السبت 4 مايو 2024

«مليحة».. دراما تروي قصة «أصحاب الأرض»

مليحة

31-3-2024 | 16:10

عمرو والي
لم تغب فلسطين وقضيتها عن شتى أنواع الفنون المصرية، فظلت حاضرة في الوجدان، على مدار التاريخ، فكرة، وكلمة، وصوت وصورة، فلم تتخاذل السينما عن تقديم عشرات الأفلام، كما تناول المسرح فلسطين منذ نكبة عام 1948، وظلت الأغنية تتضامن مع القضية باختلاف العصور، بينما تعاملت الدراما معها بشكل عابر ومبسط، حتى هذا العام بعدما تم الإعلان عن موسم دراما رمضان 2024، ليفاجئ الجميع بمسلسل «مليحة» كأول عمل درامي مصري يتناول القضية الفلسطينية بالتزامن مع أبشع عدوان تتعرض له غزة منذ ما يقرب من 6 أشهر، ليؤكد من جديد على أهمية دراما الوعي، والتي أصبحت سمة رئيسية في شهر رمضان خلال العقد الأخير بمجموعة من الأعمال المتميزة التي أحبها الجمهور.. «الكواكب» تستعرض أبرز ردود الفعل بشأن مسلسل «مليحة»، وعناصر تميزه، من خلال السطور القادمة. يأتي مسلسل «مليحة» في إطار استمرار الدعم للقضية الفلسطينية على كافة الأصعدة، وذلك بعد أن استمرت الدولة المصرية في القيام بدورها في هذا الإطار على أرض الواقع كما كانت دائما خاصة بعد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، بما يشكل تكامل الدور الإعلامي المصري مع الرؤية السياسية الرافضة تمامًا للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية، فكان المسلسل أداة هامة في زيادة الوعي والتنوير وإلقاء الضوء على العديد من الملفات والوثائق والوقائع التاريخية للقضية. «إطار تشويقي» تدور أحداث المسلسل في إطار تشويقي، من 15 حلقة حول قصة الفتاة الفلسطينية «مليحة»، والتي تعيش ضمن أسرة، غادرت إلى ليبيا، بعد غارات إسرائيلية على فلسطين، واشتعال شرارة الانتفاضة الأولى عام 2000، وتدمير منزلهم، لكنهم يواجهون تحديات جديدة فيقررون العودة إلى غزة من خلال الأراضي المصرية، فتجمعهم الصدفة مع ضابط الجيش المصري أدهم، وتتصاعد الأحداث. وتتعرف «مليحة» على الضابط أدهم على الحدود المصرية الليبية، وهم يحاولون الرجوع إلى قطاع غزة ولكنهم يفقدون أوراقهم الثبوتية بعد وفاة والدها، وتنشأ بين مليحة وأدهم مشاعر ولكن هي وأهلها متمسكين برجوعهم لقطاع غزة، فهل سيرتبط أدهم ومليحة؟ وهل ستبقى في مصر؟ وهل سيكون مستقبلها سعيدًا بعد الماضي الحزين؟. «إعلان مفاجئ» جاءت البداية مع مطلع فبراير من العام الجاري 2024، حين تم الإعلان عن مسلسل «مليحة»، والتعاقد مع أبطاله للمشاركة في النصف الثاني من سباق دراما رمضان 2024، وكان أبرزهم دياب، وأمير المصري، وعلى الطيب، وحنان سليمان، وأشرف زكي، والفنانة الكبيرة ميرفت أمين، وبمشاركة مجموعة من الفنانين من فلسطين والأردن، على رأسهم سيرين خاس، أنور خليل، ورحاب الشناط، ديانا رحمة، مروان عايش، مروة أنور، وسارة عبد الرحمن وغيرهم من الفنانين، والعمل من تأليف رشا عزت الجزار، ومن إخراج عمرو عرفة. «كواليس العمل» مع انطلاق التصوير تم الكشف عن مجموعة من الصور مطلع شهر مارس من العام الجاري، وظهرت فيه مجموعة من أبطال العمل