الأحد 26 اكتوبر 2025

ملك الجمل.. أيقونة أسرت القلوب رغم قسوة أدوارها

ملك الجمل

25-10-2025 | 14:31

ولاء الكومي
نستعيد اليوم ذكرى الفنانة الكبيرة ملك الجمل، تلك السيدة التى أضاءت بموهبتها سماء الفن المصرى، فكانت حضوراً مهيباً لا ينسى. قدمت أدواراً خالدة فى السينما والمسرح والتليفزيون، تركت من خلالها أثراً عميقاً فى وجدان الجمهور، من «الحرام» و«الزوجة الثانية» إلى «القاهرة 30» وغيرها من الأعمال التى رسخت اسمها فى ذاكرة الفن. كانت ملك الجمل مثالاً للفنانة المثقفة الجادة، تؤمن برسالتها وتمنح شخصياتها عمقاً إنسانياً نادراً. رحلت عن دنيانا، لكنها باقية فى قلوب محبيها وفى تاريخ الإبداع المصرى الأصيل. تعد الفنانة ملك الجمل من أبرز وأشهر الفنانات اللاتى تألقن فى تجسيد الشخصيات النسائية المتنوعة، ما بين الاجتماعية والكوميدية والتاريخية والدينية، غير أنها أبدعت على نحو خاص فى أداء أدوار الشر بمختلف مستوياتها، الظاهرة منها والخفية. وقد تنقلت ملك الجمل بين خشبة المسرح وشاشة السينما وأثير الإذاعة، لتؤكد حضورها الفنى فى كل مجال دخلته، وساعدتها ملامح وجهها القوية وتعبيراتها الحادة على إتقان أدوار الشر، حتى أصبحت من أشهر من جسد هذا اللون فى تاريخ الفن المصرى، بما امتلكته من تمكن فى الأداء وصدق فى التعبير، الأمر الذى جعل المخرجين يخصونها بتلك الأدوار لما رأوه فيها من قدرة وتميز وإقناع. ولدت الفنانة ملك الجمل فى التاسع والعشرين من يناير عام 1929 بمدينة بورسعيد، التحقت بكلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية، غير أن شغفها العميق بالفن وإيمانها الصادق بموهبتها دفعاها إلى الالتحاق بالمعهد العالى لفن التمثيل، حيث درست أصول الأداء والتمثيل، لتبدأ بعد ذلك مسيرتها الفنية المضيئة. بدأت مشوارها الفنى فى الإذاعة المصرية أواخر الأربعينيات، ثم انضمت إلى عدد من الفرق المسرحية، من أبرزها فرقة يوسف وهبى التى قدمت معها العديد من المسرحيات الناجحة، كما سافرت برفقتها إلى باريس، حيث شاركت فى عروض مسرحية لاقت نجاحاً كبيراً، مما جعل اسمها يلمع فى عالم المسرح، وفى عام 1954، انضمت إلى الفرقة المسرحية الحديثة لتواصل مسيرتها الغنية بالعطاء والتنوع. حضور دون بطولة رسخت ملك الجمل فنها المتفرد فى وجدان الجمهور وصناع السينما، بفضل أسلوب أدائها المختلف فى أدوارها المميزة، فقد أتقنت تجسيد كل شخصية بتفاصيلها الدقيقة، من الأزياء والمكياج وتسريحة الشعر، إلى ضبط الإيماءات والانفعالات بما يتناسب مع طبيعة الدور. ورغم أنها لم تحظَ بالبطولة المطلقة، فإنها نجحت فى ترك بصمة فنية مؤثرة فى الإذاعة والتليفزيون والمسرح والسينما، لتصبح من أبرز الممثلات الداعمات لمسيرة الفن المصرى فى منتصف القرن العشرين. عائلة مرزوق.. و«خالتى بمبة» تألقت الفنانة ملك الجمل فى عالم الإذاعة تألقاً لافتاً، وكان لها الفضل الأكبر فى نجاح واستمرار المسلسل الإذاعى الشهير «عائلة مرزوق أفندى»، كما واصلت تجسيد شخصية «خالتى بمبة» لما يقرب من 17 عاماً، محافظةً