المصرى هو الذى ألح عليهم بضرورة سماع أغنية «أخاصمك آه» لأن الأغانى التسع التى سجلوها ليس فيها أغنية مميزة بمواصفات السوق المصرى.
ملهمش فى الطيب
واصل الشاعر فوزى إبراهيم حديثه قائلا: أغنية «ملهمش فى الطيب» أيضا أخذها إيهاب توفيق فوق البيعة لأنه كان قد انتهى من الألبوم ،ولكنه بمجرد أن سمعها أعجبته هو والمنتج ولكنهم ركنوها عاما كاملا، ولم يقل لنا أحد ماذا سيفعلون بها ،والوحيدة التى كانت تتواصل معى أنا والملحن صلاح الشرنوبى هى والدة إيهاب توفيق ،وكان من عادة المطربين أن يضعوا الأغنية المميزة فى أول الشريط وفى آخره، وأن تكون الأغنية المأخوذة فوق البيعة هى الأغنية الثالثة فى الوجه الثانى من الألبوم، فوضعوا «ملهمش فى الطيب» الأغنية الثالثة فى الوجه الثانى، وبمجرد نزول الألبوم كسّرت الدنيا رغم أنها لم تكن مصورة، وطلبوا منى تصويرها وأن أكتب كلمتين لتقديم الأغنية يقولها إيهاب فى بدايتها، وكتبت الكلمتين ثم كتبت سيناريو كاملا للأغنية خاصة بعدما علمت بأن المخرج جميل جميل المغازى هو الذى سيصور الأغنية بعد اعتذار ساندرا نشأت وطلبت جميل الذى رحب بشدة وتم تصوير الأغنية.
إللى فى بالى ولا على باله
وأكمل فوزى إبراهيم قائلا: أغنية «إللى فى بالى ولا على باله» كانت أول مرة ديانا حداد تغنى باللهجة المصرية، وهى كانت مشهورة بالأغانى الخليجية مثل «أمانيه» وغيرها، فقلت لصلاح الشرنوبى هذه مخاطرة كبيرة هى صوتها جبلى وناجحة خليجى، ولا أعرف هل سيكون مناسبا لها تقديم أغنية مصرية أم لا ، فقال لى إن لديه نفس التخوف ولكنها طلبت منا ذلك وطلب أن أكتب له ولو «مذهب» ،وقال إنه يثق أننى سأقدم شيئا جيدا ،وانصرفت وعدت إلى البيت وأثناء مشاهدتى لمسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» ، وجدت عبلة كامل تقول لعبد الغفور البرعى، الذى أدى شخصيته الفنان الكبير الراحل نور الشريف إللى فى بالى ولا على باله، فتوقفت عندها طويلا واخترتها مطلعا للأغنية، والمعروف للمتخصصين فى الغناء أن حرف اللام من الحروف المبهجة مثل أغنية «لولاكى» و«لالى لى لالى» و«على الضحكاية» و«عالبال» وغيرها، فكتبت أول مقطع فأعجب به صلاح ولحن الأغنية كاملة ،وليس المقطع الذى كتبته فقط وأرسل لى اللحن وأنا أكملت كلمات الأغنية على اللحن.
الأطلال
هذه الأغنية الشهيرة شهدت أكثر من واقعة غريبة، الأولى وشهد عليها زميلنا إبراهيم بشير كبير مصورى دار الهلال، حيث كان والده يعمل فى عيادة د. إبراهيم ناجى، وقال إن د. إبراهيم كتبها على روشتة دواء بعد قصة حب طويلة للفنانة زوزو حمدى الحكيم، وأنه قام بالاتصال بها وقرأ عليها القصيدة التى أبدت إعجابا شديدا بها؛
الواقعة الثانية أن ملحن الأغنية رياض السنباطى بعدما انتهى من تلحينها الذى استغرق حوالى ثلاثة أشهر، ذهب إلى كوكب الشرق أم كلثوم لتغنيها فأبدت إعجابها بها لكنها تحفظت على قفلة الكوبليه الأخير التى تقول «لاتقل شئنا فإن الحظ شاء» وقالت له «يا رياض القفلة عالية أوى»، وطلبت منه أن تكون من الطبقة «المنخفضة»، لكنه غضب غضبا شديدا ورفض أى تغيير فى اللحن وتركها وانصرف وفشلت محاولات الصلح بينهما وظلت الحال عامين ونصف العام، حتى تساءلت الجماهير عن الأطلال فقررت أم كلثوم غناءها فى الخميس الأول من اكتوبر عام 1966 فى سينما قصر النيل، وحققت الأغنية نجاحا مذهلا فما كان من أم كلثوم إلا أن ذهبت لمنزل رياض السنباطى واعتذرت له وقال له كنت تعرف إمكانيات صوتى أكثر منى.
