22-3-2025 | 13:52
موسى صبري
شهدت الساحة الدرامية خلال السنوات الأخيرة تحولات جذرية مع ازدياد الأعمال التليفزيونية المعروضة على المنصات الإلكترونية، وهو ما أحدث تغييراً ملحوظاً فى عادات المشاهدة لدى الجمهور، فلم يعد المشاهد مقيداً بالمواعيد التقليدية لبث المسلسلات الرمضانية على شاشات التليفزيون، بل بات بإمكانه متابعة المحتوى الذى يفضله فى أى وقت ومن أى مكان عبر هذه المنصات الرقمية، هذا التطور أثار جدلاً واسعاً حول مدى تأثيره على المسلسلات التى تعرض على الفضائيات خلال موسم رمضان.
فمن ناحية، يرى البعض أن انتشار المنصات الإلكترونية يشكل تهديداً مباشراً للدراما الرمضانية، إذ يمنح المشاهدين بدائل متنوعة، ما قد يقلل من نسبة متابعة المسلسلات التليفزيونية التقليدية.
ومن ناحية أخرى، ساهمت هذه المنصات فى جذب شريحة جديدة من الجمهور، خاصة الأجيال الشابة التى تفضل المشاهدة حسب الطلب بعيداً عن قيود البث التليفزيوني.
فى هذا التحقيق، تحاول «الكواكب» استكشاف أبعاد هذا التغيير وتأثيره على مستقبل الدراما الرمضانية، وتطرح تساؤلات جوهرية: هل ستظل المسلسلات الرمضانية تحافظ على مكانتها على الشاشة فى ظل المنافسة الشرسة؟ أم أن المنصات الرقمية ستعيد تشكيل المشهد الدرامى بالكامل؟
فى البداية تؤكد الفنانة القديرة سوسن بدر بثقة أن المنصات الإلكترونية لا يمكنها بأى حال من الأحوال أن تؤثر سلباً على عرض المسلسلات التليفزيونية خلال شهر رمضان، مشددة على أن هذا الاعتقاد غير صحيح تماما، وترى أن هذه المنصات ليست سوى وسيلة جديدة لعرض المحتوى، قد تجذب بعض فئات الجمهور، لكنها لا تلغى الدور التقليدى والمهم للشاشات التليفزيونية، التى تظل حاضرة بقوة فى كل بيت مصرى، خاصة فى الشهر الكريم، حيث اعتادت العائلات على التجمع ومتابعة المسلسلات الرمضانية معاً.
وتضيف سوسن بدر أن موسم رمضان يشهد عاماً بعد عام تزايداً ملحوظاً فى عدد الأعمال الدرامية المعروضة على القنوات التليفزيونية، ويرجع ذلك إلى الإقبال الكبير من المعلنين الذين يدركون مدى أهمية هذا الموسم، مما يعزز استمرارية المسلسلات التليفزيونية ويؤكد مكانتها الراسخة.
وتوضح أن دور المسلسلات الرمضانية لم يتراجع أو يتأثر سلباً بظهور المنصات الرقمية، بل على العكس ازدادت أهميتها، وأصبحت المسلسلات الرمضانية حدثاً سنوياً ينتظره المشاهدون بشغف.
أما بالنسبة لدور المنصات الإلكترونية، فتشير سوسن بدر إلى أنها بالفعل قدمت لها ولغيرها من الفنانين فرصة لعرض أعمالهم وحققت نجاحاً كبيراً بين الجمهور، ومع ذلك، ترى أن المسلسلات التى تعرض على الشاشات التقليدية تتمتع بمذاق خاص، لا سيما فى رمضان، حيث تلتف الأسرة المصرية حول التليفزيون فى أجواء دافئة ومميزة لمتابعة الأعمال الدرامية، وهو تقليد أصيل لم يتغير عبر السنوات، ولا تزال الشاشات التليفزيونية هى الخيار الأول للكثيرين فى هذا الموسم المميز.
ويؤكد الفنان خالد سرحان أن المنصات الإلكترونية أصبحت تلعب دوراً مهماً ومؤثراً فى طريقة عرض الأعمال التليفزيونية، مشيراً إلى أنها توفر مساحة جديدة لعرض المحتوى الفنى وتمنح المشاهدين حرية اختيار ما يناسبهم من الأعمال فى أى وقت.
ويرى سرحان أنه لا مانع على الإطلاق من وجود هذه المنصات، بل على العكس، فهى تسهم فى دعم الصناعة الفنية وتوسيع نطاق انتشار الأعمال الدرامية، كما أنها تُشكل إضافة إيجابية إلى المشهد الدرامى بشكل عام.