ضمن مواقع التصوير المختلفة، كما كشف المخرج عمرو عرفة عن أهم وأصعب مشاهد المسلسل وهو مشهد تهجير أهل فلسطين، والذي ضم ما يقرب من ألف ممثل، وسيطر على البرومو التشويقي للمسلسل. وكتب «عرفة» عبر حسابه الشخصي عبر موقع «إكس»: «أول مرة يبقي معانا 1000 ممثل في مشهد واحد.. حقيقي كلهم أبطال». وأضاف: «أنا مسكت الميكرفون وقولتلهم اللي بيحب فلسطين ومش قادر يقدم حاجة عشان يخفف آلامهم يساعدهم بحزنه في المشهد ده، واللي عايز يعيط يسيب نفسه، وبالفعل الناس كلها بتحب فلسطين». وقالت رشا عزت الجزار، مؤلفة المسلسل ، «إنَّ العمل الدرامى يوثق المعاناة التى مر بها الشعب الفلسطينى، لافتة إلى الحرص على المزج بين السردية الدرامية والوثائقية فى تقديم العمل بهدف تقديم الصراع العربى الإسرائيلى وإبراز أهم محطاته الرئيسية على مدار الـ 15 حلقة مدة عرضه». وأضافت الجزار عبر تصريحات تليفزيونية لها مسلسل «مليحة» أقوى عمل درامى عربى يروى قصة أصحاب الأرض، وهو عبارة عن دراما اجتماعية إنسانية تتطرق إلى دعم القضية الفلسطينية عبر المزج بين الدراما والوثائقية لتعريف الأجيال الجديدة بماهيه الصراع ونشأته وجذوره. وتابعت الجزار حديثها قائلة: «الصراع العربى الإسرائيلي لم ينشأ في السابع من أكتوبر بل جذوره ممتدة لما أبعد من ذلك، وهو ما نحاول توضيحه في مسلسل «مليحة» كرسالة لأجيال ربما لم تعي نشأة هذا الصراع الذي تولدت عنه أحداث الـ7 من أكتوبر، فهذه الأحداث ليست بداية الصراع بل إنه ممتد من قبل عام 1948 تاريخ النكبة الأولى». وأعربت مؤلفة المسلسل عن توقعاتها بأن المسلسل سيحدث فارقا في الصورة الذهنية عن إسرائيل لدى العالم بالأحداث الراهنة، حيث لا يعرض المسلسل أكاذيب، ولكن حقائق معروفة للقاصي والداني ومعروفة للشعوب العربية، وأيضا للغرب. وأشارت إلى أن المسلسل يسلط الضوء على دور الجيش المصري، وتحديدا في فترة 2012، والتي تعد فترة صعبة على الداخل المصري، وكانت مؤسسات الدولة تواجه مشكلات صعبة قد لا يعرفها البعض إذ كان منشغلا بما يحدث في الداخل، لكن لم يعرف الدور العظيم للجيش المصري الذي كان يتولاه على الحدود المصرية في هذا التوقيت. «توثيق هام» جاء صوت الفنان سامي مغاوري مع بداية أحداث مسلسل «مليحة» معبرًا بصدق عن مأساة الشعب الفلسطيني عبر سنوات طويلة تعرضوا فيها للظلم، ممثلًا شخصية الراوي أو «الشيخ سالم» الذي يروي لحفيده تاريخ القضية الفلسطينية، فيما يصاحب صوته في بداية كل حلقة مشاهد واقعية للحقبة التي يرويها. وتعرضت الحلقات الأولى من العمل للعديد من المواقف التاريخية، وأشارت إلى العديد من الشخصيات الهامة المؤثرة فى تاريخ المنطقة، سواء من الجانب الإسرائيلي مثل «هرتزل»، أو رجال المقاومة الفلسطينية مثل عز الدين القسام، وهو ما يؤكد تأثير الدراما الهادفة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على ما تقوم به مصر تجاه القضية الفلسطينية عبر التاريخ، بالإضافة لكشف حقائق تاريخية قد تكون غائبة عن كثير من الأجيال السابقة، وتوضيح الرؤية بشكل كامل لدى الأجيال الجديدة تجاه