22-11-2025 | 13:43
طه حافظ
فى ذكرى ميلادها، تعود سيرة هند رستم لتتوهج كوجه مصرى خالص، لم يكن مجرد صورة مكررة من نجمات هوليوود، بل فنانة صنعت مجدها بوعى وتمرد على الأدوار والألقاب التى حاولت حصارها، ظلت رمزاً لفتنة السينما وقوتها، ونجمة فرضت حضورها من الهامش إلى الصدارة، لكنها تمسكت دائماً بأن تكون هند رستم التي لا تشبه أحد.
كانت مسيرتها الفنية قد بدأت بدور كومبارس صامت، قبل أن تكشف عن موهبة لافتة تنقلها إلى البطولات عبر كبار المخرجين، ومن طفولة صعبة وبدايات شاقة، شقت طريقها بثبات، رافضة القياس على أى نجمة أخرى، حيث أثبتت قدرتها على تقديم شخصيات درامية مركبة، حتى بلغت القمة قبل أن تختار الاعتزال بإرادتها وهى فى أوج المجد، مفضلة حياة العائلة على ضوضاء الشهرة، وهكذا بقيت هند رستم بصمة مصرية نادرة لا تستنسخ.
وُلدت هند وستم فى 12 نوفمبر 1931 بحى محرم بك فى الإسكندرية، وكانت طفولتها مليئة بالتحديات، فقد انفصل والداها فى سن مبكرة، مما جعلها تواجه صعوبات كبيرة فى تكوين بيئة مستقرة.
التحقت هند بمدارس ألمانية وفرنسية، وكان والدها كثير التنقل بين البلدان، بعدها انتقلت هند للعيش مع والدتها وزوجها، الذى عامَلها بالحب والحنان، ووجدت فيهما الملاذ والدعم الذى افتقدته فى صغرها، هذا الدعم الأسرى منحها القوة لمواجهة تحديات الحياة، وأدى إلى صقل شخصيتها المستقلة والطموحة التى سترافقها لاحقاً فى مسيرتها الفنية.
دخلت هند عالم الفن بالصدفة وهى فى الخامسة عشرة من عمرها، وبدأت رحلتها فى السينما بأدوار كومبارس صغيرة، لم تتجاوز فى البداية المشاهد الصامتة، لكنها كانت البداية الحقيقية لمسيرة مليئة بالإنجازات.
البداية
كان أول ظهور لها فى فيلم «غزل البنات»، حيث ظهرت تركب حصاناً ضمن مجموعة فتيات خلف ليلى مراد أثناء غنائها «اتمخطرى واتمايلى يا خيل»، وكان المشهد لا يتجاوز الدقيقتين، لكنه كان نقطة البداية التى لاحظها المخرج محمد عبد الجواد لاحقاً، فأعطاها فرصة للظهور ككومبارس ناطق فى فيلم «الستات مايعرفوش يكدبوا» عام 1954، من خلال دور فتاة «بسيطة».
ومع هذا الدور الصغير، بدأت هند تلمس عالم النجومية، لكنها كانت تحتاج إلى من يكتشف موهبتها الفطرية، ومن هنا جاء اللقاء الحاسم مع المخرج حسن الإمام، الذى أصبح فيما بعد الأب الروحى لها وسبباً رئيسياً فى تحويلها من ممثلة صاعدة إلى نجمة كبيرة، الإمام أدرك قدرة هند على التعبير والكاريزما التى تمتلكها، ودفع بها إلى أدوار البطولة المطلقة، لتصبح لاحقاً واحدة من أبرز نجمات السينما المصرية.
تمرد وأدوار جديدة
بدأ التعاون بين هند رستم وحسن الإمام بفيلم «الملاك الظالم» عام 1954، الذى اعتبر أول محاولة جدية لتقديمها كنجمة درامية، فى العام التالى قدم معها الإمام فيلمين آخرين هما «الجسد» و«بنات الليل»، اللذين أسسا لنجاحها وجعلها قادرة على تحمل المسئولية الكاملة فى أفلامها.
