11-10-2025 | 13:21
هبة رجاء
فى الوقت الذى تطلق فيه الدولة المصرية مبادراتها ومشروعاتها التنموية لبناء الإنسان وتحسين جودة الحياة، لا تزال قنبلة الزيادة السكانية تهدد كل إنجاز وتلتهم ثمار التنمية قبل أن تنضج، وبينما تتسارع الأرقام ويتضاعف عدد السكان بوتيرة مقلقة، يبرز دور الإعلام كخط الدفاع الأول فى معركة الوعى.
فالإعلام ليس مجرد ناقل للأخبار أو منصة للترفيه، بل هو أداة تشكيل للعقول وصناعة للاتجاهات، فهو القادر على تحويل المفاهيم الاجتماعية المتوارثة إلى رؤى جديدة أكثر وعياً ومسؤولية.
من هنا، تتقاطع رؤى رموز الإعلام وأساتذة الجامعات حول سؤال محورى: كيف يمكن للإعلام أن يعيد صياغة الوعى الجمعى تجاه مفهوم الأسرة الصغيرة، وتغيير ثقافة «العزوة» و«الولد السند» المتجذرة فى بعض المناطق؟
أن قضية الزيادة السكانية لم تعد قضية اجتماعية فحسب، بل قضية أمن قومى تتطلب تضافر كل الجهود لتصحيح المفاهيم وصنع وعى جديد يؤمن بأن جودة الحياة تبدأ من الأسرة الواعية الصغيرة.
فى البداية تؤكد الدكتورة ماجى الحلواني، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، أن للإعلام دوراً حيوياً ومحورياً فى توجيه الرأى العام وتوعية الشباب بأهمية الأسرة الصغيرة كمدخل أساسى لتحسين جودة الحياة.
وترى أن تحقيق هذا الدور يتطلب تعاوناً وثيقاً بين وسائل الإعلام وكافة الجهات المعنية عبر عقد ندوات تثقيفية فى الجامعات والأماكن العامة، إلى جانب برامج توعوية فى التليفزيون والدراما والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تعزيز الوعى بخطورة الزيادة السكانية التى تلتهم كل جهد تنموى وتستنزف موارد الدولة.
ورغم الجهود التى تبذلها الدولة للحد من المشكلة، تشير الحلوانى إلى أن الحاجة ما زالت ماسة لتكثيف الوعى خاصة فى المحافظات البعيدة عن العاصمة، حيث لا تزال فكرة «العزوة» وإنجاب الذكور متجذرة فى بعض الثقافات الشعبية.
وتؤكد على أهمية تفعيل دور القنوات الإقليمية التليفزيونية والإذاعية فى تلك المناطق، لمناقشة القضية ووضع حلول واقعية لها، مع توضيح أثر الحمل المتكرر على صحة الأم والأبناء، وانعكاس ذلك على استقرار الأسرة والمجتمع.
رؤية شاملة للسكان
من جانبها، تشدد الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، على ضرورة تناول القضية السكانية برؤية شاملة، فالمشكلة - كما توضح - لا تقتصر على تزايد الأعداد، بل تمتد لتشمل الخصائص السكانية والتوزيع الجغرافي، وهى عناصر ترتبط مباشرة بأهداف التنمية المستدامة.
وترى أن وسائل الإعلام يمكن أن تكمل الدور الذي تقوم به حالياً فى إطار التوعية بالقضية السكانية من خلال وضع خطة إعلامية متكاملة تستفيد من الوسائط الرقمية الحديثة التى تستهوى الأجيال الجديدة، مؤكدة أن الأساليب التقليدية لم تعد مؤثرة فى عالم يتفاعل فيه الجمهور عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى.
وتقترح أن توجه الرسائل الإعلامية بلغة قريبة من الفئات البسيطة، وأن يستعان بالمؤثرين على المنصات الرقمية لنقل الوعى بأسلوب معاصر.
وتختتم مؤكدة أن الزيادة السكانية ليست مجرد رقم على الورق، بل ظاهرة تؤثر على التعليم والصحة والخدمات الأساسية، مشددة على ضرورة استغلال النمو السكاني فى عملية التنمية بجانب استمرار التوعية بتنظيم الأسرة.
توعية بذكاء
توضح الإعلامية الدكتورة إيمان نبيل القصبي، أن المشهد الإعلامى الحالى يشهد تزاحماً وتنافساً شديداً بين القنوات والمنصات، مما يغير طريقة تلقى الجمهور للمحتوى الإعلامي، ويفرض الحاجة إلى أساليب جديدة أكثر جاذبية وتأثيراً فى الرسائل التوعوية.
وترى القصبى أن الرسائل المباشرة التقليدية التى كانت شائعة فى الماضى وهي لم تعد مؤثرة فى الجيل الحالي، الذى يبحث عن محتوى ذكى وغير تقليدى، ومن هنا، تؤكد أهمية تنويع الأشكال الإعلامية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت المنبر الأول لفئة الشباب، مطالبة هذه المنصات بتحمل مسئوليتها المجتمعية فى دعم الوعى الإيجابى ونشر القيم البناءة.
