7-3-2025 | 13:37
شهدت الدراما المصرية فى التسعينيات ازدهاراً كبيراً، حيث كانت تلك الفترة بمثابة العصر الذهبى للمسلسلات التى تعتبر مرآة حقيقيه تعكس قيم وتقاليد المجتمع المصرى، وتؤثر فى سلوكيات الأفراد وأفكارهم.
بالفعل لم تكن الدراما فى تلك الحقبة مجرد تسلية، بل كانت «مدرسة أخلاقية» تعلم الأجيال أصول الاحترام والوفاء وقيمة العائلة، وكان مؤسسو هذه المدرسة جيشاً قوياً وجيلاً مميزاً من الكُتَّاب والمخرجين الذين صنعوا أعمالاً لا تزال خالدة ومحفورة فى الذاكرة، تعاد مشاهدتها بنفس الشغف، وحتى بعد مرور عقود لا تزال تلك الأعمال حاضرة فى وجدان المشاهدين حتى اليوم.
فى هذه الفترة لم يكن الهدف من المسلسل مجرد تقديم قصة مشوقة، بل كان هناك حرص على تقديم محتوى يحمل رسائل مجتمعية عميقة، فقد تناولت الدراما آنذاك قضايا اجتماعية مهمة فى إطار قصصى جذاب يجمع بين الإثارة والدراما والرومانسية.
وبالفعل هذه الأعمال أثبتت بدليل قاطع أن التاريخ لا يُكتَب فقط فى السينما، بل الدراما التليفزيونية تصنع ذاكره لا تُنسى.
بالطبع عندما نتحدث عن هذه الحقبة الذهبية، فمن أوائل الأعمال الدرامية التى نتذكرها «ليالى الحلمية»، ذلك المسلسل الذى يعتبر ملحمة اجتماعيه وسياسية تؤرخ لمصر منذ القدم وحتى العصر الحديث.. تلك الملحمة، التى قدمها المؤلف الكبير أسامة أنور عكاشة، ونجح فى تقديمها بتميز المخرج الأستاذ الكبير إسماعيل عبد الحافظ الذى أجاد اختيار الممثلين الذين نجحوا جميعاً فى تجسيد أدوارهم ببراعة، من خلال شخصيات ما زالت عالقة فى أذهاننا إلى يومنا الحاضر؛ منهم نجومنا الكبار يحيى الفخرانى وصفية العمرى وصلاح السعدنى.
أيضاً مَن يستطيع آن ينسى مسلسل «المال والبنون» الذى أجاد عزفه الثنائى الرائع المؤلف الكبير محمد جلال عبد القوى، وقائد الأوركسترا ملك الداما المخرج المتميز مجدى أبو عميرة.. وبالفعل «المال والبنون» من الأعمال التى ناقشت فكرة الصراع بين المبادئ والمكاسب المادية وأثر المال على العلاقات الإنسانية، ومن أبرز نجوم هذا المسلسل الرائع، عبدالله غيث ويوسف شعبان وأحمد عبد العزيز وشيرين سيف النصر ورجاء حسين.. والحقيقة أن من أكبر الممثلين لأصغرهم ظهروا جميعاً فى أجمل صورة.
أيضاً أبدع المخرج الكبير مجدى أبو عميرة مع المؤلف المتميز محمد صفاء عامر فى تقديم المسلسل الرائع «الضوء الشارد»، وهو واحد من أنجح وأشهر المسلسلات التى تناولت حياة الصعيد المصري؛ حيث جمع بين الرومانسية والصراعات العائلية والنفوذ مما جعله يحظى بشعبية واسعة عند عرضه.
أيضاً قدم أبوعميرة مع الكاتب الكبير مجدى صابر مسلسل «الرجل الآخر» الذى يعد واحداً من أنجح المسلسلات فى أواخر التسعينيات؛ حيث جمع بين التشويق والإثارة والداما الاجتماعية.
