الجمعة 22 نوفمبر 2024

«بيت الروبى».. معالجة لطيفة لقضية شديدة الأهمية

بيت الروبي

29-7-2023 | 10:47

هــبــة عــادل

«طغيان السوشيال ميديا»، «إدمان السوشيال ميديا»، «طوفان السوشيال ميديا».. وغيرها من المصطلحات والتعريفات والمفردات التى تصف هذه الظاهرة التى بتنا جميعاً غرقى فيها، سواء بإرادة أو بغير إرادة، ولكننا من الصعب أن ننكر أنها حالة من الاستسلام الشديدة التى أصابت الصغير والكبير.

الجميع يتحدث عنها وعن تأثيراتها وأبعادها وأهدافها وسطوتها على حياتنا فى السنوات الأخيرة بشكل متزايد وإن كانت البرامج والإعلام وبرامجه معنية كثيراً بمناقشة هذه الظاهرة، إلا أن فيلمنا اليوم «بيت الروبى»، الذى نتعرض للحديث عنه لم يكن صناعه غافلين عن هذا الملف المهم، الذى أرادوا أن يصيغوه بشكل درامى أو لنقل «ميلودرامى ساخر» فى أحداث امتازت واستطاعت أن تجمع بين الكوميديا التى تعالج قضية جادة شديدة الأهمية، وفى توازن يحسب لصناع العمل استطاعوا أن ينجحوا فى تقديم المعادلة المتكافئة بنجاح شديد فى الجمع بين الإثارة والغموض والجدية والكوميديا، وحتى اللحظات الرومانسية، وكذلك الأجواء المبهجة من أغنيات وخلافه.

 

 

 

 

«بيت الروبى».. لبطليه النجم الكبير كريم عبدالعزيز فى دور «إبراهيم الروبى»، والنجمة اللبنانية الجميلة نور فى دور «الدكتورة إيمان».. وهما زوجان يعيشان فى إحدى المناطق الساحلية الجبلية فى مصر مع ابنيهما (ولد وبنت) فى عزلة عن المدينة القاهرية وصخبها.. يعيشان هناك فى أجواء هادئة، حيث تصور الكاميرا بامتياز هذه المناطق المريحة للعين بزوايا كاميرا واسعة توضح البحر والجبل والهدوء والصحراء ومفردات الطبيعة الجميلة التى تعيش فيها هذه الأسرة بشكل هادئ هانئ.

وفى انتقال سريع إلى قلب الأحداث نجد حواراً بين الزوجة وأحد الجيران من الرجال البسطاء، الذى تحدثه عن أهمية تعليم ابنته، فيواجهها بأنها طبيبة وحصلت على أعلى الشهادات، ولكنها تفرغت لرعاية بيتها وزوجها وأولادها، فتظهر علامات الحزن الشديد على وجهها، وتشعر بالوجع من حديث جارها الشيخ منصور، وتتبادل النظرات المعبرة مع زوجها بما يوحى بوجود سر ما يعيش بينهما، وتجلس على البحر حزينة، فيحاول زوجها تهدئتها وكأن الشيخ منصور قد ذكرهما بشيء يحاولان الهروب منه، فيحاول الزوج احتواءها.

فى اليوم التالى يأتى لزيارتهما شقيقه الذى يجسد دوره النجم كريم محمود عبدالعزيز، وزوجته تارا عماد وهى الحامل فى شهرها السادس، تبدو تارا مهووسة بالتصوير ونقل كل أحداث حياتها عن طريق السوشيال ميديا، حتى إنها تصور وهم يتناولون وجبة غدائهم من السمك بين اندهاش الجميع، لا سيما الأطفال الذين لا يعيشون هذه الأجواء على الإطلاق فى البلد البعيد التى يعيشون فيها منذ 7 سنوات.

