19-4-2025 | 15:13
ناصر جابر
لم يكن الفنان نور الشريف مجرد نجم سينما ومسرح وتليفزيون على مدى أكثر من نصف قرن فحسب، بل كان نجماً متميزاً، وصف بـ«الفنان المثقف الواعى» الذى لم يتخذ من الفن والتمثيل وسيلةً لتحقيق النجومية فقط، بل كان يرى الفن بكل أشكاله الدرامية وسيلةً لتثقيف المشاهد وتوعيته بقضايا مجتمعه، فما تركه من أدوار وأعمال درامية أصبحت مدرسة تتعلم منها الأجيال الجديدة، لم يترك مجالاً فنياً إلا تميز فيه وأعطى به الكثير سواء كممثل أو مخرج أو منتج أصقلته الموهبة المتفردة والخبرات والدراسات.. أصبحت أفلامه السينمائية ومسلسلاته التليفزيونية والإذاعية وأعماله المسرحية علامات بارزة ومضيئة ليس فقط فى تاريخه ومشواره الفنى، ولكن أيضاً فى تاريخ الدراما المصرية والعربية، ويذكر أن سبعة من أفلامه صنفت ضمن أفضل 100 فيلم فى السينما المصرية، ومع ذكرى ميلاده خلال شهر أبريل تأتى هذه الرحلة...
لقد حالفنى الحظ كثيراً عندما أجريت معه العديد من الحوارات واللقاءات الصحفية، وفى كل مرة أحاوره أشعر بأننى أمام موسوعة فنية فى الأدب والفكر والثقافة والسياسة، فهو من الفنانين والنجوم القلائل الذين كنت أحرص قبل لقائه على القراء عنه والاستعداد لمحاورته، ومع ذكرى ميلاده، أحاول أن أتذكر أبرز محطات فنانا الكبير.
ولد نور الشريف فى حى السيدة زينب، أحد أحياء القاهرة القديمة، فى يوم 28 أبريل 1946، أطلق عليه والده اسم «محمد» فى الأوراق الرسمية، بينما اختار له جده لوالده اسم «نور» كاسم دلع، وكان هذا شائعاً فى الأحياء الشعبية، حيث يكون للطفل اسمان، أحدهما رسمى والآخر للدلع. توفى والده فى سنٍ صغيرٍة، فى السادسة والعشرين، وذلك بعد أقل من عام على ولادة نور، بعد وفاة الوالد، غادرت والدته منزل العائلة.
بدايات على عربات «الكارو»
بدأ نور مشواره فى التمثيل منذ سنٍ صغيرة، حيث انضم إلى فرقة تمثيلية أسسها خاله «شعيب»، كانت هذه الفرقة تقدم مسرحيات قصيرة من تأليف وإخراج خاله، وتم عرضها لأطفال الحارة على عربات الكارو، التى تحولت إلى مسرح مؤقت فى الليل بعد أن يتركها أصحابها، وكان جمهورهم يتألف من أطفال الحارة وأهاليهم، الذين كانوا يشاهدون العروض من نوافذ المنازل، من هنا بدأ شغف نور بالتمثيل يتنامى، فكان يدخر مصروفه لشراء تذاكر السينما، ويحرص على الذهاب إليها ثلاث مرات على الأقل فى الأسبوع، فانتقل بين سينما «وهبي» بالحلمية، و«إيزيس» بالسيِدة زينب. وبدأ يقلد تشارلى تشابلن فى حركاته ومشيته التقليدية، والممثِل الكوميدى عبد المنعم إبراهيم فى أحد مشاهده بفيلم «الوسادة الخالية»، وكان مثله الأعلى فى هذا الوقت الممثلين الأجانب أمثال: غارى كوبر فى أفلام رعاة البقر، وفيكتور ماتير فى الأفلام التاريخية، وأيضاً كيرك دوغلاس، وبرت لانكستر، ومع الوقت بدأ اهتمامه بالكرة يقل، ويزداد حبه للفن.
