يبدو أننا تعودنا على كوارث القطارات من كثرة تكرارها.. ومع كل كارثة نتحدث عن عامل السيمافور أو التحويلة !
قطاع السكك الحديدية في مصر مازال يتشبث بعهود الظلام ويأبى أن يتحدث لغة العصر، لا يعترف بأننا قطعنا 17 عاما من القرن الحادي والعشرين !
قطاع السكك الحديدية الذي ينقل قرابة المليون مواطن عبر 1000 رحلة يومياً ذهاباً وإياباً مازال يعتمد على العامل البشري في تسيير حركة القطارات.. لا أقصد بالطبع سائق القطار ولكن باقي الخدمات التشغيلية الأخرى للمزلقانات والإشارات "السيمافور" ، أو التحويلة ، وهم بشر بيدهم أخطر المهام على الإطلاق، ناس ممكن تلبس القطارات في بعضها في لحظة!
الجهل والتخلف يخيم على هذا المرفق الحيوى الذى أهمل على مدار 60 عاما، هذا المرفق الذي كانت مصر تفتخر به باعتبارها من أوائل دول العالم التي عرفته وأدخلته في البلاد بعد بريطانيا، تقادم وتهالك حتى شاخ.. هذا المرفق الذي بلغت خسائره 7 مليارات جنيه ويعمل فيه جيش جرار من البشر أصبح يستحق وقفة كبيرة وطويلة حتى يتعافى مرة أخرى، فليس من المعقول أن 28 خط سكة حديد بطول 9735 كيلومتراً يعبر 1332 "مزلقانا" يعمل عليهم 390 جرارا من مجموع 810 جرارات معطلة، بلغ عمر معظمها 35 عاما، لدرجة أن الجرار الواحد يقطع 3 رحلات يوميا، فضلا عن العربات التي تهالكت وأكلتها البارومة!
منتهى التخلف أن تدار نصف مزلقانات القطارات بعمال بعضهم قد يتغيب أو يذهب لقضاء حاجته تاركا الحابل مختلطا بالنابل، بينما النصف الآخر يعتمد على الأجراس والأنوار.
منتهى التخلف ونحن نشاهد قطارات أوربا والدول المتقدمة تعمل بنظم إلكترونية كاملة دون العامل البشري ونسب أخطائها تقترب من الصفر، أن تتحرك قطاراتنا بأوامر من عامل التحويلة القابع في كشك يعلم الله ما يدور بداخله، أو سيمافور قد يعمل أو يتعطل لأي سبب وتتجاهل نظم التحكم الإلكترونية.
صباح الجمعة الماضية استيقظنا على كارثة جديدة من كوارث القطارات، راح ضحيتها حوالي 41 وإصابة 125 مواطنا آخرين سالت دماؤهم وتناثرت أشلاؤهم فوق القضبان نتيجة اصطدام قطار ركاب يحمل رقم 13 إكسسبريس القاهرة ـ الإسكندرية بمؤخرة القطار رقم 571 القادم من بورسعيد متجها إلى الإسكندرية عند محطة خورشيد القريبة جدا من محطة سيدي جابر بمدخل الإسكندرية، وأسفر الحادث عن خروج جرار القطار رقم 13 من على القضبان بجانب عربتين من مؤخرة القطار رقم571 الذي كان متوقفا بالخط الطوالي بمحطة خورشيد على مدخل الإسكندرية بسبب حدوث عطل فني به أثناء رحلته، قبل أن يأتي القطار الآخر رقم 13 ويصطدم به من الخلف بقوة، مما أدى إلى انقلابه من على شريط السكة الحديد.
وتبين من التحقيقات المبدئية أن سائق القطار رقم 13 تجاوز السرعة وتجاهل السيمافورات التى كانت تسبق القطار رقم 571، رغم أنه كان من المفترض أن يتوقف قبل القطار الآخر المتعطل بما لا يقل عن 600 متر على الأقل وفقا للائحة التشغيل، لكن تجاوزه للسرعة أدى للتصادم وعدم قدرته على التوقف.
وقيل أيضا إن سائق القطار رقم 13 أغلق جهاز الـ "ايى تى سى" المسئول عن التحكم فى مسيرة القطارات! على أية حال سيحدد تحليل بيانات شريط جهاز التحكم بالقطار، أسباب الحادث، بشكل تفصيلي وآخر الأوامر التي اتخذها السائق، وما الذي كان يفعله سائق القطار ولماذا أغلق جهاز التحكم، وأين عامل التحويلة وأين عامل السيمافور؟
أخطاء ساذجة لكن نتائجها كارثية، وفي كل مرة نحملها لهذا العامل أو ذاك، وكأنها اسطوانة مشروخة تأبى أن تتوقف.
هذه الأخطاء الكارثية تحدث وتتكرر مع كوارث القطارات التي لا تنسى ومنها كارثة قطار كفر الدوار التي وقعت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ذلك القطار الذي طار من فوق القضبان واقتحم السوق وأحد العمارات الكائنة في ميدان المحطة، في مشهد لا يصدقه عقل مما أدى إلى مقتل 50 شخصا وإصابة أكثر من 80 مصابا. وأرجعت التحقيقات سبب الحادث إلى عبث أحد الركاب في فرامل الهواء بالقطار.
وحادث قطار العياط الشهير الذي وقع صبيحة يوم عيد الأضحى عام 2002 وراح ضحيته أكثر من 350 مواطنا تفحمت جثامينهم نتيجة اشتعال النيران في عربتين به.
وفي أغسطس 2006، اصطدم قطاران أحدهما قادم من المنصورة متجها إلى القاهرة والآخر قادم من بنها على نفس الاتجاه مما أدى إلى وقوع تصادم عنيف بين القطارين، أسفر عن 80 قتيلا وأكثر من 163 مصابا، وغيرها الكثير من حوادث القطارات.
لقد سمعنا كثيرا من وزراء نقل سابقين عن برامج لتطوير السكك الحديدية ولم نشاهد شيئا على أرض الواقع، قالوا إن لديهم خططا طويلة الأجل وأخرى قصيرة، وأن تنفيذهما جارٍ بالتوازى، القصيرة تتضمن تجديد وصيانة خطوط السكة الحديد، أما الخطة طويلة المدى فتكون على مدار ٥ سنوات، وتشمل تجديد وصيانة المحطات والمزلقانات ونظم التحكم بين الخطوط، وأنه جارٍ حالياً العمل فى خطى «القاهرة – الإسكندرية»، و«بورسعيد- أسيوط».
كلام "حلو" سمعناه وسنظل نسمعه، لكن كل ما أتمناه من القيادة السياسية أن تصدر أوامرها فورا بتطوير خطوط السكك الحديدية في مصر وأن توفر الميزانية المطلوبة لهذا التطوير الحتمي وأن ترسل بعثات إلى الدول المتقدمة في صناعة القطارات مثل اليابان والصين على ما أعتقد، فهذه الدول اخترعت قطار الطلقة الفائق السرعة الذي يقطع "350 كيلو مترا في الساعة" دون أن نسمع عن حادث واحد هناك.
وأختم بالقول أن هذا المرفق الخطير الذي يخدم قطاعا عريضا من البشر بحاجة ماسة لثورة تكنولوجية فورية ودون تأخير حتى يظل الملاذ الآمن للناس.