أما عن سبب الزيارة فقد جاء الشقيق الأصغر ليحصل على توقيع من أخيه الأكبر لتخليص أوراق ميراث خاصة بمحل «كوافير» توارثاه عن الأب وعن الجد، ما يتطلب أيضاً أن ينزل معه الشقيق الأكبر إلى القاهرة لتخليص الأوراق فى إحدى المصالح الحكومية.

تمضى الأسرتان سهرة سعيدة فى أجواء أظهرت ملامح البحر والصيف فى فيلم يتناسب مع الأجواء الصيفية التى نعيشها، حيث زواج أحد الكبار بعروسته فى أجواء ساحلية تصورها أيضاً باهتمام تارا عماد التى تلاحظ بدورها أن «نور» تهرب من الظهور أمام أى كاميرا تصوير، وحين يعد الزوج نفسه للسفر مع شقيقه الأصغر، تحاول نور إقناعه برغبتها فى أن يأخذ الأبناء معه إلى القاهرة ليشاهدوا حياة مختلفة، وفى جملة مثيرة تقول له: «أنا حاسة إن الولاد عايشين بذنبى»، أما هو فيرفض هذا العرض تماماً، حيث يرى أن الناس فى الزحام يأكلون بعضهم ولا يريد لأولاده العيش فى هذه الأجواء، ويبات الليل بطوله يفكر، فيما يرضخ فى النهار لرغبة زوجته ويصطحب ولديه وهى معهم، وتسافر العائلة كلها إلى القاهرة، لننتقل إلى زحام الشوارع وصخبها.

فى المصلحة الحكومية يلتقى الشقيقان مع المحامى الذى يؤكد لهما أن الأوراق لن تستكمل إلا بتوقيع ابن عمهما لأنه شريك معهما فى الميراث، يذهبان إليه وهو النجم الكوميدى محمد عبدالرحمن الشهير بـ«توتة»، والذى يعيش فى حى شعبى وكثير الشجار لا سيما مع أهل خطيبته، ولظروف عمله لا يستطيع أن يذهب معهما فى نفس اليوم، ما يقتضى الأمر أن يباتوا فى القاهرة فى شقة الشقيق الأصغر كريم محمود عبدالعزيز الذى يصطحب شقيقه الأكبر إلى محل الكوافير الشهير الخاص به بعد أن كبره وأصبح على مستوى عالٍ جداً، بينما يتفاجآن بأن منافسه يفتح نفس المحل على الرصيف المقابل له ما يصيبهما بضيق شديد من هذا المنافس الذى لعب دوره النجم الكوميدى مصطفى أبو سريع بخفة دمه المعهودة.

وفى أجواء القاهرة تذهب العائلة إلى أحد المولات للتنزه وعندما يجلسون لتناول الطعام تأكل البنت الصغرى لكريم ونور إحدى الوجبات الجاهزة التى لم تعتد أكلها فتصيبها آلام شديدة فى بطنها تضطرهم إلى نقلها إلى المستشفى لتكون هناك فى تصاعد درامى امتداداً للمفاجأة التى ترتبط بالسر الذى تخفيه نور، حيث هى طبيبة فتلتقى بإحدى الطبيبات التى كانت مديرة لها فى المستشفى الذى كانت تعمل به قبل السبع سنوات، ويدور بينهما حوار:

* ما وحشكيش الشغل؟

- وحشنى جداً.

فتدعوها للعودة وأن الناس بتنسى ما حدث، لا سيما بمرور كل هذه السنوات. وتتبادل الطبيبتان أرقام الهواتف.

 تذهب نور فى حنين للعمل تكتب اسمها.. «الدكتورة إيمان»، «قضية الدكتورة إيمان» على النت؛ لنتعرف على ما حدث وأنها كانت أثناء قيامها بتوليد إحدى النساء ولخطأ ناتج عن عيب خلقى بها توفيت وجنينها فى بطنها، ما أدى لاتهام زوجها للطبيبة بأنها قتلت زوجته وابنه، وكانت قضية كبيرة جداً حتى إن الزوج كريم عبدالعزيز كان استاذاً جامعياً وهاجمه طلابه عندما التقوه فى الجامعة، ولذلك قرر أن يأخذ زوجته ويهرب بها وبابنيهما بعيداً عن هذه الأجواء إلى البلد الساحلى البعيد.

