6-1-2024 | 14:31
نانيس جنيدى
حكاية خروف العيد ودخوله مستشفى المجانين بسببه
آخر وصاياه لابنه أن يحافظ على عصاه.. عمل بمهنة السروجى ثم الطبخ.. قبل التمثيل
تحل علينا خلال أيام ذكرى رحيل كوميديان عظيم، وُلد ورحل منذ منذ عقود ومازال اسمه منيراً فى مجال الفن والكوميديا على وجه الخصوص، هو الكوميديان الراحل على الكسار، الذى وُلد فى 13 يوليو عام 1887، ورحل فى 15 يناير 1957، وبين ميلاد ورحيله قدم أعمالاً كانت كفيلة بأن يظل اسمه حاضراً رغم غيابه.
على الكسار، هو ممثل كوميدى مصرى كبير راحل. وُلد فى القاهرة فى حى السيدة زينب ونشأ بها، واسمه الحقيقى «على خليل سالم»، وقد أخذ اسمه الفنى «الكسار» من عائلة والدته التى تدعى «زينب على الكسار»، وقد عمل فى البداية بمهنة «السروجى»، وهى ذات المهنة التى امتهنها والده، لكنه لم يستطع إتقانها فاتجه للعمل بالطهى مع خاله، وفى تلك الفترة اختلط بأهل النوبة وأتقن لهجتهم وكلامهم.
فى عام 1907 كوّن أول فرقة مسرحية له وسماها «دار التمثيل الزينبى»، ثم انتقل إلى فرقة «دار السلام» بحى الحسين.
ذاعت شهرته ودخل فى منافسة حامية مع الكوميديان الكبير نجيب الريحانى، وابتدع شخصية «عثمان عبد الباسط» النوبى لمنافسة شخصية «كشكش بيه»، التى كان يقدمها الريحانى، ونجحت الشخصية نجاحاً عظيماً ولا تزال خالدة فى ذاكرة التمثيل العربى.
فى عام 1924 قفز بفرقته قفزة هائلة عندما انضم إليها الموسيقار الكبير الشيخ زكريا أحمد، وقدم لها العديد من الألحان المسرحية.
وفى عام 1934 سافر إلى الشام، وقدم مسرحياته هناك ولاقت نجاحاً كبيراً، بعد ذلك مر بأزمة أدت إلى إغلاق مسرحه بالقاهرة بعد أن قدم ما يزيد على 160 عرضاً مسرحياً.
اتجه بعدها إلى السينما، وقدم فيها عدداً من الأفلام الناجحة، وكانت بداية علاقته بالسينما من بوابة الفيلم القصير، «الخالة الأمريكانية».
وما لا يعمله كثيرون أن على الكسار لم تكن بشرته سمراء فى الأساس، بل استخدم مستحضرات لتلوين بشرته، حتى تتحول إلى سمراء لتكون مناسبة لما قدمه من أعمال، ونجح بها فى تهديد عرش رائد الكوميديا فى هذه الفترة نجيب الريحانى فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، حيث كان يحقق الريحانى نجاحاً كبيراً وقتها بشخصيته «كشكش» بيه، وكان الكسار هو المنافس الأول له.
لم يكن على الكسار من الفنانين الذين يمرون مرور الكرام على الجمهور، بل كان طفرةً فى عالم الفن والكوميديا على وجه خاص، حيث بلغ به الاتقان إلى حد اعتقاد الكثيرون بأنه من أهل النوبي برغم أنه من مواليد القاهرة وبالأخص السيدة زينب، غير أنه أتقن اللهجة النوبية بسبب الفترة التى تعرف فيها على أهل النوبة أثناء عمله بمهنة الطبخ قبل أن يخوض تجربة التمثيل، حيث استوحى منهم شخصية «عثمان عبد الباسط» والتى ارتبط بها الجمهور ارتباطاً وثيقاً.
فى طفولته لم يكن على الكسار، يعشق الفن، على عكس كثير من الفنانين الذين وقعوا فى غرامه منذ الصغر وقرروا احترافه، حيث عمل فى أكثر من مهنة بعيدة تماماً عن الفن.
حتى جاءت الصدفة فى شبابه لتدفعه دفعاً إلى هذا الحقل، حين شاهد مجموعة من العروض المسرحية لأكثر من فرقة، وقرر أن يكون واحداً من أبطالها.
بدأ الكسار مسيرته، بالعمل فى كازينو «دى بارى»، ونجح منذ أول يوم، ما جعله يفكر فى تقديم أدوار أكبر، وحين نجح، قرر أن تكون له فرقته الخاصة، والتى نجحت ولمعت بسرعة كبيرة، حتى بات المنافس الأول للعملاق وقتها نجيب الريحانى.
ابتكر الكسار، شخصية البربرى «عثمان عبدالباسط»، لينافس بها شخصية «كشكش بيه» التى تألق بها الريحانى، وابتكر خلطة خاصة به، كان يدهن نفسه بها قبل العرض، حتى يكتسب اللون الخاص بالشخصية.
