الإثنين 29 ابريل 2024

«الفريدو».. عندما يتوحد العمل الدرامى مع قضية مهمة جداً

النجمة الكبيرة إلهام شاهين

21-10-2023 | 13:18

هبة عادل

إذا كانت قواعد النقد الفنى تقضى بعدم الانحياز للموضوع الذى يتصدى له الكاتب، إلا أننى هنا أعترف بأننى سأكسر هذه القاعدة أمام عمل يستحق هذا الانحياز المطلق له ولفكرته ولمبدعيه بكافة المقاييس والمعايير.. وهنا أتحدث عن مسلسل «الفريدو»، الذى لاقى قبولاً جماهيرياً ضخماً، وإشادة تامة من كل من كتب عنه، حتى فى تعليقات السوشيال ميديا التى أقرت النجمة الكبيرة إلهام  شاهين بطلة العمل بأنه العمل الذى أجمع عليه حتى مَن يعترضون على بعض أشياء فيها، إلا أنها فوجئت بإجماع الكل وتعليقاتهم التى تثنى على دورها الرائع والمهم والجاد والخطير، إذا جاز التعبير، فى هذا العمل المتميز الذى صرحت عنه إلهام  شاهين بأنها فاجأت نفسها به قبل أن تفاجئ جمهورها، فهو بحق عمل يتصدى لقضية مهمة بشكل جاد جداً، وهى قضية مرضى الزهايمر.

قد جاء المسلسل فى قالب درامى شديد الروعة والجدية أيضاً كما قلنا، وصعبة هى الأعمال الدرامية التى تتصدى لمعالجة قضية أو خدمة فكرة بغض النظر عن أدبيات الحدوتة أو القصة التى يمكن أن تتكرر فى العديد من المسلسلات، إلا أن هذا النوع من الكتابة هو الأصعب على الإطلاق، لا سيما إن كان مأخوذاً عن كتاب لمؤلف كبير بحجم الدكتور مصطفى محمود، وهو كتاب «55 مشكلة حب»، والحب هنا يعنى شمولية أكثر من علاقة الرجل بالمرأة، حيث ركز العمل على حب «فريد» الذى قام بدوره البطل أحمد فهمى الذى تربى على يد عمته «ثريا أو سوسو»، كما ينادونها فى العمل، أى البطلة إلهام  شاهين، وهى عمته التى ربته هو وشقيقه وشقيقته بعد وفاة والديهم، حتى إنها ضحت بحياتها الزوجية فى لحظة اختيار خيرها فيها زوجها بأن تتفرغ له وتترك رعايتها لأبناء شقيقها، ولكنها اختارت أن تربيهم وترعاهم، ولكنهم كبروا وتفرقت بهم سبل الحياة.