قضية قومية عميقة فى جذور المصريين، وهى القضية الفلسطينية. وتضمن السرد الدرامى لمسلسل «مليحة» الإشارة إلى الثورة الفلسطينية الكبرى، التى وقعت أحداثها فى سنة 1936 ضد العدو الأسرائيلي، وهى الثورة التى تمثل محطة بارزة فى حركة النضال الوطنى الفلسطينى منذ أواخر القرن التاسع عشر، فهى نقلة نوعية فى توجهات هذا النضال بعد حالة الوهن العام، التى اعترت الحركة الوطنية الفلسطينية فى أعقاب هبة البراق عام 1929. «تفاعل الجمهور» احتل المسلسل مع بداية عرضه الصدارة في مواقع البحث ، وأشاد به عدد كبير من رواد منصات التواصل الاجتماعي، وجاء من بين التعليقات: «فعلا المسلسل تحفة جدا، وكمان فكرة المسلسل مهمة جدا، والحلقة الأولى تحفة أوي بيحسس اللي بيتفرج شعور أهل فلسطين تحت الاحتلال، وصعوبة حياتهم، بس ربنا معاهم في كل وقت»، «المسلسل حلو جدا»، «أحلى مسلسل في رمضان»، و«أحلى مسلسل يسلم كل اللي عملوه»، «فعلا بداية قوية ويا ريت باقي المسلسل يبقى كده» وكتب أحد المتابعين عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «المسلسل ده هيوجع البعض وجع السنين، لأن الإعلام بتاعهم بيصيح من قبل المٌسلسل ما يبدأ»، بينما كتب آخر: «تحية كبرى جدا للمتحدة على مسلسل مليحة، السرد التاريخي في المقدمة رائع ومهم»، فيما علق آخر: «العالم كله مفيش دولة واحدة فكرت تعمل مسلسل للشعب الفلسطيني إلا مصر، المسلسل يناقش أهم قضية موجودة دلوقتي، أول عمل درامي بيحكي معاناة الفلسطينيين». «تترأصحاب الأرض» عقب عرض الحلقة الأولى، كانت هناك مفاجأة جديدة وهى التتر الذى جاء بعنوان «أصحاب الأرض»، غناء الفنانة أصالة، مصحوبا بالترويدة للفلكور الفلسطينى، وفن الترويدة هو نوع من الفلكلور الفلسطينى، كلماته كتبت لتبدو مشفرة غير مفهومة، وفيه تختلف طريقة نطق الكلمات باللغة العربية لتظهر ممتزجة في حروفها الأخيرة وإضافة حروف أخرى، واستخدمها أهل فلسطين لتمرير رسائل إلى بعضهم في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حتى لا يعرف جنود الاحتلال مضمون الرسائل، أي أنها كانت بمثابة لغة مُشفرة، وابتكرت هذه الطريقة النساء الفلسطينيات لتمرير رسائل إلى أزواجهن المعتقلين في سجون جيش الاحتلال مع إخفاء معاني الكلمات. وتعاونت أصالة مع فرقة أكابيلا المصرية، والتي أضاف حضورها طابعًا مختلفًا على الأغنية، وهي واحدة من أهم الفرق الغنائية، المكونة من مجموعة من الدارسين في أكاديمية الفنون وجامعة القاهرة ودارسي الموسيقى، وتضم ما يقرب من 40 عضوًا حتى الآن، حتي تخرج الأغنية والتي تعتبر مزيجًا بين الفولكلوروالترويدة الفلسطينية. واختتم تتر النهاية لمسلسل «مليحة» بمجموعة من الأبيات الشعرية وهى: «ثبت جذورك في التراب فأنت باقٍ هاهنا، الأرض أرضك يا فتى هذه البلاد بلادنا، هم جهلة لا يعلمون بأن وطنك خالدٌ، فأصمد ورابط واحتسب إنا ورائك كلنا، كم من شهيد قدموا أرواحهم من أجل تحقيق اليقين، يا صاحب الأرض اعتصم فالأرض عرض المتقين» «طريقة مبتكرة» ابتعد تتر المسلسل عن الأسلوب التقليدي في ظهور مشاهد من العمل أو