6-12-2025 | 14:20
عنتر السيد
فى ذكرى رحيلها الحادية والثلاثين، تعود سيرة سامية جمال لتلمع من جديد، تلك الفراشة التى حلقت على شاشة السينما المصرية لقرابة نصف قرن، تاركة إرثاً استعراضياً وفنياً لا يمحى، منذ أن خرجت من بنى سويف باسمها الحقيقى، زينب خليل إبراهيم محفوظ، وحتى صعودها إلى قمة المجد كإحدى أهم أيقونات الرقص الشرقى، كانت سامية جمال أسطورة تم تشكيلها بالموهبة والاجتهاد والجرأة، منذ بدأت خطوتها الأولى على مسرح بديعة مصابنى، قبل أن تصنع ثنائياً استثنائياً مع فريد الأطرش جعلها نجمة الصف الأول، وترسخت مكانتها كرقاصة وممثلة ذات حضور لا يشبه سواها، بقيت سامية جمال رمزاً للتجدد والإبداع، وصاحبة بصمة جعلت من اسمها عنواناً لفن لا يشيخ.
ولدت سامية جمال باسمها الحقيقى زينب خليل إبراهيم محفوظ فى محافظة بنى سويف جنوب مصر فى مارس عام 1924، منذ طفولتها تميزت بالموهبة والحيوية، وكانت شغوفة بالفنون المختلفة، خصوصاً الرقص والموسيقى. ظهرت فى بداية الأربعينيات على خشبة المسرح مع فرقة بديعة مصابنى، حيث شاركت فى التابلوهات الراقصة الجماعية، واكتسبت خبرة كبيرة فى الأداء والاستعراضات الجماعية، وهو ما مهد لها الطريق لاحقاً نحو عالم السينما.
خطوة نحو السينما
فى عام 1943، بدأت سامية جمال مشوارها السينمائى، وقدمت أول أدوارها حيث أظهرت موهبتها الفريدة فى الرقص والتمثيل، وسرعان ما شكلت ثنائياً ناجحاً مع الفنان فريد الأطرش، حيث قدمت معه 6 أفلام استعراضية بارزة، وقد أضفت رقصاتها الحيوية على أغانى فريد الأطرش لمسة ساحرة، وسرعان ما أصبحت محط أنظار الجمهور والنقاد، ما جعلها إحدى نجمات الصف الأول فى السينما المصرية فى ذلك الوقت.
ثنائى الحب والفن
ارتبطت سامية جمال وفريد الأطرش بعلاقة فنية قوية، وقدما معاً دويتو استعراضياً لا ينسى، حيث جمعتهما مجموعة مميزة من الأفلام، منها: «حبيب العمر»، «عفريتة هانم»، «أحبك أنت»، «آخر كدبة»، «تعالى سلم»، «ماتقولش لحد».
هذه الأفلام جمعت بين الكوميديا والموسيقى والرقص، وحققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ما جعل الثنائى علامة مميزة فى السينما المصرية، حتى إن الشائعات بدأت تطاردهما فى ذلك الوقت حول قصة حب بينهما، إلا أن إصرار فريد على عدم الزواج، سواء بسبب فنه أو رفض أسرته، وضع حداً لهذه العلاقة، وقد صدمت سامية جمال من عزوف فريد عن الزواج، لكنها حافظت على احترامها له وأصبحت صداقته جزءاً مهماً من حياتها.
الفن والرقص: مزج بين الشرق والغرب
كانت سامية جمال تسعى دائماً لتطوير أسلوبها الفنى فى الرقص الشرقى، وابتكرت مزجاً بين الرقص الشرقى والغربى، مع التركيز على الإضاءة والموسيقى والتابلوهات الراقصة التى تشكلها الراقصات فى الخلفية، وقد شكل هذا الأسلوب اتجاهاً فنياً مضاداً للراقصة تحية كاريوكا، التى اعتمدت على الرقص الشرقى التقليدى مع تجديد بعض الحركات، أما سامية فكانت تقدم دائماً استعراضات مبتكرة تذهل الجمهور.
