الخميس 21 نوفمبر 2024

أنا لحبيبى .. بساطة المضمون و حداثة التنفيذ سينمائيا

20-3-2023 | 14:18

و كأنهما فيلمان داخل فيلم واحد ، أو لنقل بالتعبير السينمائى الأدق والأحدث أيضا( سينما داخل السينما) .. هكذا جرت أحداث الفيلم الرومانسى( أنا لحبيبى) لبطليه كريم فهمى وياسمين رئيس من إخراج هادى الباجورى .
 أتحدث فى البداية عن هذا الشكل السينمائى الجديد لأنه أكثر ما جاء لافتا وحديثا فى تنفيذ هذا العمل ، فطريقة " الفلاش باك " معروفة دراميا ، والتى تبدأ بلقطة حديثة يحكى من خلالها أحد أبطال العمل القصة بالعودة لبدايتها وحتى تنتهى من حيث بدأ ،  و هى طريقة معروفة و لطالما استخدمت، لكنها فى( أنا لحبيبى) جاءت بشكل يحمل الكثير من الحداثة التى أضفت على القصة بعدًا أعمق بكثير مما هى عليه فى صورتها البكر" إذا جاز التعبير " .. فالحدوتة الدرامية للفيلم تبدو بسيطة

فى شكلها المباشر ، نستطيع أن نحكيها فى" كلمتين وبس" حول شاب وفتاة أحب بعضهما البعض رغم وجود بعض الفوارق الطبقية التى تحول دون الارتباط ولكنهما يصران على تحقيق حلمهما رغم كل الظروف ، وتتوالى الأحداث والمفاجآت التى جاءت فى أول الفيلم لتعلن عن حالة من الغموض الذى غلب ربما على الاستقبال الرومانسى لأحداث العمل ، و ربما كان هذا من مهارة الكاتب محمود زهران، والذى شارك أيضا فى العمل كمخرج منفذ.. ليجذبنا للمتابعة حتى النهاية ، فنجد دخولًا ناعمًا لأحداث الفيلم حيث مشاهد من الطبيعة الخلابة فى إحدى المدن الساحلية على خلفية من البحر والجبل، ويظهر فيه منزل غير تقليدى مبنى على إحدى الربوات المطلة على البحر ،لنجد داخله حبيبين ، زوجين يعيشان فى عش جميل يتمتعان بحالة من الحب والرومانسية والتفاهم لنتفاجأ ودون أسباب أو مقدمات بشجار يدور بينهما يترك على أثره الزوج المنزل ، بينما تصرخ فى  وجهه قائلة : " إنت حر .. ما ترجعش وأنا مش هترجاك" ذلك دون أن نفهم السبب فى هذه المشاجرة التى ظهرت فجأة بين "شادى وليلى" أو كما قلنا كريم فهمى وياسمين رئيس .
 تعيش ليلى حالة من الوحدة بعد ترك زوجها لها وتتمشى على البحر وحدها فيقاطع سيرها الفنان محمد الشرنوبى الذى يعمل كمصور فوتوغرافى يلتقط لها بعض الصور دون استئذان منها فتنهره عندما تكتشف ذلك، وتطالبه بمحو الصور ليعرض عليها أن يصورها بالاتفاق حيث يشارك من خلال هذه الصور فى أحد المعارض ، توافق ليلى التى تعيش فى حالة من الفراغ والوحدة والملل وأثناء جلسات التصوير ، يتبادلان الحوار الذى تروى من خلاله ليلى قصتها منذ البداية مع زوجها شادى ، و من هنا كما قلنا يأتى الاستخدام المباشر لفكرة الفلاش باك إلا أن التقطيع بطريقة المونتاج جاء على أكثر من مستوى فبينما تحكى ليلى عن قصتها مع حبيبها وكيف بدأت ، تتداخل اللقطات لتعود بنا إلى قصتها مع المصور الفوتوغرافى الذى يصاحبها أينما ذهبت ليعيشا أثناء سردها لحكايتها الأولى قصة أخرى داخل القصة التى تعتبر هى الأساسية فى الفيلم ، كما نجد أيضا  أن صنّاع الفيلم أرادوا أن يقسموه إلى فصول ، و أن يكتبوا على الشاشة بين الحدوتة والأخرى من سلسلة حواديت تعارف شادى وليلى وصولا إلى الزواج وإلى النهاية أيضا ، لتحمل كل قصة عنوانًا لإحدى أغنيات العظيمة فيروز، والتى لا يخفى على أحد أن اسم الفيلم مأخوذ من أغنيتها الشهيرة " أنا لحبيبى وحبيبى إلىِ"، بينما