حصل على دبلوم المعهد العالى للفنون المسرحية بتقدير «امتياز»، وكان الأول على دفعته عام 1967، بدأت موهبته فى التمثيل مبكراً، أثناء دراسته فى المدرسة، حيث انضم إلى فريق التمثيل هناك، كما كان لاعباً فى فريق أشبال أحد الأندية، لكنه فضل التمثيل على استكمال مشواره الكروى.
شق طريقه نحو الفن من خلال الفنان الكبير سعد أردش، الذى رشحه لدور صغير فى مسرحية «الشوارع الخلفية»، ثم اختاره المخرج كمال عيد للمشاركة فى مسرحية «روميو وجولييت»، وخلال بروفات المسرحية، تعرف على الفنان عادل إمام، الذى قدمه بدوره للمخرج حسن الإمام، ليظهر فى فيلم «قصر الشوق»، وينال عن دوره شهادة تقدير، كانت أول جائزة فى مسيرته الفنية.
نجاحه وتألقه فى السينما لم يمنعاه من التألق على الشاشة الصغيرة، فقد قدم للتليفزيون أعمالاً خالدة منها: «مارد الجبل» عام 1977، «عمر بن عبد العزيز» عام 1994 و«لن أعيش فى جلباب أبى» عام 1995 و«هارون الرشيد» عام 1997، «عائلة الحاج متولى» عام 2001 و«العطار والسبع بنات» عام 2002 ، وغيرها.
«القاهرة والناس».. أول الأدوار وبوابة المجد
بعد تخرجه بفترة قصيرة، تلقى نور دعوة من المخرج محمد فاضل للذهاب إلى مبنى التلفزيون، حيث كان يبحث عن وجوه جديدة لمسلسله القادم، وبعد عدة لقاءات بينهما، أبلغه فاضل باختياره لأداء شخصية «عادل عوض» فى مسلسل «القاهرة والناس»، وسلمه سيناريو الحلقات الخمس الأولى.
أُعجب نور الشريف بالنص فور قراءته، إذ كان يناقش أحلام ومشكلات أسرة مصرية متوسطة فى ظل تداعيات ما بعد 1967، وشعر أنها فرصة مميزة للعمل مع نخبة من كبار الفنانين، وبالفعل، بدأ تصوير المسلسل، وتم عرض أولى حلقاته فى أكتوبر 1967.
ورغم بعض الانتقادات البناءة التى تلقاها من الجمهور وكاتب العمل مصطفى كامل حول أدائه فى البدايات، إلا أن هذه الملاحظات كانت دافعاً قوياً له، فبدأ فى التركيز بشكل أكبر، وراح يكتشف الفرق بين التمثيل المسرحى -الذى تدرب عليه - والتمثيل التليفزيونى الذى يتطلب الهدوء والبساطة والابتعاد عن المبالغة.
ومع مرور الوقت، بدأ أداؤه يلفت الأنظار، وبدأ الجمهور يتعرف عليه ويشير إليه فى الشوارع، ليخطو بذلك أولى خطواته نحو النجومية.
شهدت فترة السبعينيات تألقاً ملحوظاً له، فقد ظهر فى أفلام حفرت فى ذاكرة المشاهد العربى وكان أهمها: «أشياء لا تشترى» عام 1970 و«زوجتى والكلب» عام 1971 و«البيوت أسرار» عام 1971 و«زواج بالإكراه» عام 1972 و«الخوف» عام 1972 و«دائرة الانتقام» عام 1976 و«العاشقات»، و«الشياطين» عام 1977 و«الاعتراف الأخير» عام 1978 و«ابتسامة واحدة لا تكفى» عام 1978.
وأصبح نور الشريف نجماً معروفاً على مستوى الوطن العربى فى فترة الثمانينيات، وقدم مجموعةً من الأفلام منها «الشيطان يعظ» عام 1982 و«آخر الرجال المحترمين» عام 1984 و«زمن حاتم زهران» عام 1988 و«كتيبة الإعدام» عام 1989.
