الجمعة 27 سبتمبر 2024

احتفالات بيونج يانج

29-10-2020 | 12:25

استعداداً لمؤتمر حزب العمال الحاكم فى كوريا الشمالية مطلع العام القادم يعتزم كيم جونج أون رئيس كوريا الشمالية طرح خطة اقتصادية جديدة لتحقيق ثورة فى مجال الإسكان والتعمير تتزامن مع مواصلة إنجازاته العسكرية والتى سلطت عليها الأضواء خلال احتفالات الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحزب الحاكم؛ ليرسل الزعيم كيم بذلك رسالة قوية للداخل والخارج بأن قسوة العقوبات الأممية لن توقف مسيرته للنهوض بالدولة النووية.

العقوبات الأممية وكلفة مواجهة فيروس كوفيد-١٩ والفيضانات المدمرة التى أضرت بعدة مدن فى كوريا الشمالية أسباب دفعت كيم جونج أون الزعيم القوى لأن يذرف الدموع فى مشهدٍ نادر لشعوره بالإخفاق فى تحسين حياة أبناء شعبه. «أشعر بالخجل أننى لم أستطع أن أكافئكم بشكلٍ مناسب على ثقتكم الكبيرة، لم تكن جهودي والتفاني كافيين لإخراج شعبنا من ظروف العيش الصعب»، بهذه الكلمات المؤثرة واجه كيم جونج أون مواطنيه فى الاحتفالية الضخمة التى أقيمت بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي الحاكم.

وفى زيارة للمناطق المنكوبة جراء الأعاصير والفيضانات أعلن كيم عن عزمه إحداث ثورة فى مجال الإسكان من خلال بناء ٢٥ ألف مسكن خلال السنوات الخمس القادمة وذلك ضمن الخطة الاقتصادية الجديدة التى سيتم الكشف عنها بالتفصيل فى مؤتمر الحزب الذى سيعقد لأول مرة منذ خمس سنوات فى شهر يناير ٢٠٢١. كيم أطلق على مشروع الإسكان الجديد مسمى «معركة البناء» حيث تستخدم كوريا الشمالية عادةً مصطلحات ومفردات عسكرية فى وصف الخطة الطموحة التى تسعى إليها وتعد المشاركة فى هذه المعارك معياراً للولاء للقيادة والدولة.

ودعا كيم أيضاً إلى خوض معركة سريعة على مدى الثمانين يوماً المتبقية هذا العام يتم فيها حشد كافة العاملين فى القطاعات المتعلقة بالاقتصاد القومى للعمل ساعات طويلة من أجل تعزيز الانتاج وحصاد المنتجات الزراعية الموسمية ودعم أعمال الإغاثة فى المناطق المنكوبة واتخاذ إجراءات إضافية لمنع تفشى فيروس كورونا والذى تؤكد بيونج يانج عدم ظهور أى حالة إصابة به فى البلاد. ويقول المحللون إن مثل هذه الحملات التى تطالب المواطنين القيام بأعمال إضافية تطوعية أمر مألوف فى كوريا الشمالية حيث يلجأ الزعماء إلى خطط شعبية قصيرة الأجل فى حال تأزم الأوضاع الاقتصادية. وخلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب فى هذا الشهر تحدث كيم عن انكماش الاقتصاد بسبب التحديات التى تواجهها بلاده على الصعيدين الداخلي والخارجي خاصةً أزمة كورونا وإغلاق الحدود مع الصين التى تعد الشريك الاقتصادي الرئيسي لكوريا الشمالية ناهيك عن العقوبات الأممية والتى قرر كيم تحديها وبناء اقتصاد ذاتى.

 

لم يكن خطاب كيم فى احتفالية تأسيس حزب العمال التى أقيمت فى ميدان كيم إيل سونج الحدث الأبرز، لكن الأمر الذى لفت الانتباه هو الاستعراض العسكري الذى ضم أضخم صاروخ بالستى متحرك عابر للقارات فى العالم والذى ظهر محمولاً على مركبة ضخمة ذات ٢٢ إطارا. يبلغ طول هذا الصاروخ حوالى ٢٥ مترا ويصل قطره ٣ أمتار. ويعتقد الخبراء العسكريون أن هذا الصاروخ قد تكون لديه القدرة على حمل رؤوس حربية متعددة مما قد يمثل معضلة لمنظومة الاعتراض الصاروخية الأمريكية. ويقدر الخبراء أن كل رأس حربية تحتاج ما بين ١٢ إلى ١٦ صاروخاً اعتراضياً بكلفة مليار دولار.