ومع ذلك، يرفض سرحان القول بأن هذه المنصات قد تؤثر بشكل كبير على المسلسلات الرمضانية، مؤكداً أن رمضان يظل موسماً استثنائياً للدراما، حيث تستقطب الشاشات التليفزيونية عشرات الأعمال المتنوعة التى تغطى مختلف الأنماط الدرامية، من المسلسلات التاريخية والاجتماعية والكوميدية.
ويشدد على أن هذه التشكيلة الواسعة من الأعمال تجعل من رمضان موسماً مميزاً لا يمكن لأى منصة أن تنتزع منه مكانته الراسخة فى وجدان المشاهدين.
ويضيف سرحان أن حتى الفئة الأكبر من جمهور المنصات الإلكترونية، وهم الشباب، لا يستطيعون مقاومة سحر الدراما الرمضانية على الشاشات التقليدية، فبرغم توفر المحتوى الرقمى، يظل لشهر رمضان طقوسه الخاصة، حيث تلتف العائلات معاً حول التليفزيون لمتابعة المسلسلات فى أجواء رمضانية مميزة، مما يمنح هذه الأعمال نكهة خاصة لا يمكن أن توفرها المشاهدة الفردية عبر المنصات.
ويقول الفنان طارق صبرى إن هناك شريحة كبيرة من الجمهور تفضل متابعة الأعمال التليفزيونية عبر المنصات الإلكترونية، مشيراً إلى أن الفئة الأكبر من هؤلاء المشاهدين هم الشباب، الذين يمثلون النسبة الأكبر فى المجتمع المصرى والعربي.
ويرى أن الإقبال المتزايد على هذه المنصات لا يعنى بأى حال من الأحوال أن الأعمال التليفزيونية التى تُعرض على الشاشات قد فقدت قيمتها أو تأثرت سلباً، بل تظل هذه القنوات تحافظ على جمهورها التقليدى الذى يفضل المشاهدة الجماعية، مثل ربات البيوت ورب الأسرة الذين يجتمعون مع أطفالهم بعد الإفطار لمتابعة الدراما التليفزيونية.
ويضيف صبرى أن هذه الفئة من المشاهدين تمثل شريحة واسعة جداً، خاصة فى المحافظات، وحتى داخل القاهرة نفسها، حيث لا يزال التليفزيون هو الوسيلة الأساسية لمتابعة الدراما الرمضانية.
ويؤكد أن انتشار المنصات الإلكترونية لا يعنى بالضرورة تراجع نسب المشاهدة على القنوات التليفزيونية، فهناك جمهور لكل وسيلة عرض، ولكل منهما تأثيره الخاص، مما يجعل المنصات الإلكترونية والتليفزيون مسارين متوازيين وليس متنافسين بالضرورة.
القاعدة الجماهيرية
يؤكد السيناريست باهر دويدار أن المنصات الإلكترونية باتت تشكل جزءاً لا يتجزأ من الصناعة الفنية، ليس فقط فى مجال الدراما التليفزيونية، وإنما فى السينما أيضاً، حيث أصبح لها تأثير متزايد مع التطور التكنولوجى السريع الذى غيَّر طرق عرض واستهلاك المحتوى الفني.
ويشير إلى أن هذه المنصات لم تعد مجرد خيار بديل، بل أصبحت تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة ومتنامية، وهو ما يجعلها لاعباً رئيسياً فى المشهد الإعلامي.
ورغم هذا الانتشار الكبير، يرى دويدار أن المنصات الإلكترونية لا تشكل تهديداً مباشراً للمسلسلات التليفزيونية، سواء فى رمضان أو خارجه، إذ إن لكل منهما جمهوره وطابعه الخاص.
ويوضح أن نوعية الدراما التى تعرض على هذه المنصات تختلف إلى حد ما عن تلك التى يتم إنتاجها خصيصاً للشاشات التليفزيونية، حيث يدرك المؤلفون والمبدعون أن جمهور المنصات الإلكترونية يتكون فى غالبيته من الشباب، ما يستدعى تقديم محتوى يتماشى مع اهتماماتهم وتفضيلاتهم.
ويضيف أن المسلسلات التليفزيونية التى تُعرَض فى رمضان على القنوات الفضائية لا تزال تحظى بجمهورها التقليدى المخلص، الذى يفضل المشاهدة الجماعية فى هذا الموسم المميز.
ويرى أن المنصات لم تحلّ محل الشاشات التليفزيونية، لكنها وفرت طريقة جديدة وأساليب مختلفة للعرض، وهو ما يصب فى صالح الدراما بشكل عام، إذ ذلك يمنحها فرصة أوسع للتنوع والتوسع، وبذلك يمكن القول إن هذه المنصات لم تؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً على المسلسلات الرمضانية، بل ساهمت فى خلق سوق أوسع للأعمال الفنية، مع تعدد الخيارات أمام المشاهد.
