السبت 18 اكتوبر 2025

الفن الصادق.. سلاح المجتمع ضد الشائعات

الفن الصادق.. سلاح المجتمع ضد الشائعات

18-10-2025 | 14:10

همسة هلال
من السينما إلى الدراما والمسرح والأغنية، تناولت عشرات الأعمال خطر الشائعات، أبرزها فيلم «إشاعة حب» الذى كشف كيف تهز كلمة واحدة حياة الناس، و«الزوجة الثانية» الذى أظهر كيف تخلق الأكاذيب قوي زائفة، و«البيضة والحجر» الذى واجه خرافات «الدجل» والتنجيم. كما غنت سميرة سعيد «كل دى إشاعات»، وردد جورج وسوف «كلام الناس»، وفى الدراما الحديثة، عرض «سابع جار» أثر الشائعات بين الجيران، بينما كشف «جراند أوتيل» كيف تدمر الشائعة سمعة الأبرياء وتبدل المصائر. «الكواكب» حاورت مجموعة من نجوم الفن والمبدعين من مؤلفين ومخرجين وكذلك النقاد والشعراء، لنعرف منهم كيف يرى كل منهم دور الفن فى التصدى لظاهرة الشائعات التي أصبحت تهدد استقرار المجتمعات قبل أن تمس الأفراد. فى البداية يرى الناقد الفنى طارق مرسى أن هناك تقصيراً واضحاً فى الإنتاجات الفنية التى تتناول قضية الشائعات، رغم كونها إحدى أخطر القضايا التى تمس المجتمع مباشرة. وأشار إلى أن فيلم «إشاعة حب» الذى أُنتج فى ستينيات القرن الماضى لا يزال حتى اليوم النموذج الأشهر والأعمق فى تناول هذه الظاهرة، على الرغم من معالجته الكوميدية. وأوضح مرسى أن بعض الأعمال الدرامية الحديثة حاولت ملامسة آثار الشائعات على الأفراد والمجتمع، مثل مسلسلات «جراند أوتيل» و«المداح» و«أعلى نسبة مشاهدة»، معتبراً الأخير من أبرزها، لأنه رصد كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى مصدراً لما يقرب من 90 % من الشائعات، بما تروجه من معلومات مضللة تؤثر سلباً على الضحايا. وشدد الناقد الفنى على أهمية تنوع المعالجات الفنية لهذه الظاهرة، مشيراً إلى أن بعض الجمهور يتعامل مع هذه الأعمال باعتبارها تسلية أو نوعاً من «النميمة»، بينما يستقبلها آخرون بوعى وجدية ليتجنبوا الوقوع فى فخ الأكاذيب. الصدق سلاحنا يرى الفنان نور محمود أن فيلم «إشاعة حب» لا يزال النموذج الأوضح والأشهر للأعمال الفنية التى تناولت قضية الشائعات، قائلاً: هو أول فيلم نتذكره عندما نتكلم عن أثار الشائعات السلبية. وأوضح أنه لا يولى اهتماماً كبيراً لما يقال عن الآخرين، موضحاً: أنا لا أهتم بالشائعات، وفي العادة لا أروج أي بوست علي وسائل التواصل الاجتماعي أو حتي من خلال التواصل العادي دون التأكد من مصدقيته، وأكد نور أن مسلسل «هجمة مرتدة» تناول ضمن أحداثه خطورة هذه الظاهرة، خصوصاً تلك التى تستهدف الدولة أو الشخصيات العامة، وتم معالجتها بأسلوب واقعي وعميق فى الوقت ذاته. وأضاف محمود أن وعى الجمهور تطور بصورة لافتة فى السنوات الأخيرة، قائلاً: «أصبح الناس أكثر ذكاءً، فعندما يشاهدون خبراً غريباً يشكون فيه أولاً ثم يتحققون منه بسهولة، خصوصاً مع قدرة الفنان على الظهور عبر مقطع فيديو لتوضيح الحقيقة بنفسه. وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى رغم كونها بيئة خصبة لانتشار الشائعات، فإنها أصبحت أيضاً وسيلة فعالة وسريعة لنفيها، قائلاً: صحيح أن السوشيال ميديا تُسرع انتشار الشائعة، لكنها فى الوقت نفسه تجعل النفى أسرع، لأننى أستطيع أن أظهر فوراً وأوضح الحقيقة بنفسى. وعن مسئولية الفنان تجاه هذه الظاهرة، قال: مسئولية الفنان الأولى هى الصدق، مع نفسه ومع الناس، فإذا علمت أن أحد زملائى تعرض لشائعة وأنا متأكد من زيفها، فمن واجبى الأخلاقى أن أقول الحقيقة. واختتم نور محمود حديثه قائلاً: الحمد لله، لم أتعرض شخصياً لأى شائعات مؤذية حتى الآن، لكننى أؤمن بأن الصدق والوعى هما السلاح الحقيقى فى مواجهة أى شائعة. شائعات مضحكة أما الفنان محمد على رزق، فيري أن الأعمال الفنية حاليا قد بدأت تهتم بعرض مشكلة الشائعات وما تسببه من أضرار في حياة المواطن العادي وكذلك الشخصيات العامة، ويذكر أن من أبرز هذه الأعمال مسلسل «جراند أوتيل» و«سابع جار» حيث تعرض كليهما إلي ما يمكن أن تفعله الشائعات من تدمير لحياة الأسرة وتهديد للزواج واستقرار الأبناء. ويرى الفنان محمد على رزق أن