النجوم المشاركين به، لإفساح المجال أمام هدفه الأساسي المتمثل في دعم القضية الفلسطينية، خصوصًا وسط الأحداث التي تشهدها غزة طوال الأشهر الماضية على وجه التحديد، إذ تضمن التتر ظهور العديد من الرموز المميزة مثل الشخصية الكاريكاتورية «حنظلة» إحدى أيقونات المقاومة الفلسطينية ورمزًا لهوية أصحاب الأرض، هذه الشخصية التي رُسمت على هيئة طفل واضعًا يديه خلف ظهره رافضًا للاحتلال. ورمز آخر من رموز المقاومة الفلسطينية يظهر في تتر البداية للمسلسل، وهو «المفتاح الفلسطيني» الذي يعبر عن تمسك أهل الأرض بحقهم في العودة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، أي أن كل فلسطيني ما زال يمسك بمفتاح منزله الذي تم تهجيره منه بالقوة. «هجوم إسرائيلي» وآثار المسلسل «مليحة» حفيظة الإعلام الإسرائيلي قبل بدء عرضه، فمن خلال اهتمام غير عادي سلط الإعلام الإسرائيلي الضوء على المسلسل، وتطرق إلى صناع العمل والهدف من ورائه، بل بث مقاطع منقولة لحديث مع مؤلفة العمل على التليفزيون المصري رشا عزت الجزار. واعتبر الإعلام الإسرائيلي كلام مؤلفة العمل تأييدا مطلقا للشعب الفلسطيني، ورغم تأكيدها أن العمل قصة درامية اجتماعية إنسانية تسلط من خلالها الضوء على القضية الفلسطينية إلا أنه أثار اهتمامهم بشكل مفرط. نشرت مؤلفة مسلسل «مليحة»، عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، مجموعة صور من أخبار الإعلام الإسرائيلي، حول العمل. وتابعت: «نعلم أن الفن المصرى تأثير على الوجدان العربي دامت مصر وشعبها ومؤسساتها وقوتها الناعمة للحقوق وأصحابها داعمين ومساندين». «رأي النقاد» أشاد الناقد الفني أحمد سعد الدين بكتابة مسلسل «مليحة»، وبداية التتر، مشيرا إلى أن المسلسل عبارة عن درس تاريخي في شكل درامي مرئي، ويعد هذا أمرا جيدا بالنسبة للجيل الحالي، الذي لا يعرف أصل القضية والمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. وأضاف سعد الدين عبر تصريحات تليفزيونية أن مسلسل مليحة يمزج بين الشكل التاريخي للقضية الفلسطينية وما يحدث بالوقت الحالي، في شكل درامي، لافتا إلى أن المسلسل ربط بين انتفاضة عام 2000 وما يحدث الآن، والأصعب هو رصد المسلسل لمأساة الفلسطينيين التي نراها كل ساعة. وقال الناقد الفنى محمد عبدالرحمن إن مسلسل «مليحة» يؤكد أن القضية الفلسطينية محورية ومركزية عند الشعب المصرى، وبالتأكيد سيكون هناك اهتمام كبير فى كيفية تناول القضية الفلسطينية مرة أخرى فى الأعمال المصرية، بحسب قوله، مضيفاً: «بقالنا كتير ما كانش ده موجود، وبالتالى اللى حصل بعد 7 أكتوبر أكد مدى أهمية العودة إلى هذا الملف درامياً، لأن الدراما لها دور أساسى وتأثير قوى على الجميع». وقال الناقد الفني طارق الشناوي إن مسلسل «مليحة» اخترق حاجز الصمت تجاه القضية الفلسطينية، واستعرض القضية منذ بداية تاريخها، والمدخل التاريخي للمسلسل والذي أجراه المخرج عمرو عرفة مبدع ويخدم القضية، مضيفا أن الفن المصري لم يتخل يوما عن القضية الفلسطينية، وقوة الفن المصري وتأثيره في الشعوب العربية معروف.