تحاول إيمان مجدداً إقناع زوجها بالبقاء فى القاهرة وأن الأبناء يجب أن يعيشوا وسط الناس، أما هو فيظل رافضاً الفكرة، متحججاً بأن سلوك الطفلين قد تغير وأن الابن بدأ ينغمس فى حياة السوشيال ميديا، والابنة تعبت صحياً، وينتهى الأمر إلى مشاجرة بين الأب وابنه، بينما كانت تارا عماد تصور «لايف» من شقتها، وقد ظهر فى الفيديو كريم عبدالعزيز وأصبح وجهاً مألوفاً لدى متابعى السوشيال ميديا نتيجة هذه المشاجرة.

يذهب الشقيقان إلى ابن عمهما ليتمما توقيعه على الورقة الرسمية الخاصة بالميراث، ليفاجأ بأن الناس فى الحى الشعبى تعامله كنجم، وتتودد للتصوير معه، وهذا يفرح قلب «توتة» كثيراً، حيث يتباهى بابن عمه المشهور، لا سيما فى لقطة جاءت كـ«ماستر سين» كوميدى جميل فى فرحه الذى يتم نتيجة أنه من عائلة مشهورة، ويذهب الشقيقان للحصول على توقيعه على الورقة.. فيرفض «توتة» أن التوقيع إلا إذا غنى كريم عبدالعزيز فى الفرح فى مفاجأة غير متوقعة، حيث إن لا علاقة له بعالم الغناء، ولكنه يقرر أن يغنى «أى كلام» على نغمات شعبية صاخبة يصورها جميع المدعوين وتنتشر خلال ساعة زمن على وسائل التواصل الاجتماعى وتحقق «ترند» هذه الليلة.. ومئات، بل آلافاً من المشاهدات، ما يصنع نقطة تحول كبرى فى أحداث الفيلم، حيث يبدأ كريم عبدالعزيز فى الرد على جمهوره وتعليقاتهم، وقد انسحب تدريجياً تحت شهوة الشهرة واسمه الذى أصبح «مسمَّع»، وانغمس فى هذا العالم، حتى يبدأ فى تناسى فكرة العودة إلى حياته الهادئة ببيته الساحلى، وما يزيد من سطوة الأمر.. اتصال من إحدى العاملات بمجال التسويق التى تدعوه لتعمل معه وتدير له حساباته على السوشيال ميديا، وترنداته لتعلى منها ومن اسمه ومن مشاهدات أغنياته.

فى البداية يرفض، ثم يستسلم للعرض وللشهرة وللأموال التى تأتيه، ومن ثم أيضاً يقتنع بعودة نور إلى عملها كطبيبة، فتوافق، وتبدأ فى أداء عملها، ويذهب إلى شقيقه فى محل الكوافير ويجعله يحلق له ويصور هذا الأمر ليشهر أخاه، ويساعده فى منافسة عدوه اللدود.. فتتحول حياتهم بالكامل 180 درجة وتنهال عليه العروض للتصوير فى الفضائيات والتليفزيون، ويشترك ابنه للعب الرياضة فى أحد النوادى الكبرى الذى يعجب فيه بفتاة فى مرحلة المراهقة، ما يثير غيرة الشباب أصدقائه، فيدبرون له مقلباً، حيث يراسلونه باسم هذه الفتاة ما يجرحه بشكل شديد يقود إلى مشاجرة معهم يضربه فيها الشباب.

كذلك وبسبب هذه الشهرة الكبيرة التى يحققها كريم عبدالعزيز تبدأ «بهيرة» زوجة أخيه فى الغيرة منه، حيث هى التى تعمل فى مجال السوشيال ميديا ولم تحقق ربع ما حققه فى لمح البصر.