أفلام خالدة
قدمت سامية جمال مجموعة كبيرة من الأفلام التى تركت أثراً كبيراً فى السينما المصرية، منها: «أحبك أنت»، «نشالة هانم»، «عفريتة هانم»، «الرجل الثاني»، «ساعة الصفر»، «بنت الحتة»، «طريق الشيطان»، «كل دقة فى قلبي»، «موعد مع المجهول»، «أمير الانتقام»، «انتقام الحبيب»، وكان آخر أفلامها «الشيطان والخريف» إنتاج عام 1972.
اعتزال وعودة
اعتزلت سامية جمال الأضواء فى أوائل السبعينيات، ثم عادت للرقص فى منتصف الثمانينيات، إلا أنها سرعان ما عاودت الاعتزال حتى وفاتها فى الأول من ديسمبر 1994.
مع مرور السنوات، ما زال جمهورها يتذكرها باسم «فراشة السينما» لجمال إطلالتها وروعة استعراضاتها، ولتأثيرها الكبير فى السينما والرقص العربى.
قصة البداية مع فريد الأطرش
وكشفت سامية جمال فى لقاء نادر عن بداية تعرفها على فريد الأطرش قائلة: «بدأت معرفتى بفريد حين سمعت صوته فى الإذاعة، وكان صوتاً جميلاً جداً وحساساً يلمس القلب، فكنت أحاول متابعة أغانيه عبر راديو الجيران، إذ لم يكن لدينا راديو فى منزلنا، وفى عام 1940، كنت أعمل فى كازينو بديعة، وخلال شهر مارس صادفت مجلة تحمل صورة فريد، فاشتريت 10 نسخ منها، لم أكن أعلم شكل فريد، ولم أره من قبل، لكن حبى له بدأ من صوته، وبينما كنت أحتفظ بالمجلة سعيدة فى بروفة النهار بالكازينو، سألت طفلاً صغيراً عن صاحب الصورة، فلم يرد، فلما سألت ثانية، سمعت صوتاً من خلفى يقول: «هذه صورتى أنا»، فالتفت لأجد فريد، فأغمى علي من شدة المفاجأة».
وتابعت: «علمت أنه كان يصور أول فيلم له بعنوان (انتصار الشباب) فى «استوديو ناصبيان»، فاشتريت بوكيه ورد كبيراً من مدخراتى، وذهبت إلى الاستوديو لأبارك له على الفيلم الجديد، وسمعته بيقول لناس حواليه «دى بنت معجبة بيا»، فريق العمل في الفيلم راحوا أخدوني وعملولي مكياج، ومثلت معاه أول دور في حياتي في فيلم «انتصار الشباب».
الوداع الأخير لفريد
وعن آخر لقاء جمعها بالفنان فريد الأطرش، قالت: «إحنا افترقنا فى أوائل عام 1951، وآخر مرة شوفته كان قبل وفاته بشهر ونصف، كان فيه عزومة كبيرة حضرها عدد كبير من الفنانين، وكنت مبسوطة أوى أنى شفته، لأنه أصبح زميل، وجالى فريد وقال لى نفسى أقولك على حاجة، قولتله خير، قال لي: أنا متشائم وحاسس هيحصلى حاجة وحشة، وقال لى فاكرة المصحف اللى جبتهولى وكان فى علبة قطيفة، قلت له، آه ماله، قال لى ضاع ومش لاقيه، ولوملقتهوش هيحصلى حاجة مش كويسة، قلت له خلاص أنزل اشتريلك واحد غيره، قالى لا مش كده المصحف ده معايا من سنين ومش بيفارقنى خالص، ده معايا من 1942، وانتى اللى كنتى جيبهولى هدية وبتفائل بيه، فقلتله مش مهم أنساه وهابقى أجيب لك واحد غيره، بعدها سافر وقال الكلام ده فى الإذاعة والتلفزيون وللجرايد، وفوجئت بخبر وفاته بعدها بشهر ونصف، فالظاهر كان عنده الإحساس بالموت».
إرث خالد
تظل سامية جمال واحدة من أهم أيقونات الفن المصرى، حيث جمعت بين الرقص الشرقى الأصيل والابتكار، وقدمت قاعدة جماهيرية كبيرة فى مصر والعالم العربى، و