23-8-2025 | 12:20
خالد فؤاد
الطريف ومالا يعرفه الكثير أنه أى النابلسي جاء إلى القاهرة لدراسة الفقه، واشتعلت شرارة الفن فيه أثناء ثورة 1919، حينما بدأ يتردد على المسارح وجن جنونه وهو يشاهد مسرحيات الأساتذة الكبار فى هذا الوقت وفي مقدمتهم نجيب الريحانى ويوسف وهبى وبدأ يشعر أن مكانه بين هؤلاء وراح يتقمص الشخصيات المسرحية وتم ضبطه وهو يقلد المشايخ فى أحد الحفلات الطلابية وكانت النتيجة طرده من التعليم عام 1921 فقامت أسرته بمعاقبته بقطع الدعم المالى عنه.
والغريب أنه لم يهتم أو يبالى وراح يبيع كتبه ليس ليتعايش منها، بل لتمويل أول دور مسرحى له وكان دور «عجوز شامية» فى فرقة هدى شعراوى النسوية.
الانطلاق فى مجال الصحافة
ومالا يعرفه الكثير أيضا عنه أنه عشق مجال الصحافة فى شبابه بل ومارس المهنة بصحيفة الأهرام العريقة لمدة أربعة أعوام كاملة تحديدا خلال الفترة من عام 1925 حتى عام 1929.
فقد كان يكتب عمودا ساخرا تحت عنوان «الكونت دى ميشيل» وهى الشخصية التى صاغها بنفسه لتمزج بين أرستقراطية أوروبا و لهجات الشام.
وأثار حالة من الجدل الكبير بمقاله الذى تم نشره فى يوم 15 نوفمبر عام 1927 وهاجم فيه الفيلم الصامت «قبلة فى الصحراء» بقسوة وعنف ، فأغضب بشدة صناع الفيلم وأبطاله .
حلم التمثيل والطرد من الفرقة
وبدأ حلمه يتحقق مع التمثيل بعد انضمامه لفرقة رمسيس ليوسف وهبى عام (1929) والمفاجأة أنه تم طرده من الفرقة بعد 40 يوما فقط بسبب سخريته العلنية من طريقة وهبى فى إلقاء الشعر.
والغريب والطريف فى الأمر أن يوسف وهبى هو الذى منحه فيما بعد لقب «الكونت» لبراعته فى أدوار الأرستقراطى.
وتواصلت مسيرته الفنية بعد هذا من نجاح لنجاح حيث نجح فى صنع أسلوب خاص به فى كل الأعمال التى شارك فى بطولتها، فكان يعطى مذاقا مختلفا بطريقته المميزة فى الأداء على الرغم من أنه لم يصل للبطولة المطلقة سوى فى أفلام معدودة للغاية.
ووصل لقمة النضوج الفنى فى نهاية الخمسينيات حيث كان قاسما مشتركا فى غالبية الأفلام التى كان يتم عرضها.
ولكن لم تأت الرياح بما تشتهى السفن ففى ذروة مجده ونجاحه عام 1960 قامت مصلحة الضرائب المصرية برفع دعوى قضائية عليه بتهمة التهرب الضريبى.
الحب والزواج فى حياة النابلسى
وبالانتقال للحب والزواج فى حياته فقد اشتهر النابلسى بأنه أشهر عازب فى الوسط الفنى العربى وكان شديد السخرية من المتزوجين حتى عاش قصة حب مأساوية بعد تجاوزه لسن الستين تحديدا فى عام 1963 . حيث وقع فى غرام فتاة صغيرة هى جورجيت ثابت كانت تصغره بأكثر من 40 عاما حيث كانت فى مطلع العشرينيات من عمرها ومن ثم رفض أهلها تزويجها منه فارتكب فعلا جنونيا حينما اختطفها من منزل أسرتها فى بيروت وتزوجها فقامت أسرتها برفع دعوى قضائية عليه لفسخ عقد الزواج، وكان الموضوع حديث الصحف والمجلات فى مصر وبيروت لكن المحكمة أيدت صحته بعد أن قدم تسجيلات تثبت موافقتها وعاش الاثنان فى فيللا صديقه فيلمون وهبى.
المشهد الأخير ومذكرات غير مكتملة
وودع النابلسى عالمنا فى 5 يوليو 1968 أثناء عودته من تصوير فيلم «رحلة السعادة» فى تونس مع صباح، وذلك فى السيارة الأجرة التى كان يستقلها وهو يحضن نسخة من كتاب «أرض السلام» وظن السائق أنه نائم حتى وصل به للمنزل فاكتشف وفاته.
وكانت آخر جملة قالها أمام الكاميرات فى فيلم «الحب الكبير» عام 1968: أنا كونت بلا إقطاع.. أضحك لأن البكاء أثقل من ضريبة.
رحل وقد ترك وراءه 200 فيلم سينمائى ومعها درس قاسٍ، فهو الفنان الذى حول عزلته وأمراضه إلى وقود لإضحاك الملايين.
وذلك كما كتب بقلمه فى مذكراته غير المكتملة، حيث رحل وودع عالمنا قبل أن ينتهى من كتابتها.