أن يكون هناك عشاق حول العالم لكوكب الشرق الراحلة السيدة أم كلثوم ويقومون بتخليد اسمها الكبير علي مقاهى وكافيهات كبيرة ومميزة بالكثير من الدول والأقطار ليست العربية فحسب بل والأوربية والأمريكية أيضاً، ويقومون بتشغيل أغنياتها ليل نهار ويتجمع الآلاف هنا وهناك للاستمتاع بما كانت تقدمه من موسيقي وأغنيات عظيمة وخالدة، تجاوزت بمراحل الأجيال التى واكبتها ووصلت للاجيال التالية أيضاً من الشباب صغار السن، فهذا شئ بلا شك رائع وعظيم ويدفعنا للشعور بالفخر بأن مصر أنجبت مثل هذه الفنانة العظيمة .
لكن كان أكثر شئ استوقفنا خلال رحلتنا حول عدد المقاهى التى حملت أسماء فنانين كبار وعظماء حول العالم هو إنه لا يوجد أى فنان عربي أو أجنبي تم اطلاق اسمه علي مقاهى وكافيهات كما حدث مع أم كلثوم .
فربما نجد مقهى واحدا هنا أو هناك يحمل اسم فنان بعينه وغالبا ما يكون في مسقط رأسه أو البلد الذى ينتمى له ويحمل جنسيته.
ولم يحدث سواء قديما أو حديثا إطلاق اسم أى فنان عربي أو عالمى علي هذا الكم الكبير من المقاهى والكافيهات علي فنان واحد ليس في بلده أو مسقط رأسه فقط بينما حول العالم كما حدث مع أم كلثوم دون سواها.
ففي كل عاصمة عربية مثل تونس والمغرب والكويت وسوريا والسودان وليبيا والجزائر وغيرهم كثيرا ما نجد مقاهى تحمل اسم أم كلثوم
بل وفي الأردن وحدها يوجد أربعة مقاهى تحمل اسمها سواء في العاصمة عمان أو غيرها، ولعل أشهرها علي الاطلاق تلك المقهى التى تقع بسوق الذهب بشارع الملك فيصل الأول.
مقاهى أم كلثوم بالعراق
بينما وصل عدد المقاهى التى تم إطلاق اسم كوكب الشرق عليها بالعراق لنحو عشرة مقاهى دفعة واحدة سواء في حياتها أو بعد رحيلها.
ولم يكن منبعها أغانيها الجميلة والخالدة فقط .. بينما وجودها الفعلي هناك.
فمن المعروف أن أم كلثوم زارت بغداد مرتين الأولى في شهر نوفمبر عام 1932، حيث أحيت عدة حفلات فنية في «ملهى الهلال الشهير».
والثانية كانت عام 1946، بدعوة من الوصي على عرش العراق في هذا الوقت الأمير عبد الإله لإحياء حفلات بمناسبة عيد ميلاد الملك فيصل الثاني.
وقد اهتمت الأوساط الفنية والاجتماعية والسياسية العراقية بأم كلثوم وزياراتها بشكل كبير للغاية فقام عدد كبير من محبيها وعشاق صوتها بافتتاح عشرات المقاهي التي حملت اسمها في أماكن مختلفة من العراق.
مقاهى حول العالم
وهو نفسه ما حدث في الكثير من الدول الأوربية والأمريكية حيث تم آطلاق اسمها علي عدد كبير من المقاهى في المانيا وامريكا وباريس والسويد ولندن واليونان والكثير من العواصم الأخرى وتجتذب هذه المقاهى التى اسسها أشقاء عرب العشرات والمئات من أصحاب الجنسيات العربية المختلفة فيتوجهون إليها جميعا سواء في أيام الأجازات أو بعد يوم عمل شاق للاستمتاع والشعور وكأنهم يعيشون في قطعة من اقطارنا العربية والطقوس التى اعتادوا إياها قبل السفر.
أو بأغنيات كوكب الشرق التى تحرص هذه المقاهى علي تشغيلها والطريف إنها أى هذه المقاهى لا تجتذب المصريين والعرب فحسب بل والأجانب أيضا.
المقهى الرئيسي
والسؤال الآن: مع تعدد وكثرة تلك المقاهي التى تحمل اسم وصور وتماثيل كوكب الشرق .
ما هو إذا المقهى الذى جلست بنفسها عليه أكثر من مرة وأعطت اصحابه موافقة ضمنية بإطلاق اسمها عليه .
الحقيقة وخلال رحلة البحث اكتشفنا إنه لا يوجد سوى مقهى واحد فقط هو الذى حصل أصحابه منها علي موافقتها بإطلاق اسمها عليه بعد جلوسها عليه عدة مرات.
هذا المقهى يقع بالقاهرة ولايزال موجودا حتى اليوم مزينا باسمها علي واجهته وصورها في كافة أركانه ولايزال حتى اليوم يحرص علي تشغيل كل أغانى أم كلثوم.
