الأربعاء 18 ديسمبر 2024

عطاء فنى واعتزال فى قمة مجدها ليلى مراد.. وسر خوفها من المسرح!!

ليلى مراد

6-12-2024 | 14:17

طه حافظ
«كنت لا أريد لنفسى أن أكون مغنيةً أو ممثلةً، بل كنت أتمنى أن أكون مدرسةً أو زوجةً مستقرةً كباقى الزوجات السعيدات الهانئات، وفشلت أن أكون مدرسةً؛ لأن القدر حارب أبى فى رزقه». هذا هو ما قالته الفنانة الراحلة ليلى مراد عن أمنياتها قبل أن تدخل عالم الفن وتصبح إحدى أهم نجماته عبر التاريخ، لتقدم للفن رحلة طويلة من العطاء استطاعت فيها أن تمتع الجمهور برصيد عريض من الأعمال الفنية والغنائية، وتعالوا بنا نعيش معاً رحلة ليلى مراد فى عالم الفن فى 17 فبراير 1918، وُلدت ليليان زكى مراد، التى عرفت فيما بعد باسم «ليلى مراد»، وهى من أسرة مصرية فنية؛ فوالدها هو المغنى والملحن الكبير زكى مراد، أحد أهم فنانى عصره، وكان والدها زكى مراد يغيب فى رحلات غنائية، واضطرت «ليلى» للعمل فى سن صغيرة للغاية لمساعدة أسرتها، ولم تدخل الفن حباً فيه بنسبة 100%. تقدمت للإذاعة كمطربة عام 1934، وقتها كانت فى السادسة عشرة من عمرها، وكانت أولى الحفلات الغنائية التى قدمتها الإذاعة فى 6 يوليو عام 1934.. وقدمت ليلى مراد حوالى 1200 أغنية منها: «أبجد هوز»، «شحات الغرام»، «كلمنى يا قمر»، «يا رايحين للنبى الغالى»، «اتمخطرى يا خيل»، «اللى يقدر على قلبى»، «الشاغل والمشغول»، «الحب لحن جميل»، «إمتى حاتعرف إمتى»، «منايا فى قربك»، «من القلب للقلب رسول» وغيرها. ولحن للمطربة ليلى مراد كبار الملحنين بدءاً من والدها زكى مراد إلى محمد فوزى، محمد عبد الوهاب، منير مراد، رياض السنباطى، زكريا أحمد والقصبجى وغيرهم، وكتب كلمات أغانيها كبار الشعراء ومؤلفى الأغانى منهم: أحمد رامى، بيرم التونسى، فتحى قورة، جليل البندارى، مأمون الشناوى، حسين السيد، أبو السعود الإبيارى وبديع خيرى وغيرهم. الغريب أنه على الرغم من تميزها فى الغناء والتمثيل الاستعراضى ولكن شخصيتها الخجولة منعتها من الوقوف على المسرح، والغناء أمام الجمهور، فكشف ابنها زكى فطين عبدالوهاب عن ذلك، بقوله: «أمى لم تغنِّ نهائياً على خشبة المسرح بشكل مباشر للجمهور، فكانت تشعر بالرعب من الوقوف عليه؛ لأنها كانت شديدة الخجل، حتى إنها دائماً كانت تتعجب كيف تقف أم كلثوم على خشبته وتغنى لأكثر من ساعتين للجمهور». بينما كشفت ليلى مراد عن تفاصيل ما حدث خلال المرة التى واجهت فيها الجمهور، فى صغرها، موضحة أنه خلال الوصلة الثانية من الغناء انقطع رباط الجورب الذى ترتديه، وببراءة الطفلة رفعت طرف الفستان إلى أعلى أمام الجمهور لتربطه فضج الجمهور بالضحك وصفقوا لها طويلاً. وفى الوصلة الثالثة بدأ النوم يداعب عينى الطفلة، وما كادت الفرقة الموسيقية تنتهى من عزف المقدمة حتى وجدت نفسها عاجزة تماماً عن مغالبة النوم، فانفجر الجمهور بالتصفيق والضحك وسمعتهم يقولون «كفاية عليها كده.. دى كويسة»، وشهد لها الجمهور فى هذه الحفلة بأنها أصبحت مطربة ناجحة رغم صغر سنها. كما كانت لليلى مراد بصمة واضحة فى عالم الغناء كانت لها أيضاً بصمة كبيرة فى السينما، حيث كانت بدايتها فى السينما كمغنية فقط فى النسخة الناطقة من فيلم «الضحايا» عام 1935، ثم مثلت للسينما 27 فيلماً. فى عام 1937 وقفت أمام الموسيقار محمد عبدالوهاب والمخرج محمد كريم فى فيلم «يحيا الحب»، لتجذب أنظار عميد المسرح العربى، يوسف وهبى، وتقدم معه فيلمها الثانى «ليلة ممطرة» نهاية عام 1939. جاءت النقلة النوعية فى حياة ليلى مراد بعد أن قابلت أنور وجدى، ورغم شهرتها وتصدرها البطولات ولكن بذكائه الشديد استطاع أن يأخذها لمنطقة جديدة عليها، وعاشت معه حياة مليئة بالنجاح الفنى وكوَّنت معه أشهر