تشهد الدورة الجديدة من المهرجان القومى للمسرح انطلاقة مميزة وغير تقليدية بدءاً من 20 يوليو الجارى حتى 6 أغسطس المقبل، حيث تقام دورة تعيد تعريف موقع ودور هذا الحدث العريق على خارطة الفنون الأدائية، فلم تكن بداية هذه الدورة من القاهرة وحدها، بل سبق الافتتاح الرسمى حراكٌ واسع امتد إلى عمق المحافظات، فى ترجمةً حية لشعار هذه الدورة: «المسرح فى كل مصر». هذا العام، ارتقى المهرجان إلى مستوى منصة شاملة، تتجاوز مفهومى العرض والتكريم، نحو آفاق أرحب من الانفتاح الجغرافى والفنى والفكرى، فقد توزعت الورش الفنية والعروض المسرحية على محافظات الإسكندرية، أسيوط، بورسعيد، لتشهد هذه المدن تكريمات رمزية لرموز مسرحية من أبنائها، فى خطوة نوعية تعكس جدية التوجه نحو دمج الأقاليم فى النسيج المسرحى العام. أما فى القاهرة، فيستمر نبض الفعاليات بوتيرة لا تقل زخماً، من خلال ورش وندوات فكرية متخصصة، تسعى لتكريس المسرح بوصفه فضاء للتفاعل الثقافى، وساحة لتجديد الخطاب الفنى، واستعادة الدور التنويرى للفن فى مواجهة تحديات الحاضر. فى البداية أعلن المهرجان القومى للمسرح المصرى إطلاق سلسلة من الورش الفنية المتخصصة، يقدمها نخبة من أبرز الأساتذة والفنانين فى مجال المسرح، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وبتنظيم من وزارة الثقافة، وذلك ضمن فعاليات دورته الـ18 برئاسة الفنان محمد رياض، وتهدف هذه الورش إلى إثراء الحركة المسرحية، وتنمية مهارات الفنانين الشباب والمهتمين بفنون الأداء، وفتح آفاق جديدة للإبداع والتجريب تضمنت الورش المقدمة ورشة التمثيل، وقدمها الدكتور محمد عبد الهادى، الأستاذ فى مجال التمثيل، والذى يمتلك خبرة واسعة فى تدريب الممثلين وإعدادهم، وركزت الورشة على تطوير مهارات الممثل فى الأداء الجسدى والصوتى، وفهم الشخصية، والتفاعل مع الممثلين الآخرين، وورشة التعبير الحركى، التى قدمها الفنان وليد عونى، والتى تتناول كيفية استخدام الجسد للتعبير عن المشاعر والأفكار، وتطوير لغة الجسد الخاصة بالممثل، واستخدام الحركة فى بناء المشهد المسرحي. كما قدمت الدكتورة سماح السعيد ورشة فى التمثيل، التى ركزت على تنمية مهارات المشاركين فى تقمص الشخصيات والأداء الصادق، وقدم الدكتور طارق مهران ورشة فى التذوق الموسيقى تناولت دور الموسيقى فى دعم الجانب الدرامى وتأثيرها على الجمهور. بجانب هذا قدم الدكتور جهاد أبو العينين ورشة فى الإلقاء، ركزت على تحسين مخارج الحروف والتحكم فى الصوت والتأثير على الجمهور، أما الكاتب أيمن سلامة فقدم ورشة فى التأليف المسرحى تناولت أساسيات الكتابة وبناء الشخصيات والحوار وصقل رؤية الكاتب. بالإضافة إلى تقديم الدكتور عمرو الأشرف ورشة السينوغرافيا، والتي استعرض خلالها كيفية توظيف عناصر الإضاءة والديكور لخلق فضاء مسرحى يخدم الرؤية الإخراجية، كما قدم المخرج عصام السيد ورشة فى الإخراج المسرحى، ركز فيها على تطوير رؤية المخرج، وإدارة الفريق، وتوظيف عناصر العرض لتحقيق تكامل فني. خارج العاصمة كما واصل المهرجان ترسيخ رؤيته فى الوصول إلى الجماهير خارج العاصمة حيث شهدت الإسكندرية وأسيوط وبورسعيد وطنطا تنظيم عدد من الفاعليات والورش المتميزة ما يعكس الإلتزام الحقيقي بالشعار الذي تحمله هذه الدورة «فى كل مصر» ليبدأ تلك التظاهرة الفنية بمحافظة الإسكندرية حيث قدمت عدد من الورش الفنية لتضم كلاً من الدكتورة منال فودة، والدكتور أيمن عبد الرحمن والفنان خالد عبد السلام. كما تم تكريم الفنان سعيد العمروسى