على حضورها القوى ونجاحها المتجدد الذى رسخ مكانة الدراما الإذاعية فى وجدان المستمعين المصريين. ابتكرت ملك الجمل من خلال هذه الشخصية نموذجاً فنياً فريداً فى الأداء والتناول، إذ قدمت المرأة الثرثارة التى تتدخل فى ما لا يعنيها بأسلوب ساخر واقعى يعكس بعض تفاصيل المجتمع المصرى وعاداته فى تلك الحقبة، ومع مرور الوقت، تحولت «خالتى بمبة» إلى رمز اجتماعى ولغوى، فصار اسمها يطلق على كل امرأة فضولية كثيرة الكلام، لتغدو الشخصية التى ابتكرتها ملك الجمل جزءاً من التراث. وقد تركت ملك الجمل بصمة إذاعية خالدة من خلال أعمالها المتنوعة، فقدمت عدداً كبيراً من المسلسلات والتمثيليات الناجحة، منها: «وكان زواجاً سعيداً»، «نشال الغرام»، «ليلة الفرح»، «لعبة حب»، «عشرة كوتشينة»، «شهر الانتقام»، «زهرة الياسمين»، «رجل ذو أهمية»، «راحت مع التيار»، «خروف العيد»، «حكيم الزمان»، «أيامنا الحلوة»، «اللهم إنى صائم»، «القصاص»، «الدكتور والعروسة»، «الأستاذ نجف»، «أبو خنجر»، «آباء وتلامذة»، «عودة ريا وسكينة»، «الأعماق البشرية»، «عائلة مرزوق أفندي»، «شخصيات تبحث عن مؤلف». بين الحب والمحن.. زيجات ملك الجمل تزوجت الفنانة ملك الجمل 3 مرات، كان أخرها من مهندس زراعي، غير أن هذه الزيجة انتهت بقصة غريبة شغلت الوسط الفنى آنذاك، بعدما وصلت الخلافات بينهما إلى أروقة المحاكم. من «طيش الشباب» إلى نجومية أدوار الشر بدأت الفنانة ملك الجمل مسيرتها السينمائية عام 1951 بفيلم «طيش الشباب» مع سميحة مراد ومحمود المليجى، ثم توالت أعمالها فى أفلام مثل «خد الجميل» و«كأس العذاب» و«زمن العجائب»، حيث برز أداؤها القوى وقدرتها على تجسيد الشخصيات المعقدة. وفى عام 1952 شاركت فى الفيلم الخالد «ريا وسكينة» بدور أم بسيمة، لتثبت موهبتها فى تقديم الأدوار الدرامية المؤثرة، تتابعت بعد ذلك أعمالها المميزة فى أفلام «عبيد المال»، «كدبة أبريل»، «الله معنا»، و«رصيف نمرة 5»، الذى قدمت فيه شخصية أسماء أم عليوة ببراعة لافتة. وفى أواخر الخمسينات، تألقت فى أفلام «ليلة رهيبة» و«إسماعيل ياسين فى الأسطول»، مؤكدة مكانتها كواحدة من أبرز نجمات أدوار الشر فى تاريخ السينما المصرية. «حكمت».. دور خالد فى ذاكرة الرعب السينمائى قدمت الفنانة ملك الجمل عام 1962 واحداً من أهم أدوارها السينمائية وأكثرها رعباً وإثارة فى فيلم «الشموع السوداء»، حيث جسدت شخصية «حكمت»، مديرة المنزل الصارمة التى حملت فى طياتها مزيجاً من الغموض والقسوة، يعد هذا الدور علامة فارقة فى مسيرتها الفنية لما تميز به من عمق نفسى وأداء درامى مدهش. شارك فى بطولة الفيلم نخبة من النجوم، أبرزهم صالح سليم، ونجاة الصغيرة، وأمينة رزق، وفؤاد المهندس، وصلاح سرحان، وكتب له السيناريو والحوار وأخرجه عز الدين ذو الفقار بمشاركة ضياء الدين بيبرس. من الحماة الماكرة إلى العمة الشريرة واصلت الفنانة ملك الجمل تألقها خلال ستينيات القرن الماضى، مجسدةً شخصيات متنوعة بين الكوميديا والدراما الاجتماعية، ففى عام 1963 شاركت فى فيلم «أم العروسة» بدور «والدة جلال»، الحماة خبيثة النوايا التى تسعى بطريقة طريفة إلى إفساد زواج ابنها. وفى عام 1965ظهرت فى فيلم «المستحيل»، ثم شاركت عام 1966فى فيلم «فارس بنى حمدان» مجسدةً شخصية «سلمى» خادمة «نجلاء»، كما قدمت فى العام نفسه أدواراً لافتة فى أفلام «شىء فى حياتى» بدور «زينات»، و«تفاحة آدم» بدور «أم عبده»، و«الحياة حلوة». وفى عام 1968 أدت دور «المدرسة» فى فيلم «حواء على الطريق»، كما شاركت فى فيلم «ثلاث قصص» مجسدةً فى القصة الأولى «دنيا لله» شخصية «زوجة إبراهيم الساعي»، وفى الفيلم ذاته «ثلاث نساء» قدمت فى القصة الثانية شخصية «نبيهة»، المرأة الشريرة التى تساعد «توحيدة» - هدى سلطان - على القيام بأعمال السحر والشعوذة باستخدام «خصلة شعر» من الموظف «يوسف» - شكرى سرحان - لتجعله يقع فى حبها. واختتمت ملك الجمل عقد الستينيات بدور قوى عام 1969 فى فيلم «نادية» أمام سعاد حسنى، حيث أدت شخصية «زكية» العمة القاسية التى تسعى للاستيلاء على أموال بنات أخيها المتوفى دون رحمة. بين التاريخ والشر.. والدراما الإنسانية تابعت الفنانة ملك الجمل مسيرتها السينمائية فى سبعينات القرن العشرين، فظهرت عام 1970فى فيلم «ورد وشوك»، ثم قدمت عام 1972فيلم «حكاية بنت اسمها مرمر»، وتبعه فيلم «المطلقات» عام 1975. وفى عام 1976شاركت فى واحد من أهم الأفلام الدينية والتاريخية فى تاريخ السينما العربية وهو فيلم «الرسالة»، حيث أدت دور «عروة». ثم قدمت عام 1977 فيلم «شيلنى وأشيلك» مجسدةً شخصية «فهيمة المناديلى»، كما شاركت فى فيلم «بص شوف سكر بتعمل إيه». وفى عام 1978 تألقت فى عدة أعمال، منها «مسافر بلا طريق» و«رحلة داخل امرأة»، إلى جانب مشاركتها المميزة فى الفيلم التاريخى الشهير «شفيقة ومتولى»، حيث أدت دور «هنادي» القاسية عديمة الرحمة أمام سعاد حسنى وأحمد زكى ونخبة من النجوم، كما جسدت فى العام نفسه شخصية «والدة عايدة» فى فيلم «انتبهوا أيها السادة»، و«والدة زينب» فى فيلم «ولا يزال التحقيق مستمر»، وهى امرأة تدفع ابنتها إلى الخيانة طمعاً فى المال. وفى عام 1979 شاركت فى فيلم «المغنواتي»، قبل أن تختتم مسيرتها السينمائية بفيلمها الأخير «الأقوياء» عام 1982، مجسدةً شخصية «أم الخير» أمام رشدى أباظة ومديحة يسرى ومحمود ياسين وعزت العلايلى ونجلاء فتحى، لتغادر بعدها شاشة السينما تاركةً بصمة فنية خالدة. بدأت الدراما التليفزيونية بدور «الضحية» لم يقتصر تألق ملك الجمل على شاشة السينما، بل امتد ليشمل الدراما التليفزيونية، فقد شاركت فى عدد كبير من المسلسلات الناجحة التى عكست قدرتها على تجسيد المرأة القوية، والشريرة، والأم، والمعلمة، والخاطبة، على حد سواء. بدأت مشاركاتها التليفزيونية عام 1964 فى مسلسل «الضحية» بدور «نبوية»، ثم فى «الساقية» 1965، وتلاه مسلسل «القاهرة والناس» عام 1967، كما تألقت فى مسلسل «المطاردة» عام 1969 بدور «أم محمد» الشهيرة بـ«الخط»، وهى أم شريرة تحرض ابنها على القتل. وفى منتصف السبعينيات، قدمت أعمالاً تليفزيونية بارزة منها «البحث عن طريق» عام 1975، و«أم