فى تدرج تصاعدى درامى جديد أيضاً، نفاجأ بالعودة لفتح ملف وفاة السيدة على يد الطبيبة إيمان، ويعود هذا الملف للانتشار على الإنترنت مجدداً فى اتهام يعيد لها الماضى كله أمامها ما يدمر سمعة زوجها الذى اشتهر على السوشيال ميديا، بل ويسىء أيضاً إلى شهرة شقيق زوجها فى محل الكوافير الذى بدأت الزبائن تنسحب منه.

أما هى فتواجه فى عملها انسحاب الزبائن الذين يعرفون عبر السوشيال ميديا بالقضية القديمة، فتنهار حياتهم تماماً ويكتشف كريم عبدالعزيز أن الذى يقف وراء كل هذا هم نفس من يسوقون له؛ بهدف أن يظل اسمه «تريند» حتى لو على حساب بيته وأسرته وزوجته التى يتم الاستغناء عن عملها بالمستشفى الذى تعمل به.

وفى البيت تواجه بهيرة الأسرة كلها بأن قدومهم خرب بيتهم، وأن محل الكوافير أُغلق بسببهم، فيضطرون إلى اتخاذ القرار بالعودة مطرودين إلى حياتهم الهادئة، ولكن نفاجأ بأن الابن الذى ضربه أصدقاؤه لا يعود، فيذهب الأب للبحث عنه بينما تأتى آلام الوضع لـ«بهيرة» فيذهب بها زوجها ومعه نور إلى المستشفى، ووسط الزحام الشديد فى ليلة ممطرة يتعثر الوصول إلى المستشفى، ما يضطر بهيرة إلى وضع مولودها فى الشارع بمساعدة طبيبة النساء الدكتورة إيمان أو نور، ويجد الأب ابنه ويعود به إلى السيارة، حيث يحتفل الجميع بالمولود الجديد ويتم الصلح مجدداً بين الزوجتين نور وتارا عماد.

يعود الجميع بالمولود الجديد إلى البيت ويقرر كريم عبدالعزيز بقاء أسرته بالقاهرة وأن يخوضوا التجربة ويواجهوا الماضى بشجاعة، فتعود نور للبحث عن عمل بعد أن نجحت فى عملية ولادة تارا عماد فى الشارع، ما أعاد لها ثقتها فى نفسها وفى سمعتها.

أما هو فيعود إلى عمله بالجامعة لتنتهى أحداث الفيلم بمشهد لطيف، حيث يخرج من إحدى المحاضرات فيجرى وراءه أحد طلابه يقول له: «نحن نفهم محاضرات حضرتك، بتشرح بطريقة لذيذة.. فيا ريت تعمل لنا لايف عشان الكل يستفيد».

يرفض كريم فى البداية الانغماس مجدداً فى هذا العالم، ويقول له: «أنا أغلقت حساباتى كلها»، ولكن تحت إلحاح الطالب.. تعود الفكرة لتستهويه، ويوافق ويقول له: «ميعادنا النهاردة الساعة السابعة».

وهنا نلاحظ أنه وإن كانت النهاية ساخرة، إلا أنها واقعية وتلخص باختصار فكرة الفيلم وحالة الإدمان التى إذا ما انغمس فيها أحد فليس لها كبير، وهى فعلاً إحدى قضايا العصر المهمة جداً التى يجب الالتفات إليها، وهو ما صنعه هذا الفيلم بقيادة مخرجه الواعى بيتر ميمى، فى قضية مهمة صاغها المؤلفان، محمد الدباح وريم النقاش، وقدمها بامتياز النجمان كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز فى دويتو كوميدى لطيف، فيما أجادت نور دورها وأداءها التعبيرى، خاصة فى مشاهد الحزن بشكل كبير، فخرج الفيلم فى حالة اكتمال لجميع عناصره من الصور المبهجة والموسيقى اللطيفة والأجواء الساحلية المحببة، وخرجنا نحن بوجبة سينمائية عالية الجودة.