الأحد 29 يونيو 2025

نقيب الإعلاميين د. طارق سعدة: ثورة «30 يونيو» أعادت للإعلام دوره الوطنى.. وترتيبه من جذوره

د. طارق سعدة

28-6-2025 | 13:09

شيماء محمود
لم تكن ثورة يونيو مجرد انتفاضة شعبية، بل شكلت لحظة فاصلة فى التاريخ المصرى وتاريخ الإعلام، إذ أعادت تشكيل ملامح المشهد الإعلامى بالكامل، من حيث الأداء والمضمون، لتحدث الثورة تغيراً إيجابياً ملموساً فى هذا المشهد، وتفتح آفاقًا أوسع نحو مستقبل الإعلام. فى هذا السياق، يتحدث نقيب الإعلاميين الدكتور طارق سعدة عن هذا التحول العميق، كاشفًا كيف كان وضع الإعلام المصرى قبل الثورة، وما تحقق من مكاسب خلال السنوات الماضية بعدها، فضلًا عن الدور المرتقب للإعلام فى ظل المتغيرات التكنولوجية الراهنة. كما يرسم ملامح خطة طموحة للاستمرار فى تطوير الإعلام إكمالاً للجهود الراهنة، ليبقى حصنا للهوية الثقافية، ولاعبا قادرًا على منافسة القوى الإعلامية العالمية. فى البداية.. ما أبرز المشاهد التى لا تنسى من أيام 30 يونيو.. وماذا كنت ترى فى عيون المصريين وقتها؟ الحقيقة أن المشاهد فى تلك الأيام محفورة فى الذاكرة، ما كنت أراه فى عيون الناس كان مزيجاً من الأمل والخوف واليقظة، كان هناك إدراك عميق لدى الجميع، إعلاميين ومواطنين، بأن الدولة فى خطر، وأن حماية الوطن واجب لا يقبل التأجيل. لقد عشنا لحظات فارقة، حيث كان الاصطفاف الشعبى حقيقياً وصادقاً، وشهدنا وحدة المصريين بمختلف أطيافهم خلف هدف واحد: «إنقاذ الدولة». كيف تقيم المشهد الفكرى والإعلامى قبل الثورة؟ قبيل 30 يونيو، كانت الساحة السياسية والفكرية تعيش حالة من الرفض حيث كان هناك محاولات محمومة لفرض رؤى أحادية لا تقبل الاختلاف، آنذاك، بدا المشهد العام مرتبكًا ومضطربا، حيث سادت أجواء من الفوضى والانقسام، وظهرت محاولات مكشوفة لاستقطاب فئات الشعب وتفتيت وحدته، الأمر الذى شكل تهديدًا حقيقياً لاستقرار الدولة ومؤسساتها، وكاد يعصف بالهوية الوطنية الجامعة. ما الدور الذى اضطلع به الإعلام المصرى إستعداداً لـثورة 30 يونيو؟ لعب الإعلام المصرى، بالتوازى مع المثقفين والرموز الوطنية، دورا محوريا فى استعادة وعى الدولة والدفاع عن مؤسساتها فى وقت بالغ الدقة، كانت رسالته واضحة وثابتة: حماية كيان الدولة والتصدى لمحاولات الهدم من الداخل والخارج. وفى أعقاب تلك المرحلة، أعاد الإعلام ترتيب أولوياته وأوراقه، لتنشأ كيانات قوية مثل «المتحدة للخدمات الإعلامية»، وتستعيد المؤسسات القومية رسالتها الإعلامية الحقيقية، كما ظهرت قنوات فضائية جديدة وأسهمت بفاعلية فى تشكيل وعى جمعى داعم للدولة، وبناء حالة من الاصطفاف الوطنى فى مواجهة التحديات. وماذا عن تعامل الإعلام مع أحداث ثورة 30 يونيو؟ سواء كان الإعلام رسميا أو خاصا أو مستقلًا، فقد شعر الجميع بضرورة الاصطفاف خلف هدف واحد، وهو حماية الدولة وإنقاذها من الانهيار، فى تلك اللحظة المفصلية، فلا يمكن تصنيف وسائل الإعلام إلا تحت مظلة «الإعلام الوطنى الصادق»، الذى أدرك مسئوليته التاريخية، وسعى بكل قوة للحفاظ على استقرار مصر ووحدة شعبها. ما أبرز التحديات التى واجهها الإعلاميون خلال أحداث الثورة.. وكيف تمكنوا من الصمود فى وجهها؟ واجه الإعلاميون خلال تلك الفترة تحديات قاسية، تراوحت بين المضايقات والتهديدات المباشرة، وصولًا إلى محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى ومنع العاملين من دخولها، فى محاولة واضحة لإسكات صوت الحقيقة، كان الإعلاميون الوطنيون فى مواجهة خطر حقيقى، لم يهدد فقط سلامتهم الشخصية، بل أيضًا قدرتهم على أداء دورهم فى نقل ما يحدث إلى الرأى العام. وقد تحقق الصمود بفضل إيمان هؤلاء الإعلاميين العميق برسالتهم الوطنية وحرصهم على مصلحة الوطن، مدعومين بتأييد شعبى واسع ومساندة مجتمعية نادرة، شكلت حائط صد أمام محاولات الترهيب، ورسخت قناعة عامة بأهمية الإعلام كركيزة أساسية فى حماية الدولة وتوجيه الوعى. إذا انتقلنا إلى مرحلة ما بعد الثورة... كيف انعكست أحداث 30 يونيو على المشهد الإعلامى خلال السنوات الماضية؟ شهد الإعلام المصرى بعد 30 يونيو نقلة نوعية حقيقية، فقد خرج من دائرة الفوضى والارتباك، حيث كانت تغيب الضوابط المهنية والمساءلة، إلى مشهد أكثر انضباطًا وتنظيما، بفضل حزمة من التشريعات والقرارات التى وضعت أسسًا جديدة للممارسة الإعلامية. فقد كان هناك نقابة الإعلاميين، التى وحدت صفوف الأسرة الإعلامية، وحددت بوضوح الحقوق والواجبات، إلى جانب إصدار ميثاق شرف إعلامى ومدونة سلوك مهنى لضمان المهنية والانضباط. كما تم إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؛ لتنظيم الأداء الإعلامى ومراقبة المحتوى، إلى جانب تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام؛ لإدارة الوسائل الإعلامية المملوكة للدولة، والهيئة الوطنية للصحافة للإشراف على المؤسسات الصحفية القومية. جميع هذه الكيانات ساهمت فى إعادة هيكلة المشهد الإعلامى، وإرساء بيئة مهنية مسئولة، تعكس روح ما بعد 30 يونيو. كيف انعكست هذه التطورات على أداء الإعلاميين؟ أحدثت هذه التغييرات نقلة واضحة فى الأداء الإعلامى، حيث أصبحت هناك «نقطة نظام» تحكم العمل، ومسار مهنى منضبط يستند إلى مواثيق شرف ومعايير دولية، فأصبح الإعلامى اليوم يتحرك فى إطار قانونى ومهنى يضمن له الحرية ويحمله المسئولية فى آن واحد. وفى رأيك.. ما أبرز المكاسب التى حققها قطاع الإعلام بعد ثورة 30 يونيو؟ فى تقديرى أن تنظيم المشهد الإعلامى هو أحد أهم وأكبر مكاسب الثورة، فقد شاهدنا كيانات منظمة تضبط العمل الإعلامى وترسخ المهنية، وقد تحقق ذلك فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى دلالة واضحة على إيمان القيادة السياسية بقوة الإعلام بوصفه أداة فاعلة فى تشكيل الوعى وبناء الدولة. فى ظل التحديات العالمية الحالية.. ما الدور الذى يجب أن يضطلع به الإعلام المصري؟ الإعلام المصرى أمامه مهمة كبرى، وهى مواصلة بناء وعى حقيقى لدى المواطنين، وتقديم الدعم المعنوى للدولة فى مواجهة التحديات العالمية المختلفة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الالتزام بالمهنية والحياد، وتقديم محتوى مسئول يعزز من التماسك الوطنى ولا يفتت الصف. مع الزخم الكبير فى عالم التكنولوجيا والإعلام الرقمى.. ما المطلوب للحاق بركب التطور؟ الإعلام الرقمى اليوم ليس خيارا، بل واقعا لا مفر منه، وللأسف، فوضى المحتوى الرقمى أصبحت ظاهرة عالمية، حتى الأمم المتحدة وصفتها بأنها «وحش جديد يهدد استقرار المجتمعات»، وطالبت بوضع قواعد صارمة للحد من تأثيره. وعلى المستوى المحلى.. كيف نواجه هذا التحدى عمليا؟ المفتاح هو تأهيل الكوادر الإعلامية، نحتاج إلى تدريب مستمر للصحفيين والمذيعين على أدوات الإعلام الحديث، وتمكينهم من إنتاج محتوى رقمى سريع الانتشار، دقيق فى المعلومة، وقادر على جذب الجمهور، فالمنافسة اليوم ليست محلية، بل عالمية، ومن لا يواكب التطور سيستبعد من المشهد تلقائيا، وهذا التأهيل تقوم به الجهات المعنية حالياً. ما الدور المطلوب من الجامعات وكليات الإعلام فى هذا الإطار؟ لابد من تحديث المناهج ودمج التكنولوجيا فى كل الأقسام، سواء الصحافة أو التليفزيون أو الإعلان، كما أن من المهم جدًا التعاون مع كليات الهندسة والحاسبات لإنتاج مشروعات تخرج تدمج بين التقنية والمضمون الإعلامى، لأن هذا هو شكل الإعلام فى المستقبل. ما الرسالة التى توجهها للإعلاميين فى ظل هذه التغيرات؟ رسالتى بسيطة: التزموا بالمهنية، ولا تنساقوا وراء الشائعات أو الأخبار المضللة، ولا تلهثوا خلف «التريند» على حساب الحقيقة، فنحن نعيش مرحلة دقيقة، والإعلام لابد أن يكون عامل استقرار وليس عنصر توتر. وكيف ترى مستقبل الإعلام المصرى فى ظل التحول الرقمي؟ نحن نخطو بالفعل خطوات فعالة نحو المستقبل فى هذا الإطار وسنستطيع المنافسة، وفى نقابة الإعلاميين بدأنا بالفعل خطوات على الأرض، منها إنشاء مركز لرصد الشائعات، والعمل على استراتيجية وطنية للتعامل مع السوشيال ميديا، وتدريب الشباب على التحقق من الأخبار. كيف تقيم دور المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي؟ المؤثرون باتوا يلعبون دورًا بالغ الأهمية فى تشكيل الرأى العام، بل إن الكثير من المتابعين أصبحوا يتلقون محتواهم منهم أكثر من وسائل الإعلام التقليدية، ومن هنا تبرز الحاجة إلى مد جسور التواصل معهم، ودمجهم ضمن منظومة الإعلام، بما يضمن توحيد الرسالة وتعزيز التأثير الإيجابى. ونحن نعمل على تنظيم لقاءات دورية معهم، وندرس إطلاق مسابقات ومبادرات تشجعهم على إنتاج محتوى هادف، يجمع بين الإبداع والمسئولية، ويسهم فى دعم قضايا الوطن وحماية هويته.