من جانبه، يرى المخرج أحمد خالد موسى أن المنصات الإلكترونية تعد وسيلة جديدة ومكملة لوسائل العرض التقليدية، مثل التليفزيون، ولا يشغل نفسه كثيراً بمسألة ما إذا كان العمل سيعرض على منصة رقمية أم عبر شاشة فضائية، لأن الفيصل الحقيقى فى نجاح أى عمل فنى هو جودته وليس وسيلة عرضه.
ويعترف موسى بأن المنصات الإلكترونية قد أخذت حيزاً كبيراً فى السنوات الأخيرة من مساحة العرض التليفزيونى، لكنها فى المقابل أوجدت فرصاً جديدة للمخرجين والكتاب والفنانين، ما جعلها عنصراً داعماً للصناعة وليس تهديداً لها.
ويستشهد المخرج بنجاح مسلسل «العتاولة»، الذى عرض فى رمضان على مدار جزأين وحقق نجاحاً كبيراً، مؤكداً أنه لو تم عرضه على إحدى المنصات الرقمية فسيحقق نفس النجاح.
ويشير إلى أن المعيار الأساسى الذى يحدد مدى انتشار أى عمل فنى هو جودته وأصالته، وليس مجرد الوسيلة التى يعرض من خلالها، وهو ما يجعل المنصات والتليفزيون شريكين فى تقديم المحتوى وليس متنافسين على الإقصاء.
أما الدكتورة منى الحديدى، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، فتتناول القضية من منظور أكاديمى، مشيرة إلى أن المنصات الإلكترونية ليست مجرد وسيلة جديدة للعرض، وإنما تعكس تطوراً طبيعياً فى ظل عصر الرقمنة، الذى أصبح يفرض نفسه على جميع المجالات، بما فى ذلك الإعلام والتليفزيون.
وترى الحديدى أن الدور التقليدى للتليفزيون بدأ يتراجع تدريجياً، فى مقابل تزايد تأثير المنصات الإلكترونية، التى أصبحت الصيغة الغالبة فى أسلوب العرض فى العصر الرقمي. وتتوقع أن هذا التحول قد يؤدى مع مرور الوقت إلى تقليص دور القنوات التليفزيونية فى عرض الأعمال الدرامية، سواء فى رمضان أو فى بقية العام، لصالح المنصات الرقمية التى تقدم للمشاهد مرونة أكبر فى اختيار المحتوى الذى يريد مشاهدته فى أى وقت ومن أى مكان.
وتضيف أن العالم يعيش الآن فى عصر المحتوى الرقمى، حيث أصبح الجميع يعتمدون على المنصات الإلكترونية، مما جعل هذه المنصات قادرة على جذب قاعدة جماهيرية كبيرة.
وتشير إلى أن هذا التحول أثر بشكل ملحوظ على نسب المشاهدة للأعمال التليفزيونية المعروضة على الشاشات التقليدية، وهو ما قد يؤدى إلى تراجع الإقبال عليها مستقبلاً. ومع ذلك، تؤكد الحديدى أن دور التليفزيون لم ينتهِ تماماً، بل لا يزال يحتفظ بجمهوره، خاصة خلال شهر رمضان، حيث اعتاد المشاهدون على متابعة الأعمال الدرامية كجزء من الطقوس الرمضانية.
من جهته، يرى الناقد الفنى طارق الشناوى أن الحديث عن أن المنصات الإلكترونية قد تحل محل الشاشات التليفزيونية هو مبالغة كبيرة، مؤكداً أن المنصات الرقمية لم ولن تكون بديلاً عن القنوات الفضائية، ولن تؤثر سلباً على نسب مشاهدة المسلسلات الرمضانية، مهما اختلفت أساليب العرض وتعددت الخيارات أمام الجمهور.
ويعتبر الشناوى أن المنصات الإلكترونية ليست تهديداً، بل نافذة أخرى لعرض المحتوى الفنى، مثلها مثل التليفزيون تماماً، حيث توفر للمشاهد خيارات أوسع لمتابعة الأعمال الدرامية، لكنها لم تتمكن من إلغاء دور القنوات التقليدية، التى لا تزال تحظى بجمهور واسع، خاصة فى المواسم الكبرى مثل رمضان.
ويضيف الناقد الفنى أن هناك فارقاً جوهرياً بين العرض على المنصات الرقمية والعرض التليفزيونى، حيث تتميز المنصات باختصار مدة الحلقات وتقليل عددها، فضلاً عن انخفاض نسبة الإعلانات مقارنة بالإعلانات المكثفة التى تعرض على القنوات الفضائية خلال الشهر الكريم. ومع ذلك، يرى أن هذا الفارق لم يؤثر على نجاح الأعمال التليفزيونية فى رمضان، لأن الشهر ذاته يعد موسماً رئيسياً للإعلانات، ما يعزز من قوة الشاشات التقليدية فى هذا التوقيت تحديداً.