كان العمل علامة بارزة فى مسيرة النجمين نور الشريف وميرفت أمين اللذين أبدعا فيه.
ومن يستطيع نسيان مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبي» الذى يحيا فى وجداننا إلى الآن، ولا نمل من إعادة مشاهدته، وهو قصه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس والكاتب الكبير مصطفى محرم الذى أجاد تحويله لسيناريو وحوار، إخراج الأستاذ الكبير أحمد توفيق.. ذلك المسلسل الذى يعرض قصه كفاح ونجاح الحاج عبد الغفور البرعى ليقدم نموذجاً ملهماً لتجاوز الفقر بالكفاح والصبر والعمل والأمانة مع إبراز العلاقات الأسرية الدافئة والتحديات التى يواجهها الأبناء.
أيضاً المسلسل الأسطورى الراقى «هوانم جاردن سيتي»، الذى تم إنتاجه فى جزأين وكان بمجرد سماع أغنيه التتر يا «روايح الزمن الجميل» من خلال صوت حنان ماضى، الذى كان بمجرد أن يصدح نشعر وكأننا ننتقل إلى عالم من الدفء والحنين، عالم لا نريد مغادرته؛ حيث تلتقى الموسيقى بالكلمات فى تناغم يأسر القلب لينقلنا إلى عالم مبهر فى تفاصيل ملامحه من الأزياء وسلوكيات راقية فى العلاقات حتى فى الاختلاف كان هناك رقى هذا غير الصورة البراقة.
بالفعل مسلسل «هوانم جاردن سيتي» من الأعمال التى رصدت شكل المجتمع الأرستقراطى المصرى وهذا المسلسل بمثابه قطعة موسيقية نادرة أجادت كتابته المؤلفة الكبيرة منى نور الدين، وأبدع فى قياده الأوركسترا المخرج الكبير المبدع أحمد صقر، وبالطبع نجومه الذين أجادوا العزف على أوتار مشاعرنا: صفية العمرى وحسين فهمى وعبلة كامل وهشام سليم وسمية الألفى والقديرتان مديحة يسرى وليلى فوزى، اللتين أضافت مشاركتهما فى هذا المسلسل لمسة من الأصالة والرقى.
أيضاً مسلسل «أوبرا عايدة» الذى ناقش بعض قضايا الفساد الأخلاقى والرشوة فى بعض المجتمعات وأثرها على حياه الأفراد والعدالة القانونى، وهو من إخراج جمال عبد الحميد وتأليف أسامة أنور عكاشة، الذى نجح فى تجسيد الحياة فى مدينة الإسكندرية خلال فتره الإنجليز، وأبرز نجومه آثار الحكيم ويحيى الفخرانى وهالة صدقى وغيرهم من النجوم.
أيضاً مسلسل «أرابيسك» تأليف أسامة أنور عكاشه وإخراج جمال عبد الحميد، وهذا المسلسل بالتحديد من أهم الأعمال الدرامية، حيث ناقش بعمق التغيرات الاجتماعية والثقافية التى طرأت على المجتمع المصرى فى فترة التسعينيات، وذلك من خلال شخصية البطل «حسن النعماني» التى قدمها الفنان الكبير صلاح السعدنى.
أيضاً مسلسل «الوتد»، الذى جسد صورة الأم المصرية القوية المؤثرة فى حياة أبنائها فى قالب درامى اجتماعى إنسانى للأديب الكبير خيرى شلبى، وإخراج أحمد النحاس، وبطولة النجمة الكبيرة هدى سلطان.
بالطبع لم تكن دراما التسعينيات مجرد مسلسلات تُعرض على الشاشة، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من حياة المصريين، تعلّموا منها، ضحكوا معها، وتأثروا بأحداثها. ورغم مرور الزمن، تظل هذه الأعمال علامة مضيئة فى تاريخ الدراما المصرية، حيث ارتبطت بوجدان المشاهدين وستبقى خالدة فى ذاكرة الأجيال القادمة.