أما ذروة هذه الشراكة، فكانت مع فيلم «شفيقة القبطية» عام 1962، الذي جاء ليؤكد قدرتها على تقديم الشخصيات التاريخية المعقدة، ثم تبع ذلك فيلم «امرأة على الهامش» عام 1963، الذى عكس نضجها فى تجسيد المرأة القوية والمتمردة، وأخيراً فيلم «الراهبة» عام 1965، ليختم هذا الفيلم الفصل الذهبى من مسيرتها مع الإمام.
تجارب مع كبار المخرجين
لم تقتصر عبقرية هند رستم على تعاونها مع حسن الإمام، بل امتدت لتشمل كبار مخرجى السينما المصرية، ومن أبرز الأعمال: «نساء فى حياتي» عام 1957.
«باب الحديد» عام 1958 مع يوسف شاهين، حيث جسدت شخصية البائعة الشعبية «هنومة»، مظهرة تمردها الفنى واستعدادها لكسر القوالب النمطية.
«صراع فى النيل» عام 1959 مع عاطف سالم، الذى حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.
«إشاعة حب» عام 1960 مع فطين عبد الوهاب، فى دور كوميدى خفيف، الذى أصبح أيقونة فى تاريخ الكوميديا المصرية.
من خلال هذه الأعمال، أثبتت هند قدرتها على التنوع الفنى بين الدراما الجادة والكوميديا والأدوار التاريخية والاجتماعية، مع الحفاظ على تميزها فى كل نوع من أنواع السينما.
هوية فنية مستقلة
على الرغم من الشهرة والجوائز، لم تكن هند رستم مرتاحة للقب «مارلين مونرو الشرق»، مؤكدة دوماً على أنها فنانة مصرية لهويتها الخاصة، وقالت: أنا هند رستم، فنانة مصرية.
كما رفضت لقب «ملكة الإغراء»، معتبرة أن هذا اللقب يقلل من عمق أعمالها الفنية، وقالت: الله يسامحه من أطلق على هذا اللقب.
الاعتزال.. والتفرغ للأسرة
فى عام 1979، وبعد فيلم «حياتى عذاب»، قررت هند رستم الاعتزال النهائى، كان قرارها صائباً وواعياً، إذ رغبت فى ترك الساحة وهى فى أوج عطائها، للتفرغ لحياتها الزوجية مع الدكتور محمد فياض وابنتها وحفيدها.
تحدثت عن قرارها قائلة: كنت فى أوج عطائى، لكن هل هناك أجمل من أن يترك الفنان الساحة وهو ما زال يحتفظ بكامل مجده وبريقه؟ قدمت أكثر من ثمانين فيلماً، ورأيت أن الوقت قد حان لأتفرغ للحياة العائلية، لم أندم على هذا القرار لحظة، مهما كانت العروض التى قدمت لى للعودة.
اختارت هند رستم الهدوء والمنزل الدافئ على الأضواء الكاذبة، مؤمنة بأن الراحة النفسية والاستقرار العائلى أهم من الشهرة والنجومية.
الجوائز والتكريمات
حصلت هند رستم على العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لمساهمتها الكبيرة فى السينما المصرية، ومن هذه الجوائز:
شهادة تقدير عن فيلم «نساء فى حياتي» من مهرجان فينيسيا عام 1957.
جائزة النقاد عن فيلم «الجبان والحب».
تكريم من جمعية العالم العربى بباريس، ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1993.
كما احتوت قائمة أفضل 100 فيلم مصرى فى القرن العشرين على 4 من أفلامها الكلاسيكية، هى: «رد قلبي» لعز الدين ذو الفقار، «باب الحديد» ليوسف شاهين، «بين السماء والأرض» لصلاح أبو سيف، و«صراع فى النيل» لعاطف سالم.
الرحيل والإرث الفنى
رحلت هند رستم عن عالمنا فى 8 أغسطس 2011 بعد صراع مع المرض، لتفقد السينما المصرية واحدة من أعظم نجماتها، تاركة إرثاً فنياً زاخراً من أدوار درامية وتاريخية وكوميدية واجتماعية، أثرت السينما العربية وجعلت اسمها رمزاً للموهبة والتميز.
لم تكن هند رستم مجرد نجمة جمال أو لقب؛ بل كانت فنانة حقيقية، عاشت الفن بإتقان وصدق، وقررت الاعتزال فى أوج عطائها لتختار الحياة الأسرية والخصوصية، تاركة للأجيال القادمة إرثا فنيا خالدا يحتفى به دائماً.