قصة المقهى
وعن قصة إنشاء المقهى وسبب إطلاق اسم كوكب الشرق عليه يقول سمير عوض .. مدير المقهى وأحد ملاكها : قام الحاج عبدالعزيز بإنشاء المقهى في هذا المكان المميز عام ١٩٣٦ وأطلق عليه عند إنشائه اسم «مقهى توفيق» نسبة إلى شارع «الخديوي توفيق».
وبعد ١٢ عام من إنشائه تحديدا عام ١٩٤٨ فوجئ الجميع بمرور الست أم كلثوم علي المكان وذلك في طريق عودتها من إحدى «البروفات» بدار الأوبرا وكان معها مجموعة من أعضاء الفرقة الغنائية؛ وفجأة توقفت أمام المقهى وراحت تتأمل مدخله وطرازه المعمارى الجميل وقررت بدون مقدمات الجلوس عليه هى ومن معها وراح كلا منهم يطلب ما يريد من مشروبات بينما طلبت هى فنجان قهوة.
شغف الجماهير
فانقلبت الدنيا رأسا علي عقب وتجمع العشرات من المارة أمام المقهى ينظرون للمطربة الشهيرة.
ولم يصدق الحاج عبدالعزيز بأن أم كلثوم بنفسها تجلس على مقهاه وتتبادل الافيهات مع العمال والمارة فأقترب منها وراح يحدثها عن المقهى وتاريخه ثم طلب منها تكرار الزيارة واستئذنها في تغيير اسمه من مقهى توفيق ليحمل اسمها هى فوافقت دون تردد .
مكتب عبدالوهاب
وبالفعل وكما يقول مدير المقهى عاودت الست أم كلثوم الزيارة أكثر من مرة بعد أن تم إطلاق اسمها عليه.
وكانت أهم وأقوى زياراتها في حقبة الستينات مع بدء تعاونها مع الموسيقار محمد عبدالوهاب بعد خصام طويل حينما اجتمعا للمرة الأولي فى رائعة «أنت عمرى» وماتبعها من روائع غنائية أخرى.
فقد كان مكتب الموسيقار محمد عبدالوهاب يقع علي بعد خطوات من المقهى تحديدا في العمارة 55 بشارع عرابي ومن ثم كلما كانت أم كلثوم تتوجه له كان لابد وأن تمر علي المقهى .
شركات إنتاج ونجوم كبار
ومن هنا حقق المقهى شهرة كبيرة حيث راحت ترتاده الجماهير من القاهرة وكافة المحافظات ويحرص السياح العرب والأجانب قديما وحديثا أيضاً كلما حضروا للقاهرة علي زيارة المقهى.
أضف إلي هذا إنه يقع في المنطقة التى تضم مجموعة كبيرة من أشهر شركات الإنتاج السينمائى والغنائى ايضا التى كانت مل السمع والبصر في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضى .
ومن ثم كنا نجد غالبية نجوم زمن الفن الجميل يحرصون علي الجلوس عليه لسنوات طويلة.
ابتداء بجيل علي الكسار ومن بعده جيل إسماعيل ياسين وفريد شوقي وكمال الشناوى وشكرى سرحان وتوفيق الدقن حتى جيل الثمانينات والتسعينيات.
أربعة طوابق مختلفة
وقد كان المقهى وقت إنشائه يتكون من دورين فقط بينما يتألف حاليا من 4 طوابق.
الدورين الأول والثانى يتجمع عليهما الشباب وكبار السن .
ونجد الطابق الثالث مصمم على الطراز العربي القديم ورواده في الغالب من العرب والأجانب .
والدور الرابع والأخير «سطح المقهى» يستقبل زواره في فصل الصيف حيث الضوء الخافت والهواء الطلق.
صور نادرة ورسومات جميلة
وفي كل دور من الأدوار الأربعة نجد صورة مختلفة للسيدة أم كلثوم سواء منفردة أو مع فنانين وموسيقيين أخرين من جيلها والمعاصرين لها.
ومن أبرزها صورتها مع الزعيم جمال عبدالناصر وصورة لها مع بعض أفراد أسرتها وصورة مرسومة لوالدها الشيخ إبراهيم.
وصورة نادرة لها مع الأديب توفيق الحكيم وصورة مميزة لها مع الموسيقار محمد عبدالوهاب من بروفات «أنت عمرى» ولقاء السحاب.
وأخرى للمطربة الكبيرة فيروز وهي تقبّل يدها وصوره جميلة مع «العندليب» عبدالحليم حافظ.
وصورة مرسومة للموسيقار المبدع بليغ حمدي، وصور مختلفة لها مع ملحنين وموسيقيين كبار وهكذا.
أكاذيب وإدعاءات
والمحزن في الأمر حقا أن هناك مقاهى ظهرت بمنطقة وسط القاهرة بعد رحيل أم كلثوم بأعوام طويلة وكانت من قبل عبارة عن محلات تجارية وتحولت لكافيهات اطلق عليها أصحابها اسم أم كلثوم وهذا شئ طبيعي ولكن ما ليس طبيعيا ادعائهم بالكتابة علي جدرانها أن أم كلثوم جلست عليها رغم إنها ظهرت في مطلع الألفية الجديدة أى بعد رحيل كوكب الشرق بنحو ربع قرن.