تحتفل مصر فى 25 أبريل من كل عام بذكرى عيد تحرير سيناء، تلك البقعة العزيزة على قلب كل مصرى وطنى حر، وعلى مر السنين تبارى الفنانون على مختلف ألوانهم الفنية لتجسيد تلك الملحمة الكبيرة، حتى إن الفنانين التشكيلييين تناولوها فى لوحاتهم لتمثل لهم مصدر إلهام لإظهار الروح الوطنية والمشاعر المرتبطة بالنصر، وفى التقرير التالى نتناول عدداً من هؤلاء الفنانين وأهم اللوحات التى استقوا أفكارها من النصر العظيم.
العبور.. والشهيد
رسم الفنان د.أحمد نوار مجموعة «العبور»التى قدمها فى قاعة «أفق واحد» فى عام 2010، التى اعتبرها شحنة كبيرة تفجَّرت فاجأة، حاول فيها البحث فى الطاقة الداخلية الجبارة التى جعلت جنود مصر ينتصرون ويستردون الأرض المسلوبة.
كما قدم مجموعته الثانية، التى حملت عنوان «الشهيد» المستوحاة من تجربته بوصفه كان قناص فى الجيش المصرى خلال حرب الاستنزاف، والتى تعكس رؤيته لمفهوم البطل والمحارب وشهيد الحرب كما عايشهم، والتى تعد امتداداً لمعارضه التى يعكس فيها حسه الوطنى، واعتزازه بدوره كقناص خلال حرب الاستنزاف، تميز أسلوبه المعروف بالدقة والتنوع فى الوقت ذاته.
ونطالع خلال لوحات تلك المجموعة قدرة متفردة على تحويل الأشكال الإنسانية إلى علاقات هندسية دقيقة، كما استطاع توظيف ألوانه بجدارة لتعكس هذه الفكرة من خلال ألوان علم مصر التى سيطرت على اللوحات.
كما يحضر معنا الفنان جمال السجينى، وله أعمال عدة تسجل نصر أكتوبر وتحرير سيناء، لكن عمله الذى يحمل عنوان «العبور» يتجلى ليسجل من خلاله مشهداً مختلفاً، حيث تخيل مشاهد الجنود وهم يعبرون القناة، فراهم يجدفون فى مركب يحملهم على شكل امرأة تمتد بذراعيها للتوجه للأمام تجاه الضفة الشرقية من القناة، والمرأة هنا تشير بيديها الى العالم أجمع، تتحدث عن نفسها وعن استعادة الكرامة، يداها مفرودتان تخرج على التشكيل وتساهم فى حيوية الإيقاع مع البارز والغائر من تلك النغمات التى تموج بها السطوح النحتية مع الفراغات التى تتفاعل مع الضوء مما يخفف من كثافة الكتل، ونفذ هذا العمل فى عدة ميادين.
الانتصار والفرح
تعكس بعض اللوحات الفنية الفرحة والبهجة التى عمت الشعب المصرى بعد نصر أكتوبر، ليتم من خلالها تصوير المشاهد الاحتفالية والتظاهرات الشعبية التى شهدتها مصر عقب هذا الإنجاز التاريخي.
ومن الأمثلة التى عبَّرت عن هذا لوحة الفنان يوسف محمد الذى صوَّر فيها نصر أكتوبر واحد من أجمل أعماله جعلها أغنية لروحه الوطنية واشتياقه للنصر، فذابت الحروف والكلمات مع الجنود والطيور التى تعد رموزاً للغة المصرى القديم، وكأنها تجدد سيرة الانتصارات المصرية من أول التاريخ، وإذا تأملنا الكتابات نطالع تلك المعانى التى توحى بقوة العزيمة والنصر والبسالة المصرية وبطولة الجنود، كما تتألق الخطوط على حواف اللوحة أشبه بإطار يزينها.
