الإثنين 29 ابريل 2024

آخرها «حالة خاصة».. هل نجحت الأعمال الفنية في التعبير عن ذوى الهمم ومرضى التوحد؟

من مسلسل حالة خاصة

3-2-2024 | 15:11

أميمة أحمد

أصبحنا جميعاً نعلم الدور المهم الذى تلعبه السينما والدراما المصرية فى حياتنا، فهى وسيلة للترفيه لا جدال، ولكن لها الدور والنصيب الأكبر فى التوعية بأمور كثيرة مهمة فى حياتنا، لسهولة وصولها إلى كل شخص، ودخول البيوت المصرية والعربية بمنتهى السهولة، وفى الآونة الأخيرة اهتمت الأعمال الفنية بمناقشة الكثير من القضايا المهمة لذوى الهمم ومرضى التوحد، ومن الأعمال المهمة التى قدمت مؤخراً كان مسلسل «حالة خاصة»، الذى عشنا معه تفاصيل كثيرة عن مرضى «التوحد» ومعاناتهم الحقيقية معه، وجعلنا هذا المسلسل نعيش حالة خاصة.

فى هذا السياق كان هذا التحقيق حول الأعمال المهمة التى ناقشت هذه القضية من قبل، وهل استطاعت أن تحاكى حياتهم بشكل صحيح، وما الذى يمكن تقدمه أكثر، وغيرها من الأمور التى تحدث إلينا عنها مجموعة من مصادرنا الأعزاء فى التحقيق التالى.

فى البداية، ومنذ طرح الإعلان الأول لمسلسل «حالة خاصة» ورأيت أن «نديم» يعمل فى المحاماة، وأصابتنى حالة من الفضول والكثير من التساؤلات، وكان أهمها: كيف سيعمل «نديم» فى المحاماة، خاصة أن مرضى «التوحد» لا يستطيعون التعامل المباشر مع المجتمع، ولذلك تابعت أحداث المسلسل لأعرف أكثر. ومن خلال الأحداث التي عايشناها لأكثر من حلقة وجدنا أن المسلسل يتحدث عن «نديم»، الذى توفيت والدته وهو صغير، ولكنها أوصته بأن يصبح محامياً حتى يتمكن من الدفاع عن حقوقه، كبر وتخرج فى كلية الحقوق، وتقدم بطلب وظيفة فى مكتب «أمانى النجار»، أشهر محامية فى مصر. فى البداية رفضته «أمانى» رفضاً قاطعاً.. كيف تعين مصاباً بـ«التوحد»، ولكن «نديم» لم ييأس، بل إنه ساعدها فى حل قضية كانت شبه مستحيلة، حتى آمنت بموهبته الخارقة.

تتوالى الأحداث، ويعمل «نديم» فى مكتب «أمانى»، ويتمكن «نديم» بعقله وذكائه الخارق من حل كل القضايا التى تأتى إلى المكتب، ولكن يأخذ زملاؤه فى المكتب حقه؛ بسبب أنه لا يستطيع أن يترافع فى أى قضية والوقوف أمام القاضى مباشرة، ولكنه لم ييأس وطلب من أمانى مساعدته. كانت أمانى تشعر تجاه «نديم» بشعور خاص، خاصة أن لديها ابناً مصاباً بطيف التوحد أيضاً، ولكنها كانت غير مؤمنة بقدرات ابنها وحزينة بسبب شعورها بأنه لن يستطيع أن يكمل ما بدأته هى فى عالم المحاماة حتى أتى «نديم» وغير من فكرها تماماً.

وفى النهاية استطاع «نديم» أن يقف أمام القاضى وأمام الجميع وأن يترافع فى قضية، هو فى البداية من قام بحل لغزها.

مسلسل «حالة خاصة» هو بالفعل حالة خاصة، فدور الفن هنا لم يقف أمام طرح المشكلة فقط، بل قدم الكثير من الحلول فى هذه المواقف وأيضاً قدم الوعى الكافى لكل أسرة لديها شخص مصاب بالتوحد، وما الذى ينبغى عليهم فعله معه، المسلسل من بطولة طه دسوقى وغادة عادل.. ومن تأليف مهاب طارق، وإخراج عبدالعزيز النجار.