كما تشير إلى أن الدراما تمتلك قدرة كبيرة على تغيير المفاهيم الاجتماعية، حين توظف بذكاء لخدمة قضايا المجتمع، إذ يمكن أن تتضمن السيناريوهات والحوار رسائل غير مباشرة تحفز على تبنى فكرة الأسرة الصغيرة الواعية، وتُبرز نتائجها الإيجابية على المجتمع.
وتقترح أن تقدم البرامج التليفزيونية نماذج واقعية لأسر صغيرة ناجحة استطاعت أن تربى أبناء متفوقين علمياً ومهنياً، بحيث تقدم الرسالة ضمنياً لا تلقينياً، موضحة أن الإقناع غير المباشر أكثر تأثيراً فى الجيل المعاصر، الذى يرفض الأسلوب الوعظى المباشر، لكنه يتفاعل بقوة مع القدوة والنموذج حين تُقدم فى إطار درامى أو واقعى جذاب.
مسئولية اجتماعية
تقول الإعلامية عبير عبدالوهاب بالتليفزيون المصرى إن الإعلام، وخاصة التليفزيون المصري، لعب منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى دوراً محورياً فى حملات تنظيم الأسرة، التى سعت إلى رفع الوعى العام بأهمية هذه القضية وبيان فوائدها للأسرة والمجتمع.
وقد حققت تلك الحملات بعض أهدافها المنشودة، فإنها كانت حاضرة بقوة على الشاشة، مما ساعد على وصول الرسائل التوعوية إلى شرائح واسعة من الجمهور.
وتوضح عبدالوهاب أن البرامج التليفزيونية الحالية، لا سيما المهتمة بقضايا الأسرة، تواصل هذا الدور من خلال تسليط الضوء على مفهوم تنظيم الأسرة، ليس فقط كقضية عددية تتعلق بعدد الأبناء، بل كمسئولية اجتماعية تتطلب قدرة الأسرة على تربية أبنائها وتوفير الرعاية الكاملة لهم.
وتشير إلى أن هذه البرامج تناقش أيضاً الآثار السلبية للإنجاب المتكرر على صحة الأم والطفل، وتبرز دور المؤسسات الوطنية مثل المجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، ووزارة الصحة فى نشر الوعى وتوفير التثقيف اللازم.
كما تولى البرامج اهتماماً بتصحيح المفاهيم الدينية والمجتمعية الخاطئة، مثل التفضيل التقليدى لإنجاب الذكور، والتأكيد على أن البنات قادرات على التميز والنجاح فى شتى المجالات.
وتضيف عبدالوهاب أن البرامج تستخدم كذلك الدراما والمواد الفيلمية لتوضيح الانعكاسات السلبية للزيادة السكانية على الصحة العامة والاقتصاد وسوق العمل، مؤكدة أن هذه الزيادة تمثل عائقاً حقيقياً أمام جهود الدولة فى تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.
أمن قومى
تؤكد الإعلامية د. أمانى شوقى باشا بالإذاعة المصرية، أن القضية السكانية تمثل أحد أكبر التحديات أمام مسيرة التنمية فى مصر، مشيرة إلى أن الإعلام المصرى يلعب دوراً حيوياً ومحورياً فى تناول هذه القضية من خلال نشر الوعى وتصحيح المفاهيم المغلوطة، إلى جانب إبراز الآثار السلبية للزيادة السكانية غير المنضبطة على مختلف جوانب الحياة.
وتوضح د. أمانى أن دور الإعلام لا يقتصر على التحذير من الأرقام، بل يمتد إلى ربط المشكلة بالخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان، وبيان كيف أن تضخم عدد السكان يلتهم ثمار التنمية الاقتصادية ويقلل نصيب الفرد من الموارد والخدمات.
وتصف القضية السكانية بأنها قضية أمن قومى تتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
كما تستعرض د. أمانى أهمية وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الرقمية فى الوصول إلى مختلف الفئات، عبر محتوى إعلامى بسيط وممتع ومناسب لجميع أفراد الأسرة.
وتشدد على أن الرسالة الإعلامية يجب أن تركز على تحسين جودة حياة الطفل والأسرة، لا الاكتفاء بالدعوة إلى تقليل عدد المواليد، مع ضرورة تصميم المحتوى بما يتناسب مع طبيعة سكان الريف والصعيد، واحترام العادات والتقاليد المحلية.
واختتمت مؤكدة أن الأنشطة الميدانية المباشرة مثل الندوات وحملات طرق الأبواب تمثل امتداداً ضرورياً للإعلام المرئى والمسموع، لتحقيق تأثير أعمق وأكثر استدامة فى مواجهة هذه القضية المصيرية.