فسافر فريد إلى إيطاليا، وهو الطبيب الحاصل على بكالوريوس الطب، ولكنه يعشق مهنة الطبيخ، فيعيش فى إيطاليا ويفتح مطعماً ناجحاً جداً، ولكن عند علمه بمرض عمته التى تسكن وحدها فقط مع إحدى الخادمات وهى تعانى بشدة من مرض الزهايمر، فيقرر أن يعود إلى مصر ليسكن معها ويتولى علاجها وشئونها ويرعاها بحب شدي.
جاء ذلك واضحاً جداً عبر مشاهد العمل كله فى دويتو كان رائعاً بين «سوسو وفريد»، وقد أعطت النجمة إلهام  شاهين فيه مساحة كبيرة للدور التمثيلى الذى قام به أحمد فهمى باقتدار، إلى جانب شقيقيه الآخرين «مصطفى»، أو النجم أمير شاهين العريس المتزوج حديثاً من زوجة لعوب تقوده ولا رأى له أمامها.. أما الشقيقة الثالثة فهى «فرح» التى تعيش مع طفليها فى غياب زوجها المسافر إلى الخارج، فتعيش مشاكل أطفالها ورعايتهم وتتشاجر مع زوجها طوال الوقت حتى يتم تطليقها، فيركز العمل على أن الأشقاء ليس لديهم الوقت أو حتى المشاعر التى تمكنهم من رعاية العمة.
يقوم فريد وحده بهذا الدور، بينما تتشابك الخطوط الدرامية الثانوية فى صناعة مكتوبة بحرفية شديدة الإمتاع أيضاً، حيث نرى على رأس هذه الخطوط الجانب العاطفى لقصة حب فريد مع زميلته ندى موسى، الطبيبة التى يرفض والدها الطبيب الشهير زواجها من أحمد فهمى الذى يعمل طباخاً، والأب بسطوته يرفض هذا الزواج، وهو ما دفع فريد أيضاً إلى السفر إلى الخارج وعند عودته تكون الحبيبة قد تزوجت رغماً عنها من طبيب يجده الأب مناسباً، إلا أنه يعاملها بامتهان شديد ويضربها فيتم تطليقها منه، وتعود لمنزل أبيها، وتعود علاقتها بفريد، التى يظل الأب رافضاً لها إلى أن يتكشف فى نهاية الحلقات أن الزوج الشرس، أو الفنان «عابد عنان»، يسرق أباها من خلال عملهما المشترك، وتكشف الابنة هذه السرقة، فيدرك الأب والذى قدمة باقتدار الفنان الكبير محسن صبرى.. فى لحظة تنوير أن المسألة ليست بالشهادات أو بالمهنة ولكنها مسائل أخلاقية، فتنتهى الأحداث بزواج فريد من حبيبته الأولى.
وإذا عدنا إلى الخط الرئيسى للعمل، حيث سوسو أو ثريا مدرسة الإنجليزى التى تعانى من مرض الزهايمر، وقد أجادت تمثيل المشاهد بشكل شديد، حيث ركزت الكتابة على تبيان هذه المواقف التى يمر بها مريض الزهايمر، وكيفية معايشة حياته بصعوبة عندما يتناسى حتى المفردات والكلمات التى تسعفه ليعبر بها عما يريد، فتنسى الساعة فى جيبها، وتنسى اسم خادمتها، وتنسى أين وضعت الأشياء، إلى أن تنهار فى لحظة ضيق شديدة وهى تحكى لفريد وهى فى مرحلة الإدراك أنها أصبحت تشعر بأنها «بتخرف وأنها مش فاكرة حاجة».
جاء أداء إلهام  شاهين شديد البراعة وبجرأة شديدة.. وقد تركت نفسها بدون مكياج وبالشعر الأبيض، وقد أبدعت فى هذا الدور إلى حد مطلق، وهى فعلاً فى مرحلة من النضج الفنى وخبرات السنوات لكى ما تقدم هذا الدور الذى لم تقدمه فنانة من قبل فى الأعمال الدرامية، وهو ما اعتدناه من إلهام  شاهين التى تختار أدوارها بعناية، فقد قدمت لنا قريباً دور المرأة الداعشية فى مسلسل «بطلوع الروح»، ودور المرأة التى تعانى من سرطان الثدى فى مسلسل «زى القمر»، فقد باتت تدرك فى أى مرحلة عمرية، ونضج فنى هى، وأصبحت تختار على هذا الأساس ما يبهر جمهورها بحق.
أجادت أيضاً فى الأدوار الثانية مجموعة من الأبطال، ربما كان على رأسهم النجم الكبير فتوح أحمد، الذى جسد هنا الجانب الآخر من الصراع الدرامى لهذا الرجل الشرير، الذى يجاور فيلا سوسو، التى يقيم فيها أحمد فهمى مطعمه، بينما فتوح أحمد هو صاحب مطعم فى الرصيف المقابل، وعندما تشتد المنافسة ويجد أن زبائنه ينصرفون عنه، فيحيك هو وابنه مؤامرة ضد أحمد فهمى ليدمره، وهنا نجد أن حتى الجانب الشرير من العمل لم يكن مستفزاً أو فجاً كما نجد فى كثير من الأعمال التى تستفز الجمهور وتثير أعصابه بكم الشر المطلق الحادث، ولكنه هنا جاء بشكل يتوازن مع الفكرة الدرامية ولا ينال منها، فالكل هنا فى خدمة القضية الرئيسية والمحورية للعمل الذى جاء متكاملاً ومتوازناً بين جميع الخطوط الإنسانية والصحية والعائلية والعاطفية والاجتماعية التى قدمت بشكل متوازن بامتياز.
 كذلك لا يمكن أن نغفل الثناء على الدور الذى قدمته الفنانة إيمان السيد، التى تقوم بعملها كممرضة ومقيمة مع سوسو.. إيمان قدمت دورها بامتياز، حيث التعاطف والطيبة والعناية بهذه المرأة المريضة فى دور إنسانى يضيف لها الكثير ولا ينال من خفة روحها الموجودة فى أدوارها المعتادة، كذلك الدور الذى قدمته النجمة الشابة إنجى كيوان مسئولة السوشيال ميديا التى تروج لمطعم «الفريدو»، وتقع فى حب البطل، إلا أنه يحب زميلته القديمة، وهنا أيضاً كان صراع عاطفى من نوع آخر جاء ليكسر حدة أحداث العمل، الذى ينصب على معالجة قصة مريضة الزهايمر، ولكن الخطوط الجانبية خففت من حدة أننا نشاهد عملاً لمجرد قضية صحية، فجاء غير ممل على الإطلاق نتيجة تضافر هذه الخطوط بتوازن محسوب.
ثم نرى فى نهاية أحداث العمل موت سوسو فى مشهد شديد الصعوبة، أحزن جميع متابعى العمل، إلا أن المؤلف وبذكاء شديد لم ينهِ الأحداث بهذا المشهد.. لكن تتابعت الأحداث فيما بعد، حيث يقرر فريد أن يحول بيت سوسو إلى دار خيرية لرعاية كبار السن ومرضى الزهايمر، بينما توشك زوجته ندى موسى على الإنجاب ويجمع شقيقيه للعمل معه فى تحاب شديد، وبذلك تنتهى الأحداث نهاية موفقة جداً، وهو ما يندر حدوثه فى العديد من الأعمال الدرامية، إلا أن الاتقان هنا كان سيد العمل على كل المستويات، قدمت إلهام  دوراً بعفوية وتلقائية شديدة، وجميع من معها وجميع أفراد فريق العمل الذين تماهوا جميعاً مع شخصياتهم، وعلى رأسهم النجمة الكبيرة بالطبع إلهام  شاهين، التى توحدت مع دور مريضة الزهايمر إلى حد مطلق لنقل معاناة هؤلاء المرضى الذين يحتاجون إلى العديد من الاهتمام على كافة المستويات، وإن كانت الدراما قد جسدته فى أحد الأعمال إلا أن الموضوع يحتاج إلى وعى شديد للاهتمام بهذه الفئة من الناس الموجودة بيننا.
كل التحية لصناع العمل، أيضاً الكاتب والمؤلف عمرو محمود ياسين وسارة مصباح وياسمين ميشيل، وقائد العمل المخرج عصام نصار.