حلم حياتى

وفى نفس السياق، قدمت مايان السيد من قبل حكاية «حلم حياتى» من ضمن حلقات مسلسل «إلا أنا». تدور الفكرة حول «خديجة» المصابة بالتوحد ولكنها عاشقة للفنانة شادية، وتحلم بأن تكون ممثلة مشهورة مثلها، حتى إنها كانت تقلدها فى ارتداء الملابس، وبالفعل بدعم الأسرة والوثوق بموهبتها قدمت «خديجة» على أول عرض مسرحى لها ولكنها لم تكن تعلم كم التنمر الذى ستحصل عليه من زملائها وأنهم سوف يعاملونها على أنها شخص غير طبيعى، ولكن بسبب الوعى الكافى لكل أسرة «خديجة» قاموا باحتضانها وتعليمها كيفية الدفاع عن نفسها والوثوق بموهبتها وقدمت «خديجة» بطولة أول عرض مسرحى لها وجمعتها علاقة حب مع مخرج العرض. الحرامى والعبيط هو آخر أفلام الفنان خالد صالح رحمة الله عليه، حيث قدم فيلماً رائعاً مع الفنان خالد الصاوى.

تدور أحداث الفيلم عن رجل مصاب بالتوحد ولكن بدرجة كبيرة، حتى إنه لا يستطيع التواصل مع من حوله مطلقاً مما جعلهم يضحكون عليه ويتنمرون عليه فى كل الأوقات واستغلاله أيضاً بشكل غير إنسانى بالمرة. التوربينى من الأفلام المهمة التى ناقشت مرضى التوحد قديماً، والذى جسد معاناة مرضى التوحد من خلال «محسن» المصاب بالتوحد والذى ضاقت عليه الحياة بعد وفاة والديه، ولم يكن يتبقى له من الدنيا سوى شقيقه الأكبر «كريم»، ولكنه كان شخصاً سيئاً، استغل مرض أخيه واستولى على ميراثه.

خالى من الكوليسترول

قدمت الفنانة إلهام شاهين فى هذا الفيلم رائعة من أهم أفلامها فى شكل كوميدى تراجيدى، حيث الأم التى دمرت حياة ابنها بسبب عدم وعيها بما يحدث لها، فهى مصابة بالتوحد، ولكن بدرجة كبيرة جداً، ولم تتمكن من التواصل مع المجتمع أو أن يكون لديها العلم الكافى بما يحدث حولها.

تقول الفنانة إلهام شاهين: دائماً ما كانت السينما معنية وكذلك التليفزيون بالكثير من القضايا المهمة، ومنها قضايا ذوى الهمم، ولو أننى أحب أن أطلق عليهم ذوى القدرات الخاصة، ومهما ناقشت الأعمال الدرامية مشكلتهم سيظل هناك الكثير من الموضوعات أيضاً مثل مناقشة نجاحاتهم ومواهبهم، فالله عوضهم بمواهب خاصة جداً لهم، وأنا قدمت دور واحدة من ذوات القدرات الخاصة فى فيلم (خالى من الكوليسترول)، وقدمنا فيه نموذجاً لأم، ولكن عقلها كعقل طفلة، دمرت حياة ابنها من دون وعى، وفقدت حياتها هى أيضاً بسبب عدم وعيها بالأمور، فأصيبت فى أحداث الفيلم بمرض السكرى، وظلت تأكل فى سكريات ونشويات حتى ماتت فى النهاية، هى تجربة قاسية ولكن تناقش ضرورة بث الوعى لديهم وكيفية التعامل معهم.

ومن جانبه يوضح الناقد الفنى أحمد سعد الدين، أن مسلسل «حالة خاصة» ليس المسلسل الأول الذى تحدث عن ذوى الهمم، بل إن هناك الكثير من الأعمال التى ناقشت قضاياهم، حيث قدمت مايان السيد حكاية «حلم حياتى» من ضمن حلقات مسلسل «إلا أنا»، وقدمت به قضية التوحد، فالفن رسالة وليست مهمته للترفيه فقط، والفن أيضاً انعكاس للمجتمع الذى نعيش فيه، ومرض التوحد وذوو الهمم عموماً جزء من المجتمع، ومعنى أن يناقش عمل درامى هذه القضية فهذا أمر جيد ويدل على تقدم الدول، وأننا يجب أن نتعامل مع مرضى التوحد بشكل طبيعى جداً دون الشعور بالتميز عنهم أو التنمر عليهم، ويجب أن يعلم الجميع أن وجودهم ليس أمراً سيئاً، بل إن الله ابتلاه بشىء ما فيجب أن يكون الناس والمجتمع رحماء بهم، ورسالة الفن هنا أنه يوضح لنا أن مرضى التوحد أو ذوى الهمم هم أناس طبيعيون يجب التعامل معهم برفق، وأن يتم دمجهم فى المجتمع، وهذا التعامل يدل على أن لدينا وعياً ثقافياً كبيراً، ووجود المسلسلات التى تناقش هذه القضية شىء جميل، ونطالب بوجود ذلك بكثرة، فالفن له الكثير من الجوانب مثل الترفيه، ولكن أهمها الجانب التوعوى، وهذا ما قدمه الفن فى هذه الأعمال.