استمر نجاحه فى التسعينيات وصولاً إلى الألفية الجديدة التى برزت له فيها أفلام أهمها: «العاشقان» عام 2001 و«عمارة يعقوبيان» عام 2002، «دم الغزال» عام 2005 و«ليلة البيبى دول» عام 2008.
كان نور الشريف ناجحاً فى المسرح الذى شهد بداياته، فقد تألق فى عددٍ من المسرحيات منها: «القدس فى يوم آخر»، «يا غولة عينك حمرا»، «الأميرة والصعلوك»، «يا مسافر وحدك».
جوائز وتكريمات
حفر نور الشريف أثراً فى ذاكرة السينما المصرية، فقد اختِيرت سبعة أفلام لنور الشريف فى قائمة أفضل 100 فيلم فى ذاكرة السينما المصرية حسب استفتاء مصر لعام 1996، وحاز على شهادة تقدير عن دوره فى فيلم «قصر الشوق»، وكانت هذه أول جائزةٍ يتلقاها نور الشريف، كما فاز بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الثانية لعام 1977.
حصل فيلمه «دم الغزال» على 6 جوائز مقدمة من المهرجان القومى للسينما، وحاز على جائزة أفضل ممثل عن دوره فى فيلم «بتوقيت القاهرة» من مهرجان مالمو للسينما العربية فى السويد فى دورته الخامسة 2015. كذلك حصل على جائزة أحسن ممثل عن دوره فى فيلم «ليلة ساخنة»، كما استلم جائزة القدس للثقافة والإبداع تقديراً لإبداعاته الثقافية والعربية والشخصية المتميزة فى السينما العربية.
نور الشريف منتجاً ومخرجاً
أنتج نور الشريف ستة أفلام وأخرج فيلمين هما «العاشقان» و«الأميرة والصعلوك». ومسرحية «محاكمة الكاهن» عام 1994.
مكتشف النجوم
قام نور الشريف بتقديم العديد من الممثلين الشباب الذين اكتشف موهبتهم وقدمهم للساحة الفنية، فهو من منح الفرصة لمصطفى شعبان لأداء دور البطولة فى مسلسل «عائلة الحاج متولى» وقدم أحمد زاهر فى مسلسل «الرجل الآخر» كما قدم كلاً من الفنانين أحمد صفوت ودينا فؤاد وعمرو يوسف.
فى منتصف السبعينيات، أسس شركة إنتاج سينمائى، وحملت أول حرف من اسمه واسم زوجته بوسى، وكان أول إنتاج لها عام 1976 من خلال فيلم «دائرة الانتقام» من بطولة نور الشريف وميرفت أمين ويوسف شعبان، ثم فيلم «ضربة شمس».
قصة حب نور وبوسى.. حكاية عشق لا تموت
التقى نور الشريف زوجته بوسي لأوَل مرَة أثناء بروفات مسلسل «القاهرة والناس»، وأعجب بها فتقدم لخطبتها، إلَا أن والدها رفض بسبب أنه كان ما يزال فى البدايات، رغم هذا الرفض، تمسكت بوسى بقرارها، وهددت بالانتحار أن لم تتزوج من نور، حتى أجبرت أهلها على الموافقة تم الزواج فى عام 1972، واستمرَ زواجهما لمدة 34 عاماً، وأنجبا ابنتين سارة، ومي.
فى عام 2006م، انفصلا بسبب خلاف لم يفصحا عنه، ولكن رغم ذلك، ظلَت العلاقة بينهما ودية كأصدقاء، استمرَ الانفصال لمدة 8 سنوات، حتى عادا إلى بعضهما مرة أخرى فى عام 2015 ، بالتزامن مع خطوبة ابنتهما سارة، وإصابة نور بالمرض، خلال هذه الفترة وقفت بوسى إلى جانبه ورافقته فى رحلته العلاجية، حتى وفاته يوم الثلاثاء الموافق 11 أغسطس 2015، عن عمر 69 عاماً، تاركاً رصيداً من الأعمال الفنية تعد مدرسة فنية تتعلم فيها الأجيال القادمة.