 ويقول سكوت لافوى خبير الأقمار الصناعية إن حجم الصاروخ لا يعنى بالضرورة أنه الأفضل وأن شحن هذا الصاروخ بالوقود السائل وليس الصلب يعنى أن قافلة من مركبات نقل الوقود ستصاحبه فى أى تحرك كما أنه سيحتاج إلى ساعات طويلة للتزود بالوقود، مما قد يسهل عملية التقاط الأقمار الصناعية لمكان تواجده فى أى ظرف. وبجانب هذا الصاروخ الضخم شمل العرض أيضاً صاروخ بحر جو جديدا يطلق من غواصة ويحمل اسم «باجو كو سونج ٤» إضافةً إلى الترسانة التقليدية من منصات إطلاق الصواريخ التى تم تصنيعها محلياً وكذلك الصواريخ البالستية القصيرة المدى والتى تعمل بالوقود الصلب والدبابات الحديثة والمركبات المتحركة التى تحمل رادارات الدفاع الجوى، ويرى ليف اريك الأستاذ فى جامعة أيهوا بسول إن الأسلحة التى تم استعراضها تمثل تذكيراً جيداً بأنه لا يجب تجاهل قوى كوريا الشمالية.

 

كلمة الزعيم كيم جونج أون التى استغرقت ٢٥ دقيقة خصص قسماً كبيراً منها إلى مواطنيه حيث استخدم عبارات «آسف» و «ممتن» حوالى عشر مرت لينجح فى التأثير على أفراد الشعب والجيش الذين تعاطفوا معه وذرفوا الدموع لبكائه. استغل كيم جونج أون العرض العسكري لبث الروح الوطنية والشعور بالفخر لدى مواطنيه مؤكداً أن بلاده ستواصل تعزيز المنظومة الدفاعية للردع والدفاع عن النفس، ولن تقدم على توجيه ضربات استباقية لكن ستستمر فى الإنجازات العسكرية لمواجهة التهديدات والحصار الاقتصادي. بذكائه الشديد لم يوجه كيم فى كلمته تهديدات مباشرة للإدارة الأمريكية رغم حالة الجمود فى المفاوضات بين كيم وترامب بسبب عدم التوافق على إنجاز خطوات متلازمة فى نزع السلاح النووي مع رفع العقوبات الاقتصادية.

ويرى الخبراء العسكريون أن كيم يسير بخطى مدروسة بدقة، فقد أراد أن يوجه رسالة إلى الإدارة الأمريكية من خلال الاستعراض العسكري الذى شهد تنوعاً هائلاً ما بين الأسلحة التقليدية والباليستية سعياً للضغط على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات مع الحفاظ على العلاقة الودية بينه وبين الرئيس ترامب انتظاراً لما ستسفر عنه نتائج انتخابات نوفمبر القادم، ويوجز «راه جونج يل» المسؤول الاستخباراتي الكوري الجنوبي الرسائل التى أراد كيم جونج أون أن يضمنها فى كلماته فى النقاط التالية؛ أولاً: اهتمام الزعيم كيم برفع الروح المعنوية للمواطنين والتأكيد على نجاح بيونج يانج على تطوير كفاءة أسلحتها وقدرتها العسكرية رغم كافة الصعوبات. ثانياً: التأكيد على أن كوريا الشمالية خالية من الإصابات بفيروس كورونا حيث ظهر آلاف الجنود والمتابعين للعرض بدون ارتداء الكمامات أو مراعاه لقواعد التباعد الاجتماعي. ثالثاً: حرص كيم جونج أون على توجيه رسالة طمأنينة إلى مواطني الشطر الجنوبي خاصةً بعد اعتذاره عن مقتل المنشق الكوري الجنوبي فى مياه بلاده الإقليمية.

 الرسالة الأخيرة كانت موجهة للولايات المتحدة والأمم المتحدة بأن عنصر الوقت فى صالح كوريا الشمالية، فرغم تواصل العقوبات الأممية وقسوتها إلا أن بيونج يانج نجحت فى توفيق أوضاعها وتطوير الأسلحة التقليدية وإنتاج أسلحة حديثة أكثر قوة وفتكاً. ومهما تزايدت وتعاظمت العقوبات فإن كوريا الشمالية ستستمر فى برامجها العسكرية، وهو ما دفع وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر إلى العودة إلى استخدام لغة الإدانة بأن كوريا الشمالية تشكل تهديداً خطيراً للأمن العالمي. فهل ستعود العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة إلى سياسة تبادل الإهانات والاتهامات كما حدث فى العام الأول من ولاية ترامب قبل تحقيق تقارب دبلوماسي؟ أم أن نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة سوف تحمل معها جديداً فى مجال السياسة الخارجية والعلاقات بين الدولتين خاصةً مع تزامن موعد تنصيب الفائز فى الانتخابات الأمريكية مع مؤتمر حزب العمال الذى لا يعقد إلا بشكل نادر.