الثلاثاء 18 نوفمبر 2025

في القاهرة السينمائي ..«زنقة مالقا».. رحلة مشاعر تتوه في أزقة طنجة

تتر الفيلم زنقة مالقا

18-11-2025 | 11:55

هدى إسماعيل
في المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية امتلأت القاعة الضخمة وترقب المشاهدين في هدوء وشغف ظهور تتر الفيلم «زنقة مالقا» الذي جاء ليحجز لنفسه مساحة واسعة في قلوب الحاضرين قبل أن يحجز مكانه في برنامج العروض، الفيلم، القادم بروح مغربية دافئة، يطلّ على الجمهور كرسالة بصرية غارقة في المشاعر والإنسانية، حيث ينسج مخرجه عالمًا شديد الصدق، يأخذ المشاهد من يده إلى أزقة مالقا الضيقة، ليكشف عن حياة تتقاطع فيها الأحلام بالخيبات، والحب بالضياع، والبحث عن الذات بصخب الواقع وأملاً في حياة أخرى. لا يعتمد «زنقة مالقا» على الحكاية التقليدية المكررة، بل يقدم مجموعة من اللحظات الإنسانية الدافئة التي تلامس القلب والعقل وتستقر دون مغادرة حتى بعد انتهاء العرض، فالكاميرا تتحرك برهافة وانسيابة تكاد لا تشعر بها وكيف تشعر بها وأنت داخل المشهد ولست خارجه، الإضاءة خافتة محمّلة بالدفء، والموسيقى تسمعها من بعيد كهمسات خفيفة تزيد من توتر اللحظات العاطفية التي يقوم عليها الفيلم. نجح الفيلم في تقديم وجبة شهية من المشاعر الحقيقة التي ذابت بسبب المادة، فبطلة الفيلم أو شخصيته الرئيسية هي امرأة في الثمانين من عمرها «ماريا» رغم بلوغها الثمانين إلا أنها لازالت في ريعان شبابها تبتسم لكل من حولها تعشق الأناقة والأزياء والألوان قضت حياتها كلها في مدينة طنجة المغربية المعروفة بتاريخها العريق وهو تاريخ تلخصه المخرجة في مقدمة فيلمها قبل بداية الأحداث. تلك السيدة التي تمثل الحياة ببهجتها رغم بصمة الزمن على تجاعيد وجهها لكنها تذوب في حارتها فهاهو بائع الأطعمة المغربية وصاحب المقهي والشباب الذي يقف على ناصية الشارع يتحدث عن مباريات الدوري الإسباني ويتراهن كلا منها على من سيفوز، شاطئها السحري المميز جارتها التي تقف بجوارها دائما هي وابنتها ، فهي تعرف الجميع في الحارة تناديهم بأسمائهم، وهم يعرفونها ويخاطبونها بالإسبانية التي توارثها أبناء المدينة. حتي علاقتها بأثاث منزلها مختلفة البيت، أو الشقة القديمة التي قضت فيها ماريا أكثر من أربعين سنة، زينتها بطريقتها الخاصة، اختارت لها قطع الأثاث الفخمة الثرية التي تعد كل قطعة منها أثرا فنيا رفيعا، الورد الأحمر الذي تعشقه فتضعه في كل ركن في المنزل وأيضا على شواهد القبور عند الزيارة ، لكن على النقيض من كل هذه المشاعر نجد «كلارا» ابنة ماريا التي تعيش في مدريد تعود لتبيع منزل والدتها من أجل المال دون التفكير ماذا سيحدث لتلك العجوز بعد خروجها من المنزل تعرض عليها الانتقال إلى مدريد أو الحياة في دار مسنين ولأن "ماريا تعشق مدينتها قررت العيش في دار مسنين حتى تجد حل آخر باعت "كلارا" أثاث المنزل بكل تفاصيله الدقيقة دون أن تستمع لصوت قلب والدتها يتحطم مع كل قطعة وبعد عرض المنزل للبيع وعودة ابنتها إلى مدريد أعلنت "ماريا" العصيان وانهت وجودها في دار المسنين وعادت إلى منزلها الخال تماما من الأثاث وقررت أن تبدا من جديد وتشتري قطع الأثاث مرة أخرى بكل التفاصيل الدقيقة التي تم بيعها وبالفعل نجحت "ماريا" في إستعادة جميع ممتلكاتها بمساعدة عبدالسلام تاجر التحف القديمة الذي سيقع في حبها دون رجوع. الفيلم ينجح في تقديم مشاعر حقيقية، حب ينمو بصمت، وخوف يطلّ من الزوايا المظلمة، بدت الانفعالات صادقة إلى حد يجعل المشاهد يشعر بأنه داخل الزنقة، يسمع خطواتهم، ويدرك وجعهم وحنينهم. «زنقة مالقة»” Calle Málaga هو الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرجة (والممثلة) المغربية مريم التوزاني، بعد “آدم” (2019)، و”القفطان الأزرق” (2022)، بعد عرضه في مهرجان فينيسيا السينمائي، ثم مهرجان تورونتو، وبمشاركته في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يضع "زنقة مالقا" نفسه بين الأعمال التي تراهن على قوة الإحساس قبل صخب الصناعة.