الشائعات أصبحت جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية، سواء فى الواقع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعى، مشيراً إلى أن تأثيرها يختلف باختلاف نوعها ومدى انتشارها. وقال رزق: شاركت فى عمل تناول واقعة انتشرت على السوشيال ميديا، وكان دورى لشخص هو نفسه من صور الحدث وروج له، وبدأ ينسج حوله إشاعات كثيرة حتى يكبر الموضوع، لافتاً إلى أن خطورة الشائعة الحقيقية تظهر حين تتحول إلى قضية رأى عام، بينما تبقى الشائعات العابرة التى تلاحق الفنانين أقل ضرراً. وأضاف مبتسماً: منذ عشر سنوات انتشرت شائعة بأننى تعرضت لحادث وتوفيت، وكان الناس يقابلوننى فى الشارع مندهشين لأننى ما زلت حيا، فى الحقيقة مثل هذه الأمور تثير ضحكى ولا تؤثر فى إطلاقاً. تهديد المجتمع أكد السيناريست حسام موسى أن الشائعات باتت من أخطر الظواهر التى تهدد المجتمعات فى العصر الحديث، موضحاً أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعى جعل العالم يعيش ما يمكن وصفه بـ«عصر الأخبار الكاذبة»، حيث تداخلت الحقيقة بالوهم، وأصبحت المعلومة تحتاج إلى تدقيق مستمر قبل تصديقها أو تداولها. وقال موسى: لقد أصبحنا حقاً فى متاهة، إذ بات أى شخص يمتلك منبراً على مواقع التواصل الاجتماعى قادراً على قول ما يشاء، حتى لو كان ينشر أخباراً ملفقة تمس حياة الناس وسمعتهم، وأوضح أن الأمور فى الماضى كانت أبسط وأقل انتشاراً نظراً لغياب هذه المنصات التى منحت الجميع صوتاً ونفوذاً رقمياً واسعاً. وتحدث عن تناول السينما والدراما لقضية الشائعات، مستشهداً بفيلم «إشاعة حب» المقتبس عن المسرحية العالمية «حديث المدينة»، مؤكداً أنه من أبرز النماذج التى تناولت تأثير الشائعة فى مصير الإنسان وصورته أمام المجتمع. وعن أعماله الفنية، أوضح موسى أنه لم يقدم بعد عملاً متكاملاً يدور حول فكرة الشائعات، لكنها ظهرت كخط درامى مؤثر فى عدد من أفلامه مثل «كيكا على العالي» للمخرج نادر جلال، و«المشتبه»، وغيرهما من الأعمال التى عالجت أثر الشائعة بصورة جزئية على الأفراد والمجتمع. وأضاف قائلاً: الشائعات تتقاطع مع كل جوانب الحياة - الإنسانية والاجتماعية والسياسية - فقد تدمر إنساناً نفسياً أو تزعزع استقرار أسرته، وإذا كانت عامة قد تثير الذعر وتخل بتوازن المجتمع، أما إن كانت سياسية فبوسعها أن تغير الموازين بأكملها. واختتم موسى حديثه مؤكداً على أهمية الدراما فى رفع الوعى المجتمعى، قائلاً: للدراما دور جوهرى فى تكوين وعى سليم تجاه الشائعات، وأتمنى أن أقدم يوماً عملاً فنياً كاملاً يتناول هذه الظاهرة، خصوصاً فى زمن السوشيال ميديا التى باتت تسيطر على كل شىء. الوعى بالفن ويرى المخرج وائل إحسان أن نجاح أى عملٍ فنى يتناول قضية اجتماعية - وفى مقدمتها الشائعات - لا يتحقق إلا من خلال بناء درامى محكم ومعالجة ذكية قادرة على ملامسة وجدان الجمهور، مؤكداً أن الفن الحقيقى لا ينفصل عن الواقع، بل يتجاوزه عبر رؤية إنسانية مؤثرة. وقال إحسان: لا يمكن لأى موضوع أن يقدم بشكل ناجح إلا ببناءٍ درامى قوي؛ فالفن يستمد مادته من الواقع، لكن قيمته الحقيقية تظهر فى أسلوب المعالجة الذى يجعل الجمهور يتفاعل ويتأثر بصدق. وأوضح أن التصدى لأى قضية - سواء كانت شائعة أو غيرها - يحتاج إلى فنان يمتلك حساً إنسانياً عميقاً وقدرة على الوصول إلى مشاعر الناس، قائلاً: كل ما يمس الناس يمكن أن يقدم فى عمل فنى، سواء كان فيلماً أو لوحة أو قصيدة، المهم أن يصل العمل إلى وجدان الجمهور بصدق وتأثير. وأكد أن الشائعة موجودة منذ القدم، لكنها تتبدل من زمن إلى آخر، وهذا يجعل تناولها فنياً مهمة دقيقة تحتاج إلى وعى كبير، لأن أشكالها وأساليبها تتطور بتطور المجتمع نفسه. وأشار إحسان إلى أن تغير الزمن يفرض تغيراً فى المعالجة الفنية، موضحاً أن إعادة إنتاج فيلم مثل «إشاعة حب» فى الوقت الحالى لن يحقق الأثر نفسه الذى تركه فى الستينيات، لكن الفنان المبدع هو من يعرف كيف يقدمه بما يناسب عصره. واختتم إحسان حديثه، قائلاً: الفن الحقيقى دوره أن يواجه الشائعات بالوعى والإبداع، لا بالصدام المباشر.