تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان حسين، حيث وُلد فى 13 يناير عام 1897، ويعد من الفنانين القلائل الذين تركوا بأعمالهم الفنية، خاصة فى السينما المصرية، بصمة مضيئة وبارزة فى تاريخ السينما المصرية وكلاسيكات الأفلام السينمائية التى يشار إليها بالتميز، فقد امتلك موهبة أداء ميزته عن فنانى جيله، خاصة دور الأب الذى أبدع فى تقديمه لدرجة أنه لقب بـ«أبو السينما المصرية».
امتد نشاطه الفنى إلى نحو 46 عاماً، ظهر خلالها فى حوالى 320 فيلماً و240 مسرحية و150 عملاً إذاعياً و50 عملاً تلفزيونياً.
نشأ حسين رياض فى حى السيدة زينب من أب مصرى وأم سوريه، شقيقه هو الفنان فؤاد شفيق، والده كان يعمل فى تجارة الجلود، وبدأت علاقته بالفن عندما كان يصحبه والده إلى المسرح سلامة حجازى، هو وشقيقيه مصطفى وفؤاد شفيق الذى أصبح ممثلاً وشاركه فيلم «سلامة فى خير»، حيث كان يؤدى دور صاحب المحل الذى كان يعمل فيه نجيب الريحانى.
انضم حسين فى مطلع شبابه لفرقة عبد الرحمن رشدى، وفى سن مبكرة جداً لعب حسين رياض أدوار الأب وأداها ببراعة، وحاول أن يتجه للغناء، إلا أن صوته لم يسعفه لذلك، وبعد أن ترك الكلية الحربية كون فريق «هواة التمثيل المسرحى» مع يوسف وهبي وأحمد علام وعباس فارس وحسن فايق وغيرهم.
قرر أن يهب حياته للفن نزولاً على نصيحة عزيز عيد، وقدّم حسين رياض مسرحيته الأولى «خلى بالك من إيميلى» فى عام 1916 على مسرح «جورج أبيض» بطولة روز اليوسف الإعلامية الشهيرة ومؤسسة مجلة «روز اليوسف»، وقام خلال هذه المسرحية بتغيير اسمه من حسين محمد شفيق إلى حسين رياض، خوفاً من أن تتعرف عليه أسرته، حيث كان التمثيل أو التشخيص كما كان يطلق عليه نشاطاً معيباً فى ذلك الوقت.
حسين رياض هو الاسم الذى عُرف به بعد ذلك لبقية حياته، فلم يعرف البعض أنه شقيق الممثل فؤاد شفيق الذى اتجه أيضاً للتمثيل بعد ذلك، وعندما افتتح يوسف وهبى مسرح «رمسيس» فى أوائل عام 1923، انضم حسين رياض لفرقة «رمسيس»، ليواصل تألقه، وربطت بينه وبين يوسف وهبى صداقة وطيدة، ثم انضم لفرقة «فاطمة رشدى» لعدة سنوات، وظل يعمل عدة سنوات مع عدة فرق مسرحية أخرى فعمل مع فرق الريحانى ومنيرة المهدية وعلى الكسار وعكاشة، واتحاد الممثلين عام 1934.
ثم جاء دخوله السينما المصرية التى احتضنته فيما بعد كواحد من أفضل من جاءوا فى تاريخها، منذ أن كانت السينما صامتة مثل أفلام «صاحب السعادة كشكش بك» عام 1931، ثم قدم فى بدايات السينما الناطقة أفلاماً منها «الدفاع»، «سلامة فى خير»، «لاشين».
بعد ذلك توالت أعماله السينمائية المتنوعة ولم تتوقف مشاركاته المستمرة فيها حتى وفاته.
وتنوعت أدواره فيها بين الموظف المطحون والباشا الأرستقراطى والعمدة ورجل الأعمال، وقدم الكثير من الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية، التى تنوعت بين الاجتماعية والدينية والتاريخية والغنائية والتراجيدية والرومانسية والكوميدية، وحصل على لقب «ممثل من الدرجة الممتازة».
ومن أهم أفلامه «ليلى بنت الصحراء»، «سلامة فى خير»، «بابا أمين»، «رد قلبى»، «بين الأطلال»، «أنا حرة»، «أمير الانتقام»، «البنات، الصيف»، «لحن الوفاء»، «شارع الحب»، «موعد مع السعادة»، «شفيقة القبطية»، «ألمظ، عبده الحامولى»، «بلال مؤذن الرسول»، «فى بيتنا رجل»، «الحرام»، «رابعة العدوية»، «زقاق المدق»، «الناصر صلاح الدين»، «وا إسلاماه»، «المماليك»، «المراهقات»، «رسالة غرام»، «أغلى من حياتى».
