السبت 20 ابريل 2024

مدحت صالح «الأب»

مقالات4-7-2022 | 12:47

قبل أسبوعين طرح مدحت صالح أغنية مميزة كانت تستحق اهتماما واسعا من الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، إلا أن واقعة حسن شاكوش وما أحدثته من تصدعات في جسد النقابة، تطايرت شظاياها وشظايا تصريحاته الجاهلة على الوسط الموسيقي والغنائي، وشغلتنا عن أغنية مهمة اكتملت فيها عناصر الإبداع من كلمات ولحن وتوزيع وأداء، ألا وهي أغنية "أنا الأب" التي عزفت بإنسانية على معنى الأبوة بإحساس بكر ولغة تعيد تعريف معني الأب من جديد وتجيد التعبير عنه من زاوية لم يسبقه إليها أحد، بعبارات جمعت بين ذروة البساطة وذروة العمق وبدأت:

أنا الأب اللي طول الوقت غايب غصب عن عينه

وأنا اللي بيدعي على همه تملي ربنا يعينه

أنا الشيال وأنا البقال، أنا الأستاذ وأنا الدكتور

وانا الواقف على رجليه عشان العيش في قلب طابور

 

ففي الأبوة فقط يكون الغياب قمة العطاء وقمة الفناء وأعظم دلالات الحب، وفي زمن الضائقات والضغوط كلنا نصبح هذا الأب الغائب رغما عنه ورغما عن عطشه لحضن أبنائه، كلنا (البقال والشيال والأستاذ والدكتور) وحينما تستطيع أغنية التعبير عن كل أب في هذا الزمان وتلمس معه قلوب الأسرة كلها تكون قد حققت المعني الحقيقي للنجاح وجسدت المعنى الحقيقي للفن، بل إنها أحيانا تتجاوز بصدقها ما قصده كاتب الكلمات نفسه حين يأتي استخدامه لمفردات مثل (أنا البقال وأنا الشيال وأنا الأستاذ وأنا الدكتور) ليدلل بها على صفة الأب، سواء كان شيالا أو بقالا أو أستاذا أو دكتورا، معددا شرائح اجتماعية للآباء، فيأتي من يفهمها أنها أدوار الأب ذاته في أحيان كثيرة يكون هو الشيال وهو البقال وهو الأستاذ وهو الدكتور.. وهو (الواقف على رجليه عشان العيش في قلب طابور) وهذا ما نسميه ( مبعوتات الله) أو التوفيق الذي يمنحه الله لمن يحسن القصد، وقد صادفت الأغنية منه كثيرا في كلمات شاعر الأغنية محمود طلعت.

أنا النجار وأنا البواب وأنا القاضي وأنا المأمور

وأنا اللي في ساقية ليل ونهار عشان بيتي بلف وأدور

أنا أكتر حد في وجوده ولاده بيسألوا فينه

 

وبنفس التوفيق جاء اللحن الشجي الذي وضعه الملحن الموهوب وليد منير من مقام النهاوند الناعم منذ الدخول الحر لصوت مدحت صالح محمولا علي خلفية موسيقية دون إيقاع ثم التحول إلي مقام البياتي بحضنه المصري ومسحة الحزن الخفيفة مع صوت إيقاع آلة " الرق"  في الكلمات التي تقول:

وصوت مفاتيح في قفل الباب بيجروا عليه ويتسابقوا

وأحلى شعور ما بين حضنين يحسوه لما يتقابلوا

أنا الأب اللي أولاده بتمشي في كل شرايينه

وأنا الأب اللي طول الوقت غايب غصب عن عينه

وجاء صوت" الكولة" أو الناي المشروخ للعبقري عبد الله حلمي بحرفيه لامس بها مسحة الحزن دون الاستغراق فيها تاركا لصوت " التشيللو" بعزف أحمد عامر التعبير عن عمق دافئ لما قصدته الأغنية ثم عذوبة آلة الجيتار وعزف مصطفي ناصر في إطار توزيع موسيقي ذكي وضعه أسامة كمال  لتكتمل العناصر ويأتي إحساس مدحت صالح الذي أبكى القلوب من الوهلة الأولى بعد أن تخصص في هذه النوعية من الأغاني، ليتوج بصوته كل ذلك ويمنحنا أغنية تجاوزت في معناها ومغناها أن تكون مجرد أغنية مناسبات.