تم استخدام أيضا أكثر من أغنية لها كعنوان للفصل الذى تتحدث من خلاله ليلى للمصور الفوتوغرافى، فيأتى القسم الأول أو الجزء الأول بعنوان" نسم علينا الهوى"، حيث بدأ لقاء البطلين خلال رحلة قطار متجه إلى مدينة الأقصر، يتجاذبان أطراف الحديث وتمر المحطة وهى نائمة، فيجدان نفسيهما فى أسوان فيحجزان للرجوع ويمضيان وقتهما مع بعض فى السمر والغذاء ،  لنعرف أنه يعمل كاتبًا ومؤلف روايات ، يصدر أولى رواياته ويهديها إليها قائلا : " إلى من امتلكت قلبى فى قطار القاهرة أسوان" ، و يأتى  الفصل الثانى من الحدوتة حاملًا عنوان" سألتك حبيبى"، لنجد الشاب الوسيم يصطحبها إلى أحد المسارح ليعرفها بوالده المخرج المسرحى الذى لعب دوره بتفوق معهود الفنان الكبير بيومى فؤاد ، ويأتى الفصل الثالث حاملًا عنوان" زعلى طول"، وهنا نجد فيه والدة ليلى ، الفنانة القديرة  سوسن بدر ، التى تعمل بمهنة المحاماة وتبدو وهى امرأة ذات نفوذ لا تعبأ بمكان للعواطف فى حياتها أو حياة بناتها وقد زوجت الكبريات لرجال ذوى مناصب عليا، ومن ثم تأبى علاقة ابنتها الأخيرة بمجرد كاتب روائى ، فهى تجده من وجهة نظرها لا يحمل سلطة أو منصبًا .
 تدعوه إلى الغداء وتحاول أن تقنعه بضرورة الابتعاد عن ابنتها والذى يستحيل أن يستطيع أن يُعيّشها فى  المستوى نفسه الذى تعيشه ، يمضى الشاب حزينا ، بينما تذهب له حبيبته  وتؤكد له أنهما سيكونان لبعضهما البعض وتستعين فى هذا الإطار بوالدها المنفصل عن والدتها و الذى قدمه الفنان الكبير محسن محيى الدين والذى يأتى إلى البيت ويحاول التفاهم مع الوالدة، وأنه لن يسمح لها بالتحكم فى مصير ابنتهما لتلقى وتعيش حياه تعيسة كمثل شقيقتيها الكبريان التى أصرت على تزويجهما دون مشاعر .
و يأتى الفصل الرابع حاملًا عنوان" أهواك بلا أمل"، لنجد فيه أن الأم لا تستجيب أبدًا لأحد ولا لأى نداءات غير عقلها فتؤجر اثنين يقومان بضرب الشاب أثناء صعوده إلى منزله لترغمه على ترك ابنتها لدرجة مصارحة الابنة بأنها إذا استمرت فى هذا المشوار أنها ستقوم بقتله، ما يدفع الفتاة الشابة للانتحار بقطع شرايينها أمام أعين والدتها ، فتوافق الأم ويتم الزواج بالفعل . وهنا نصل إلى الفصل الأخير المعنون باسم" أنا لحبيبى" ،لنعود إلى حيث بدأنا .. بالشجار الذى دار بينهما بعد كل هذه القصة الرومانسية الجميلة، وأيضا إلى ما يتضح لنا، والذى أيضا لم تتضح لنا أسبابه، ولكن تنتقل الصورة إلى مشهد بعدما تركها وهو يقود سيارته على الطريق ليتعرض لحادث ويتوفى . فيتضح لنا أن الزوجة المحبة والتى عرفت بنبأ وفاة زوجها وشاركت فى مراسم دفنه ، إلا أن تيمة الفيلم تقوم على فكرة إنكارها لهذا الرحيل ومن ثم هى تعيش فى المنزل الذى جمعهما على أمل عودته ، حيث توقف المشهد لديها عند مرحلة الشجار وأنه عائد ،حتى أننا نجدها عبر الأحداث أنها طوال الوقت تحدثه فى التليفون وتترك له رسائل صوتية عن يومياتها وعن مشروعها فى التصوير للمشاركة فى معرض ، لنجد ان طبيبًا نفسيًا يحلل حالة رفضها وعدم تصديقها، ليتضح أيضا أن محمد الشرنوبى الذى لعب دور المصور الفوتوغرافى، ما هو إلا طبيب نفسى حاول أن يقتحم حياتها ليلهيها أو يعالجها أو يواجهها بصدمتها عبر الحكايات التى تحكيها له ليضعها أمام الحقيقة فى سبيل استرجاع حياتها وأن تشفى نفسيا عندما يمر الوقت و تتأكد أن حبيبها لن يعود .