وفى المسرح شارك خلال رحلته الفنية فى العديد من المسرحيات،، منها «تاجر البندقية»، «أنطونيو وكليوباترا»، «مدرسة الفضائح»، «القضاء والقدر»، «الناصر»، «العباسة»، «شهر زاد»، «العشرة الطيبة»، «مصرع كليوباترا»، «الأرملة الطروب»، «الندم».
يعد حسين رياض من أكثر النجوم الذين عاشوا فى شخصياتهم، حيث أُصيب بـ«الشلل» بسبب واحد من الأفلام التى شارك بها، وهو فيلم «الأسطى حسن»، عام 1952، حيث أصيب بالشلل فى الجزء الأيمن من جسده بالتحديد، وذلك فى «ذراعه وساقه» كما هو فى الفيلم، فقد كان يقدّم شخصية لرجل أصبح عاجزاً، ويجلس على كرسى متحرك.
وبسبب تقمّصه الشديد للشخصية، خلال تصويره دور «عم سلامة»، فى فيلم «وا إسلاماه»، وضع أشياء سميكة فى عينيه تسببت فى التهابها، حيث لم يكن متوفراً لديهم العدسات اللاصقة، وكذلك بسبب تقمّص دوره فى فيلم «أمير الانتقام»، أُصيب فى جسده بسبب مشاهد السجن، التى كان يقوم فيها بحفر نفق، حيث كان يعود إلى المنزل وساقه بها جروح.
عشق حسين رياض العمل الإذاعى والتليفزيونى فلم ينسَ نصيبه منهما، فكان رصيده 150 مسلسلاً وتمثيلية إذاعية و50 مسلسلاً وتمثيلية تليفزيونية، وتنوعت أدواره فيها،حيث قام بأداء دور الأب الطيب المتسامح، والعمدة، ورئيس العصابة وغيرها من الأدوار التى لعبها باقتدار، ما جعله يلقب بـ«صاحب الألف وجه».
توفى حسين رياض فى 17 يوليو سنة 1965، على خلفية إصابته بالذبحة الصدرية أثناء استضافة الإعلامية ليلى رستم له فى أحد برامجها، وكان يُذاع على الهواء بالتليفزيون، وطلب منه الطبيب المعالج الراحة التامة بالفراش، ولكنه كان يردد «الموت أهون من الرقاد، والفنان لا بد أن يموت على المسرح».
وبالفعل نزل إلى المسرح بعد وقت قصير، وقال كل من شاهده إنه كان يتحرك على المسرح فى حيوية رجل فى العشرين من عمره، وبعدها بستة أيام وأثناء نطقه عبارة: «شيعوا جنازتى بعد 24 ساعة» سقط على خشبة المسرح فاقد الوعى، قبل أن يُكمل تصوير فيلمه الأخير «ليلة الزفاف».
حسين رياض.. من أهم الفنانين الذين تزداد قيمتهم بمرور الزمن، وتثبت الأيام أنه فنان من طراز فريد، ومن أصحاب العيار الثقيل فى الموهبة، حيث لم يتمكن أى من الفنانين طوال العقود السبعة الماضية أن يحتل مكانته الكبيرة، منذ وفاته فى 17 يوليو 1965، ولم تأتِ براعته فى تجسيد شخصية الأب، التى لقب بسببها بـ«أبو السينما المصرية» من فراغ، ولكن نتيجة موهبته الكبيرة وقدرته على تقمص شخصية الأب الطيب المتسامح أو المطحون، واستطاع بأدائه لهذا الدور أن يصبح نموذجاً لكل من يؤدى دور الأب من بعده، ورغم أنه مثّل عنصر الخير فى غالبية أعماله الفنية، إلا أنه برع فى استثناءاته المقابلة، حين جسد شخصية الباشا الأرستقراطى، والعمدة، ورجل الأعمال، ورئيس العصابة، وأرجع نقاد ومؤرخون وأكاديميون سر تميزه على الشاشة بالواقعية والصدق وقوة الروح وعمق الحضور والقدرة على الجذب، باستخدامه قدرات خاصة فى تلوين نبرات صوته بما يريده من أحاسيس، وأن نظرته كانت تفصح عن أدق ما يحمله فى أعماقه من انفعالات.
كان حسين رياض عاشقاً للثقافة والفن، وكان يعقد فى منزله صالوناً ثقافياً أدبياً شعرياً بشكل دائم، كان الصالون يشهد حضور الشاعر إبراهيم ناجى وإمام الصفتاوى والموسيقار عبده صالح والفنانة زوزو حمدى الحكيم والفنانة زينب صدقى وغيرهم من نجوم الثقافة والفن والأدب.
رحل حسين رياض عن عالمنا بعد أن ترك لنا رصيداً من الأعمال الدرامية بالسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون ستظل مدرسة للأجيال القادمة على مر العصور بأدائه السهل الممتنع وتنوع أدواره، وستظل هذه الأعمال بصمة مضيئة وبارزة فى تاريخنا الفنى.