رموز الانتصار
وتتضمن بعض الأعمال الفنية استخدام رموز تمثل الانتصار، مثل العلم المصرى والنخلة؛ لتعزيز المشاعر الوطنية والفخر بالانتصار، مثل ما قدم الفنان حامد ندا لوحة «المنتصر زيت على أبلاكاش»، التى عبرت عن فرحة الانتصار ورجوع الأرض؛ ليعبر عنها من خلال ملحمة تشكيلية بديعة صور من خلالها حصاناً عربياً راقصاً مكتوباً عليه لفظ «المنتصر» يمتطيه رجل وامرأة وطفلان.. وهى أسرة مصرية وبذرة حياة الأرض..والممسك باللجام طفل، فى إشارة إلى أنه يضع القيادة والمستقبل فى يد الطفل، والرجل يمسك بيده طائراً، والمرأة تمسك بيد الرجل، وخلفهم رجل وامرأة تمسك بيدها اليمنى مفتاح الحياة وباليسرى ثلاث بيضات، وهى ملامح تراثية مصرية، وفى أعلى اللوحة نجد عيناً والأهرامات الثلاثة، وقرص الشمس، وشخصاً يتطلع من وراء السحب عند نهاية الأفق يردد ترانيم روح الشهيد التى ترفرف فوق الفرحين بالنصر.
الطبيعة فى سيناء
يقدم بعض الفنانين لوحات تصويرية للمناظر الطبيعية فى سيناء قبل انتصار أكتوبر وبعده ولعل أبرز ما يميزها هو جمال الصحارى والجبال والشواطئ التى تعكس حالة الهدوء والسلام، ومن أبرز الفانين الذين وثقوا فى لوحاتهم الطبيعة السيناوية الخلابة الفنان ديفيد روبرتس أشهر الفنانين البريطانيين الذين سحروا ألباب الناس بلوحاته عن مصر فى أربعينيات القرن التاسع عشر التى توقف فيها خلال رحلته من مصر إلى القدس لرسم أشهر معالم الشرق الأدنى. فيما رسم الفنان السيناوى مصطفى بكير لوحاته تعبير عن حبه وفخره بأرض مصر وسيناء العظيمة، وأرضها الطيبة، لأنها أرض البطولات والحضارات، ورسم اللوحات كلها لتشاركه فرحته وأفراح المصريين بعودة سيناء بعد تحريرها، كما حاول أن يعبر من خلال لوحاته على انتصار أكتوبر العظيم.
إن الألوان تلعب دوراً أساسياً فى تعميق الإحساس بالجمال وتأكيد فلسفة ورؤية الفنان، حيث اعتمدت على الدفء وسخونة الألوان المشرقة الشديدة المصرية والتناغم مثل الأزرق والأخضر والأحمر والأصفر والأسود، وترجم الأحداث التاريخية التى مرت بها سيناء من خلال لوحات الفتح الإسلامى ولوحة التضامن العربى كتعبير عن تضامن الشعب المصرى والعربى.
لوحات تذكارية لتخليد الذكرى
يقوم بعض الفنانين برسم لوحات تذكارية تخليداً لهذا الحدث التاريخى المهم، ويتم عرضها فى المتاحف والأماكن العامة كنوع من التخليد والاحتفاء بالتاريخ الوطنى، من بينها عمل الفنان حامد عويس رائد الواقعية الاجتماعية ورؤيته لتحرير سيناء عبر لوحة «العبور» كواحدة من أهم لوحاته، فاتخذ فى إحداها شعاراً ليد تبنى واليد الأخرى تحمل السلاح، وكذلك عمل الفنان سيد سعد الدين التصويرى «لمسة» كلمسة وفاء للشهيد الذى ضحى بنفسه من أجل استرداد الوطن لتحتضن فتاة صغيرة أحد شهداء الحرب، وتمسك بيدها الثانية حمامة رمزاً للسلام الذى حققه هذا الحدث الجليل.
هذه بعض النماذج البارزة للأعمال التشكيلية التى تناولت سيناء، وقد تختلف الطرق والمفاهيم التى يعبر عنها الفنانون عن هذا الحدث حسب تجاربهم الشخصية ورؤاهم الفنية، لكنها تروى للأجيال القادمة ما حدث ومر على أرضنا، خاصة هذا اليوم العظيم، الذى لم يكن مجرد نصر بل استنهاضاً لأمة واسترداداً لكرامتها.