بمنحه درع المهرجان وشهادة تقدير، اعترافاً بمشواره الفنى الطويل ودوره فى دعم المسرح السكندري، واختتمت الفعاليات بعرض مسرحية «Newsies»، التى سبق لها الفوز بأربع جوائز فى مسابقة «سميحة أيوب»، وسط حضور جماهيرى كبير ملأ القاعة بالكامل. وفى أسيوط، شارك عدد من الفنانين والمبدعين فى الورش والندوات، من بينهم الفنان ضياء عبد الخالق، والدكتور حسام عطا الله، والمخرج أسامة عبد الرؤوف، والفنان حسام الدين عبدالعزيز، وشهد حفل الختام تكريم الكاتب الكبير درويش الأسيوطى تقديراً لإسهاماته فى المسرح والثقافة، كما كرم الفنان محمد رياض محافظ أسيوط اللواء هشام أبو النصر لجهوده فى دعم المهرجان، مؤكداً أن «المسرح بدون جمهور لا يكتمل، وأسيوط كانت خير مضيف لهذا العرس الثقافي». وقد قدمت مسرحية «حاجة تخوف» للمخرج الكبير خالد جلال كمسك ختام للفعاليات. وشهدت مدينة طنطا تقديم ورش فنية شارك فيها عدد من الأسماء البارزة، منهم المخرج إميل شوقى (ورشة الإخراج)، والفنان محمد العدل والفنانة عزة لبيب (ورش التمثيل)، والدكتور طارق عمار (ورشة الكتابة المسرحية)، والمخرج أسامة شفيق (الإخراج). كما قدمت مسرحية «مائة وثمانون قطعة» من إخراج محمد فرج، وتم تكريم مهندس الديكور سمير زيدان تقديراً لعطائه الطويل فى إثراء الحركة المسرحية بالغربية. فى بورسعيد، أُقيمت عدة ورش فنية قدمها كل من الفنان ياسر على ماهر (ورشة الإلقاء)، والمخرج محسن رزق (الإخراج المسرحي)، والدكتور أيمن الشيوى (التمثيل)، والدكتور كمال يونس (الكتابة المسرحية)، واختتمت الفعاليات بعرض مسرحى لافت بعنوان «ماكبث المصنع» من إخراج محمود الحسينى، كما تم تكريم المخرج المسرحى سمير زاهر، أحد رموز الحركة المسرحية فى بورسعيد. عروض مسرحية مشاركة كما كشفت إدارة المهرجان عن تشكيل لجنة مشاهدة واختيار عروض الفرق الحرة والمستقلة، والتى ترأسها الكاتب والناقد الكبير عبد الرازق حسين، وتضم فى عضويتها الدكتور محمد زعيمة، والفنانة وفاء الحكيم، والفنانة لبنى الشيخ، والمخرج إسلام إمام، بينما يتولى مينا إبراهيم مهمة مقرر اللجنة، وتشهد الدورة الجديدة مشاركة 35 عرضاً مسرحياً فى المسابقة الرسمية و3 عروض على الهامش، تمثل مختلف المؤسسات الفنية والثقافية والمستقلة فى مصر، وتتنوع ما بين عروض رسمية وجامعية ومستقلة وخاصة، بما يعكس ثراء المشهد المسرحى المصرى وتنوع تجاربه. يشارك البيت الفنى للمسرح بستة عروض: «كارمن» إخراج ناصر عبد المنعم، «يمين فى أول شمال» إخراج عبد الله صابر، «سجن النسا» إخراج يوسف مراد منير، «كازينو» إخراج عمرو حسان، «حكايات الشتا» إخراج محمد العشرى، «فندق العالمين» إخراج محمد طايع. الهيئة العامة لقصور الثقافة تشارك بستة عروض: «لعنة زيكار» إخراج إبراهيم السيد الفقى، «أول من رأى الشمس» إخراج أحمد زكى، «مرسل إلي» إخراج محمد فرج، «سينما 30» إخراج محمد الحداد، «شارع 19» إخراج عمرو حسان، «اليد السوداء» إخراج بيشوى عماد. تشارك زارة الشباب والرياضة بعرضين، هما: «جرارين السواقي» إخراج زياد هانى كمال، و«أنا السما وأنت الأرض» إخراج سعيد منسى. يشارك مركز الهناجر للفنون بعرض «عايش إكلينيكياً» إخراج أحمد فتحى شمس. يقدم صندوق التنمية الثقافية 3 عروض: «حواديت» إخراج خالد جلال، «ليالينا تاهت بينا» إخراج محمد، «الخطة المثالية» إخراج محمد ناصر. كما يشارك البيت الفنى للفنون الشعبية بعرض «الملك وأنا» إخراج محسن رزق. تشارك دار الأوبرا المصرية بعرضى «أوبريت الباروكة» عن سيد درويش وإخراج مهدى