العروسة» بدور «علية» عام 1976، و«عودة الروح» مجسدةً شخصية «نعنانة» عام 1977، وفى العام نفسه ظهرت فى «الزوبعة» بدور «زكية». أما فى عام 1978 فقدمت عدداً من الأعمال الناجحة منها «متى تبتسم الدموع» بدور «طنط وزة»، و«بعد الضياع»، و«الليلة الموعودة» مجسدةً «أم إمام الخاطبة»، واستمر عطاؤها عام 1979 بمسلسلات «غريب فى المدينة» بدور «تفيدة هانم»، و«رجال فى الغروب» بدور «بديعة»، و«أوراق الورد» بدور «ناظرة المدرسة»، و«أحمد باشا الجزار» بدور «أم علي». وفى الثمانينيات، شاركت فى عدد من الأعمال المهمة مثل «من الجاني» و«مبروك جالك ولد» بدور «الناظرة»، و«عيلة الدوغري»، و«القناع الزائف» بدور «دادة عزيزة»، و«القضية 80». كما قدمت مجموعة من السهرات التليفزيونية الناجحة التى أكدت حضورها القوى على الشاشة الصغيرة، منها «الساكن الجديد» بدور «أمونة»، و«الأخوان الصديقان»، لتظل ملك الجمل مثالاً للفنانة التى أتقنت أدوارها وقدمتها بصدق وتفرد. سيدة الخشبة.. بين «عنترة» و«سكة السلامة» تألقت ملك الجمل على خشبة المسرح، التى كانت بالنسبة لها مملكة الإبداع الحقيقى، فبرعت فى تجسيد أدوار متعددة جمعت بين العمق الدرامى والبراعة فى الأداء، مقدمةً سلسلة من المسرحيات التى لا تزال محفورة فى ذاكرة المسرح المصرى. من أبرز أعمالها المسرحية «عنترة» و«طالع نازل» و«حرم جناب الوزير»، كما أبدعت فى مسرحية «بيت برناردا ألبا» مجسدةً شخصية «لابونثيا» بكل ما تحمله من قسوة وصرامة، وقدمت أيضاً مسرحية «السلطان الحائر» التى جسدت فيها روح الصراع بين السلطة والضمير. وفى 1961 شاركت فى مسرحية «المحروسة» بدور «أم عباس»، ثم فى «القضية» بدور «سنية الخاطبة»، لتتألق لاحقاً فى المسرحية الشهيرة «عيلة الدوغرى» بدور «زينب الدوغرى»، كما شاركت فى «حلاق بغداد». وفى عام 1964 قدمت مسرحية «سكة السلامة»، وهى من العلامات البارزة فى تاريخ المسرح المصرى، ثم تابعت تألقها فى «بلاد بره» عام 1967 مجسدةً شخصية «رحمة أخت متولى وأم سعاد»، وفى «النخلة الذهبية» عام 1969 واصلت تألقها فى السبعينيات من خلال أعمال مميزة مثل «عازب وثلاث عوانس، و«يا أنا يا هو»، لتثبت أن موهبتها المسرحية كانت لا تقل عمقاً وتأثيراً عن حضورها فى السينما والتليفزيون. رحيل مفجع بعد مأساة شخصية وفنية عانت الفنانة ملك الجمل فى أواخر حياتها من صدمة نفسية قاسية نتيجة مأساة مزدوجة، حين فقدت حفيدها ونجلها فى نفس اليوم، فقد اصطحبت الفنانة حفيدها إلى السوق، لكن القدر شاء أن يتعرض الطفل لحادث سيارة أثناء تواجده معها، مما أدى إلى وفاته على الفور. وعندما تلقى نجلها الخبر، أصيب بأزمة قلبية حادة، وتوفى هو الآخر فى اليوم ذاته. كان لوفاة نجلها الوحيد الأثر الأعظم على نفس الفنانة، مما أغرقها فى حزن شديد لم تقدر على تجاوزه، وبعد عدة أشهر، رحلت ملك الجمل عن عالمنا فى 23 ديسمبر 1982 عن عمر يناهز 53 عاماً، مخلفة وراءها إرثاً فنياً غنياً ومشهوداً، حفرت أعماله فى ذاكرة وقلوب الجمهور، لتظل ذكرى عطائها حاضرة بين محبيها على الدوام.