نجح الكسار وتألق فى شخصية عثمان عبد الباسط، وكتب الريحانى فى مذكراته عن هذا النجاح: «فكرت كثيراً فى طريقة لإصلاح الفرقة، ورأيت أن كازينو دى بارى المجاور لنا والذى تديره مدام مارسيل، ويعمل به الأستاذ على الكسار، قد احتكر إقبال الجمهور، فما العمل إذن؟ أوقفت التمثيل فى مسرحى ليلة أمضيتها بهذا الكازينو لأدرس عن كثب هذا الإقبال وسببه، وقد أدهشنى أن كل ما رأيته عبارة عن استعراض يغلب عليه الطابع الإفرنجى، ويتخلله بعض مواقف فكاهية يظهر فيها الأستاذ على الكسار، ومادام الجمهور يحب هذا النوع الاستعراضى فما المانع أن نقدم له ما يشتهيه؟».
كون على الكسار على مدار مشواره ثروة طائلة، حتى أنهم أطلقوا عليه لقب «المليونير الخفى»، نظراً لتواضعه الشديد، ورغم ذلك رحل فى مستشفى بسيط، بعد أن أنفق كل أمواله على المسرح.
وقال ابنه عن اليوم الأخير له: «وصلنا إلى مبنى الاستعلامات، لأخبر الموظف المختص اسم والدى، ثم انصرفنا ومشينا خطوات قليلة، ثم قال لى والدى: تعالى يابنى لما نروح نمليه نمرة تليفون المنزل، وقال له: خد عندك كمان نمرة تليفون المنزل علشان لما أموت تبلغوا البيت.. فرد عليه الموظف بعد الشر عليك يا أستاذ على.. ودخلنا الغرفة حتى انتهى موعد الزيارة وتهيأت للرحيل فنظر لى وقال: خد معاك العصايا دى وخلى بالك منها، تعانقنا وقبلنى وقبلته، وكان الوداع الأخير، وخرجت من المستشفى أحمل معى عصاه وكأنها رسالة سلمنى إياها».
فى تسجيل نادر لعلى الكسار مع الإذاعة المصرية روى موقفاً مر به وقال: «أذكر ذات يوم أنى قد اشتريت خروفاً قبيل عيد الأضحى بيومين، ولم يكن لديّ بالمنزل أى مكان يصلح لإقامته سوى الحمام، وجاءت حفيدتى وهى لا تعلم بوجوده، فصرخت من الفزع وتركت الباب مفتوحاً وخرجت تجرى من الشقة».
وتابع: «وما كان من سى خروف إلا أنه خرج يتجول بالشقة حتى دخل غرفة النوم ونظر فى مرآة الغرفة، واعتقد أنه خروف آخر، فخبط المرآة وكسرها، ثم شرب جاز من المطبخ، وفسد لحمه فحاولت إنقاذه، وحين كنت ذاهباً للجزار كى أشترى لحماً، قابلنى رجل ونصحنى بأن استدعى له الإسعاف».
وأضاف: «لم يستجيبوا، فأخذته فى تاكسى وذهبت به للمستشفى وطلبت منهم إجراء غسيل معدة له، وأخذونى برفقة الخروف، لأجد نفسى فى مستشفى المجانين، ونصحنى طبيب هناك بأن أذهب لمنزلى مرة أخرى بدلاً من أن يثبتوا أنى مجنون».. وفى النهاية كشف الكسار أنه كان مجرد حلم.
محاولة اغتياله
ذكرت مجلة «الكواكب» فى أحد الأعداد القديمة عن الفنان الكبير على الكسار، بعد وفاته، أنه تعرض لمحاولة اغتيال، حيث وقعت ممثلة فى مقتبل العمر من أعضاء فرقته فى غرامه وصارحته بحبها، ولكنه ثار فى وجهها وهددها بالفصل، وعندما عاتبته زادت ثورته وطردها من مكتبه، فانقلبت مشاعر الحب لديها إلى رغبة فى الانتقام منه.
تسللت الفتاة إلى غرفة الكسار، وكان يضع فيها طعامه ودست له السم فيه، ثم أسرعت إلى خارج الغرفة، مشيراً إلى أن الفتاة كانت تعتقد أن الكسار يقع فى غرام امرأة أخرى ففضلت أن يموت على أن تتركه لغيرها.
ولكن الفتاة استيقظ ضميرها وتتابعت فى خيالها الأحداث، وفكرت فى موت الكسار وتأثيره على حياتها وحياة أعضاء فرقته، ومنهم من سيتشرد بسبب موته، كما فكرت فى ملاحقة البوليس لها إذا ما اكتشف جريمتها، وفى هذه الأثناء مر الكسار فى طريقه إلى غرفته، فأسرعت الفتاة لتلقى من أمامه الطعام المسموم، واعترفت له بما فعلته، واكتفى الكسار بطردها من الفرقة.
قدم على الكسار عدة أفلام سينمائية وأكثر من 200 أوبريت و160 عرضاً مسرحياً، ولكن ظلت شخصية عثمان عبدالباسط الأشهر فى مسيرته، حتى أنها كانت تنافس شخصية كشكش بيه وهى الشخصية الأشهر فى مشوار الراحل نجيب الريحانى.
ورغم ما قدمه من مئات الأعمال والشهرة الواسعة التى حققها وجمهوره العريض فى كل أنحاء الوطن العربى، رحل على الكسار على سرير فى مستشفى بسيط بعد صراع مع مرض السرطان، فقيراً لا يملك قوت يومه.