السيد، و«أوبرا الشهامة الريفية» تأليف بيتر ماسكانى وإخراج عبد الله سعد. كما تشارك أكاديمية الفنون بـ3 عروض: «الوحش» دراماتورج وإخراج محمد عادل النجار، «البؤساء» إخراج محمود عبد الرازق، «الأولاد الطيبون يستحقون العطف» إخراج محمد أيمن. كذلك تشارك الجامعات المصرية بعرضين: «أصحاب الأرض» إخراج محمد زكى (منتخب جامعة بنها)، و«محاكمة السيد آرثر ميلر» إخراج يوسف المنصور (منتخب جامعة بنى سويف). كما تشارك الفرق الحرة والمستقلة بـ5عروض: «ثرثرة» إخراج حسام التونى (فرقة كيميا المسرحية)، «رحلة حنظلة» إخراج مروان محمود، «الإخوة كرامازوف» إخراج عبد الرحمن محسن (فرقة برا البؤرة)، «البؤساء» إخراج محمود جراتسى فرقة الجراتسية)، «استدعاء ولى أمر» إخراج أحمد علاء على (فرقة مستقل للفنون الأدائية). فرق الهواة والنقابات الفنية والمجتمع المدنى تشارك بعرضين: «العشاء الأخير» إخراج إياد أمين (نقابة المهن التمثيلية)، «حفل تأبين» إخراج مايكل رفلة (فرقة رفلة المسرحية). كما يشارك القطاع الخاص بعرضين: «جسم وأسنان وشعر مستعار» تأليف وإخراج مازن الغرباوى، و«عريس البحر» إخراج وليد طلعت. يؤكد هذا التنوع الكبير فى قائمة العروض المشاركة قدرة المهرجان القومى للمسرح على احتضان كافة التيارات المسرحية المصرية، الرسمية والمستقلة، وهو ما يتسق مع شعار الدورة الحالية «المهرجان القومى للمسرح فى كل مصر»، الذى يعكس حرص إدارة المهرجان على الوصول إلى كل المحافظات ودعم كافة المواهب المسرحية فى ربوع الوطن. ندوات فكرية انطلقت الندوات الفكرية هذا العام تحت عنوان «تحولات الوعى الجمالى فى المسرح المصري»، لتتناول بالتأمل والتحليل التحولات الجمالية التى طرأت على المسرح المصرى فى ضوء المتغيرات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية، بمشاركة نخبة من الباحثين والنقاد والفنانين. حيث بدأت يوم 13 يوليو الجاري وتستمر حتى 29 يوليو، وتتوزع على ثلاث محاور رئيسية: أولاً: أثر السياقات السياسية والاجتماعية على الوعى الجمالى، وثانياً: تحولات النص المسرحى المعاصر، وثالثاً: تحولات العرض المسرحى (الجسد، الآلة، الصورة)، وتناقش (جماليات الجسد وفلسفة الأداء فى المسرح الراقص، وتحولات الفضاء المسرحى وأساليب الإخراج الجديدة، والإنتاج المسرحى غير الحكومى، وأشكال الخطاب النقدى الجديد، وعلاقة الإبداع المسرحى بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، ويختتم برنامج الندوات بمائدة مستديرة لمناقشة واقع الموسم المسرحى. ندوات للمكرمين ضمن برنامج الندوات يخصص المهرجان ندوات للمكرمين ومسار «وصلة»، بالإضافة إلى جلسات نقدية حول النصوص الفائزة فى الدورة السابقة، وقراءات فكرية لتجارب الراحلين. يرأس لجنة الندوات الناقد أحمد خميس، وعضوية كل من الدكتور عبد الكريم الحجراوى، إسراء محبوب، محمد علام، وتأتى هذه الندوات فى إطار حرص إدارة المهرجان على تعميق الوعى المسرحى، وفتح نوافذ جديدة للتفكير والنقاش حول التحولات الجمالية والفكرية التى يمر بها المسرح المصرى والعربى. يعد المهرجان القومى للمسرح المصرى أحد أبرز الفعاليات المسرحية الرسمية فى مصر، وقد انطلقت دورته الأولى عام 2006، بهدف دعم وتوثيق وتكريم الحركة المسرحية المصرية بكافة أطيافها ومؤسساتها، الرسمية والمستقلة والجامعية والخاصة، كما يسعى المهرجان إلى تقديم بانوراما سنوية شاملة لأبرز العروض التى قدمت خلال العام فى مختلف أرجاء مصر، وتكريم رموز الفن المسرحى الذين أثروا فى الحركة المسرحية.