ويقول الناقد والمؤرخ الفنى محمد شوقى: ليس بجديد على الفن مناقشته للأعمال الخاصة بمرضى التوحد وذوى الهمم عموماً، ولكن كان بشكل هامشى مثل الدور الذى قدمه الفنان سعيد أبو بكر بشكل كوميدى، في أحد الأعمال مع نجيب الريحانى، وهكذا كانت أدواراً هامشية؛ مثل رجل بسيط لديه ثقل فى الكلام.. كلها كانت أدواراً بسيطة بشكل كوميدى، بسبب عدم توفر كتاب مهتمين بهذا الأمر، إلى أن جاءت المجازفة من الفنانة سميرة أحمد فى فيلم «الخرساء»، وهذا الفيلم من الأفلام المهمة جداً، بل من الأعمال الخالدة، وهو من بطولة سميرة أحمد وإخراج حسن الإمام، وكان به نخبة كبيرة جداً من ألمع النجوم مثل زكى رستم وعماد حمدى، وحسن يوسف والفيلم حقق نجاحاً كبيراً، فلأول مرة نرى بطلة فيلم من الألف إلى الياء لم تتكلم فهى خرساء، وأريد أن أقول إن هذا الفيلم كانت أكثر جماهيره من الصم والبكم، وكانوا سعداء جداً بالفيلم، حتى إن سميرة أحمد قالت «إننى حصلت على ردود فعل رائعة، حتى إن أكثرهم كان يقابلنى بالبكاء».

وأضاف: قدمت سميرة أحمد أكثر من عمل لذوى الهمم حتى جاء الممثل العظيم محمود ياسين، الذى قدم دوراً رهيباً فى فيلم الأخرس، فهناك أدوار كثيرة جداً ولكن فى الآونة الأخيرة بدءأ تسليط الضوء بشكل أكبر على ذوى الهمم، وكان هناك أكثر من عملى درامى ناقش أحوال مرضى التوحد، وكان آخرها مسلسل (حالة خاصة)، وهو من الأعمال المؤثرة والمهمة جداً فى الفترة الأخيرة. ومن جانبها توضح الدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، أن هذا الموضوع غاية فى الأهمية وليس عن التوحد فقط، بل عن تعامل الفن مع الإعاقة بصفة عامة، فكانت السينما والتليفزيون والمسرح دائماً ما تناقش هذه القضايا، ولكن فى هذه الفترة أصبحت بشكل أكثر وعياً، فقديماً كانت الأعمال تقدم أن هذا الشخص لديه إعاقة أو خلل ما فقط، ولكن حالياً تظهر تفاصيل هذه الإعاقة ويوضح معنى التوحد نفسه أو الشلل أو الكف البصرى، أى ناقش كل إعاقة وحياتها وتفاصيلها اليومية، وما الأشياء التى يستطيع فعلها بالإعاقة التى لديه ببعض المعينات والأدوات المساعدة والتكنولوجيا الجديدة، وفى مسلسل «حالة خاصة» المعروض مؤخراً ظهرت معاناة الشخص المتوحد، وهى عدم قدرته على التواصل مع المجتمع، أى أن لديه خللاً وقصوراً فى التواصل، وأظهر المسلسل أن التوحد درجات، فـ«نديم» مصاب بطيف التوحد.

وأكملت: أريد أن أشكر الدراما المصرية على تناولها هذا الموضوع تحديداً، فالتوحد موضوع مهم، ويسبب الكثير من اللغط إذا أُصيب أحد أفراد الأسرة به، فهناك الكثير من الأسر لم يكن لديهم العلم الكافى عنه، وقد يخجلون من الطفل أو يخبئونه بعيداً عن الناس ظناً منهم أنه غير طبيعى، فجاءت الدراما هنا وأوضحت لهم ما الذى يعانيه طفلهم، وكيفية التعامل معه، وما الأنشطة المناسبة له.

وأكملت: فى هذا السياق أريد أن أشيد بالمسلسل الذى قدمته هبة مجدى، وهى حكاية «عيشها بفرحة»، ضمن حكايات مسلسل «55 مشكلة حب»، وهى فتاة أُصيبت بشلل وأصبحت جليسة كرسى متحرك بعد حادث أليم.. المميز فى هذا المسلسل أنه أظهر الكثير من التفاصيل التى يعيشها مرضى الشلل، أى كيف تقوم من على الكرسى، وكيف تذهب إلى الفراش، وكيف ترتدى الملابس، وأظهرت الحكاية أن الحياة لم تتوقف، بل أصبحت مخرجة وتزوجت وأنجبت.. وأيضاً الجميل هنا أنه قدم حلولاً، وقال إن هناك أماكن مخصصة للكرسى المتحرك، وهناك أشياء صُنعت خصيصاً لهم؛ مما جعل الحياة أسهل.