ثنائى سينمائى، حيث شاركا معاً فى 11 فيلماً بين عامى 1941 و1953، هى «ليلى بنت الريف»، و«شهداء الغرام»، و«ليلى فى الظلام»، و«الهوى والشباب»، و«بنت الفقراء»، و«بنت الأغنياء»، و«دليلي»، و«عنبر»، و«الهوى والشباب»، و«غزل البنات»، و«حبيب الروح»، و«بنت الأكابر»، ثم انفصلا وبعد عام من انفصال ليلى مراد عن أنور وجدى، تزوجت من الطيار وجيه أباظة، وانفصلت عنه بعد عام، وكانت أنجبت له ابنهما الأكبر، وبعدها بعامين تزوجت من المخرج الكبير فطين عبدالوهاب، وأنجبت الفنان زكى فطين عبدالوهاب، وبعد 11 عاماً من زواجهما، انفصلت ليلى مراد عن المخرج فطين عبدالوهاب، ولم تتزوج بعده وتفرغت لتربية ابنيها، بعد أن كانت قد أعلنت اعتزالها فى قمة عطائها الفنى فى السادسة والثلاثين من عمرها، خلال العام 1955 وكان آخر أفلامها فى السينما «الحبيب المجهول» مع حسين صدقى. اعتزلت بعد ذلك ليلى مراد السينما، ولكنها قررت الاستمرار فى الغناء، ثم قررت اعتزال الغناء فيما بعد بعدما سجلت للإذاعة المصرية أغنية «ليه خلتنى أحبك»، وفوجئت بعدم إذاعتها بسبب رفض لجنة الإذاعة، جملة «آه منك آه يانا.. روح منك لله» واستبدالها بجملة «بادعيلك بأمانة.. روح منك لله»، وهو ما رفضته واعتزلت الغناء بعدها. فى كتاب «النهر الخالد» لسعد الدين وهبة، وهو حوار طويل عن حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب، قال فيه متحدثاً عن ليلى مراد: «لم تكن ليلى وحدها هى الصوت الجميل الذى اكتشفته ولحنت له؛ بل هناك العشرات والعشرات، لكن بقيت ليلى مراد من أرق الأصوات فى الأغنية الاستعراضية خلال فترة الأربعينيات». يحكى موسيقار الأجيال عن ليلى: «بدأت علاقتى بها من خلال والدها المطرب زكى مراد، الذى قال لى (عندى بنت ياريت تسمعها)، وعندما سمعتها وجدتها شيئاً خطيراً، ووجدت فيها حدة النبرة وشدة التأثر والإحساس بالألم الصادق، ورغم حرصى على الفلوس وقتها، قررت أن أعمل لها حفلاً على حسابى فى تياترو رمسيس، لكنها لم تحقق النجاح المطلوب». يضيف موسيقار الأجيال: «اكتشفت فيها عيباً واحداً هو الخوف من الناس، وهو عيب يقسم وسط المغنى، فحررتها منه ومنعتها من الظهور أمام الناس مباشرة فانطلقت تغرد، فأخذتها معى فى فيلم (يحيا الحب)، فزال الخوف تماماً وانطلقت لأنها أمام الكاميرا وليست على المسرح أمام الناس، وفى ذلك الفيلم غنت 3 أغانٍ كلها نجحت، وهكذا لولا الخوف لكانت ليلى مراد أعظم مطربة فى الدنيا». ويكمل حديثه موضحاً: «كانت ليلى مراد مدرسة فى الاستعراض الغنائى، ولحنت لها فى فيلم «يحيا الحب»، وبعده «عنبر»، الذى غنت فيه مع ثلاثة مختلفين عن بعض: محمود شكوكو بمصريته الصميمة الحلوة، والمطرب اللبنانى إلياس مؤدب، وعزيز عثمان الذى غنى (مربوط ع الدرجة الثامنة والناس درجات)». وواصل عبد الوهاب سرد قصته مع ليلى مراد، قائلاً: «طبعاً نجم النجوم فى سينما ذلك العصر إسماعيل يس، كانت ليلى بطلة أول توليفة فى الغناء المصرى بفيلم «عنبر»، وغنت فيه كما غنت فى فيلم لأحمد سالم أغنية «الماضى المجهول»، أما غناؤها الخالص لمحمد عبد الوهاب فكان فى فيلم «غزل البنات»، وكان من إنتاجى مع أنور وجدى، وفى هذا الفيلم ظهر خوف ليلى مراد، لكنه كان الخوف المحبب الأقرب للحرص على العمل». وحسب موسيقار الأجيال: «فى «غزل البنات» أمام ليلى مراد خرج نجيب الريحانى عن السائد فى البكاء بالجلسرين، وقال «أنا متعذب خلقة من غير دافع، فأنا جوايا من الهموم ما يجعلنى أدمع وأعيّط وأبكى طبيعي»». تم تكريمها فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1998 بمنحها شهادة تقدير. توفيت ليلى مراد فى 21 نوفمبر 1995، تاركة وراءها إرثاً فنياً خالداً ما زال يثرى ذاكرة الفن العربى.