اتعودت عليك
أغنية اتعودت عليك لشادية كلمات عبد الوهاب محمد وألحان خالد الأمير، حسبما ذكر الشاعر الكبير مصطفى الضمرانى فى كتابه «حكايات وراء الأغانى»، حيث قال إنها كتبت ولحنت وغنت من أجل حفل النادى الأهلى، وبطلب من مجلس إدارته حيث ذكر أنه بعد عودة النشاط عقب الحرب، طلب مجلس إدارة النادى الأهلى من الفنانة الكبيرة شادية أحياء حفل النادى فرحبت بشدة ، وعرضت على الملحن الكبير خالد الأمير أن يلحن لها فوافق على الفور، وكان ذلك أول تعاون بينهما واقترح الأمير أن يكون اسم الاغنية «اتعودت عليك»، فقامت شادية بالاتصال بالشاعر الكبير عبد الوهاب محمد لكتابة الأغنية وأعطته مهلة ثلاثة أيام لكتابتها، لكنه انتهى من كتابتها فى يومين فقط ، فأعطتها لخالد الأمير الذى لحنها هو الآخر فى يومين، وغنتها شادية فى حديقة النادى الأهلى وحققت نجاحا كبيرا، الطريف أن بليغ حمدى أعجب كثيرا بالأغنية وظل يسجلها لشادية وهو فى شقتها، لأن الحفلة كانت مذاعة على الهواء وحضر خالد الأمير وجلس بجوار بليغ الذى لم يعرفه، وكان مشغولا بتسجيل الأغنية وعندما حضرت شادية، قام بتهنئتها وطلب منها تليفون خالد الأمير ليهنئه على الأغنية الرائعة، فضحكت شادية لأن خالد الأمير كان يجلس بجوار بليغ لكن بليغ لم يعرفه ثم قالت شادية لبليغ، إن خالد يجلس بجواره ، فضحك بليغ وقال له لماذا لم تبلغنى أنك خالد فقال له: خالد وجدتك مشغولا بتسجيل الأغنية، وقد تقاضى الأمير مبلغ 18 جنيها بعد خصم 2 جنيه ضرائب أجره عن الأغنية بينما تقاضى عبد الوهاب محمد 10 جنيهات.
يا حبيبتى يا مصر
من الأغنيات الشهيرة جدا والتى لايمكن أن تنسى أغنية «يا حبيبتى يامصر» ،التى كتبها الشاعر الكبير محمد حمزة ولحنها بليغ حمدى وغنتها شادية ،وكنت قد سألت مؤلفها محمد حمزة عن ظروف كتابتها فقال إنه كتبها عقب معركة «رأس العش»، وأنه عندما علم بملحمة أبطال الصاعقة وبطولتهم الكبيرة فى تلك المعركة تأثر بها، وكتبت الأغنية والغريب أنه لم تكن هناك ميزانية وقتها فى الإذاعة لتسجيلها، فتبرعت شادية بتسجيلها على نفقتها الخاصة.
الحب إللى كان
كتب بليغ حمدى بنفسه كلمات أغنية الحب إللى كان، والتى قيل إنها تجربة شخصية له وقام بتلحينها ، ثم عرضها على ميادة التى أعجبت بها كثيرا ، وأثارت كلمات بليغ دهشة كثير من الشعراء والمؤلفين الذين أكدوا أنه لو استمر فى كتابة الأغانى بنفسه إلى جانب التلحين لأصبح واحدا من كبار شعراء الأغنية ومن المواقف الطريفة ،أن ميادة سافرت مع بليغ والفرقة لإحياء حفل غنائى فى عمان، وتم الاتفاق على أن تغنى ميادة الأغنية مع الفرقة، ولكن بنظام «البلاى باك» واثناء الحفل واندماج ميادة فى الغناء توقف التسجيل، لكن بليغ أشار لميادة أن تواصل الغناء مع الفرقة حتى لا يلاحظ الجمهور، وطلب من مهندس الصوت إيقاف التسجيل، وبالفعل قامت ميادة بالغناء وصفق الجمهور بشدة بعد انتهاء الحفل ولم يلاحظ أحد ما حدث.