الطاعون القاتل يجتاح الغرب..
الاعتداء الارهابي الصادم وقع الاربعاء الماضي في فرنسا عندما هاجم ملثمان صحيفة "شارلي ابدو" في باريس.. الهجوم أوقع 12 قتيلا بينهم ثمانية صحفيين، وأحد عشر جريحا. عملية جهنمية همجية شيطانية تولاها فرنسيان من أصل جزائري، قيل بإنهما أرادا الانتقام للنبي محمد - صلي الله عليه وسلم - في إشارة إلي الرسوم التي كانت هذه الصحيفة قد نشرتها واعتبرت مسيئة للرسول الأعظم.
الهجوم الذي شهدته فرنسا هو الأكثر دموية خلال خمسة عقود وهو بالقطع يعد اعتداء غير مسبوق أدي إلي رفع فرنسا درجة التأهب الأمني إلي درجة "هجمات ارهابية" وهي أقصي درجة علي سلم الطواريء الأمنية، وانعكس هذا بالتبعية علي دول الاتحاد الأوربي التي بادرت هي الأخري برفع حالة الانذار وبادر وزراء داخليتها بعقد اجتماع عاجل في الحادي عشر من الشهر الحالي علي خلفية الحادث الصاعقة.
تم الهجوم بحرفية إذ اختار المسلحان ساعة انعقاد اجتماع التحرير لضمان وجود كل الصحفيين والرسامين، ولم تتم العملية عبر اطلاق عشوائي للنيران بل كانت أشبه ما تكون بإعدام محدد استهدف أشخاصا بعينهم لتجري تصفيتهم. الأسلوب الذي تمت به العملية أكد حرفية المهاجمين في استخدام السلاح ولهذا رجح البعض أن يكون ما حدث له علاقة بمقاتلين تدربوا في صفوف تنظيم داعش وعادوا إلي فرنسا خلسة قادمين من سوريا. ولا شك أن الهجوم وحشي وغير إنساني إذ إن أي أعمال ارهابية تطال الأبرياء تتعارض بالقطع مع التعاليم الاسلامية فضلا عن كونها ضد القيم والحقوق الانسانية. بيد أن الحادث يسلط الضوء علي ظاهرة الارهاب وكيف أنها باتت مستفحلة وبامكانها أن تصل إلي أي دولة في العالم.
وهنا يجب ألا ننسي بأن الغرب بقيادة أمريكا هو الذي صنع الارهاب وساهم بشكل كبير في دعم منظماته كالقاعدة و داعش والنصرة والاخوان.. ولطالما دعت مصر ودعت معها دول عربية الي ضرورة مكافحة الارهاب وأن يتم ذلك علي المستوي الدولي بيد أن هذه الدعوة لم تجد آذانا صاغية وبالتبعية لم يتم الاتفاق الدولي حول المقصود بالارهاب أصلا. ولهذا كان لابد من أن يكون هناك ملتقي دولي لبحث هذه الظاهرة وبحث الطرق الكفيلة بعلاجها. أما الأمر الصادم فهو أننا وجدنا أمريكا ومعها الغرب غرقي في غياهب الجماعات الارهابية، ومن ثم قاموا بدعمها بالمال والسلاح والاعلام حتي قويت شوكتها وباتت هي الطاعون القاتل لكل من يجابهها أو يستثيرها. لن ينسي أحد لأمريكا والغرب من ورائها كيف دعمت الجماعات الارهابية وسلطتهم علي سوريا بهدف إسقاط النظام. واليوم هناك خوف حقيقي من أن الأخطار التي كان البعض يتحدث عنها باتت ماثلة علي أرض الواقع. ويزداد الوعي بوجود هذا الخطر بعودة المقاتلين الأجانب وعددهم بالآلاف إلي دولهم بعد أن باتوا قنابل موقوتة تشكل تهديدا لأوربا. ويكفي القول بأن هناك أكثر من ستمائة بريطاني ذهب إلي سوريا للقتال ضد النظام فهؤلاء بالقطع سيشكلون تهديدا للأمن القومي عند عودتهم إلي المملكة المتحدة.
ولا غرابة فالغرب هو الحاضنة الرئيسية للارهاب، فأمريكا صنعت القاعدة وجندتها لمحاربة الاتحاد السوفيتي حتي اذا ما انتهت مهمتها عمدت الي مجابهتها وما قتلها لبن لادن إلا نموذجا علي كونها لا أمان لها حيث تبادر بالتخلص من الأداة التي هيأتها في يوم من الأيام لتنفيذ أهدافها. وبعد القاعدة صنعت داعش ليكون أداتها في احداث الفوضي الخلاقة في المنطقة وتهديد الأمن والاستقرار فيها ضمانا لتفكيك دولها وسقوط أنظمتها ليسهل علي أمريكا الهيمنة علي شئونها لتحقيق أهدافها.
ما حدث في فرنسا يمثل جرس انذار للغرب المريض من تفشي ظاهرة الارهاب التكفيري التي تشكل تهديدا للاستقرار والأمن في كل أرجاء العالم وهو الارهاب الذي دعمه الغرب تجاوبا مع أمريكا عندما سلحته ودربته لاتخاذه ذريعة لتحقيق مشروعاتها في المنطقة. آن الأوان لكي يتجرع الغرب اليوم السم الزعاف الذي أذاقه لدول المنطقة عندما سلط عليهم متطرفين طائفيين مدعومين من قبله علي الأراضي السورية، فبعد نجاح الناتو في تغيير النظام في ليبيا عام 2011 تحت ذريعة التدخل الانساني بدأ المرتزقة المسلحون والممولون من الناتو بالتدفق الي سوريا عبر الحدود الشمالية مع تركيا عضو الناتو.
ويمكن القول بأن واقعة باريس هي رسالة للغرب من أجل شحذه علي إدانة الارهاب الذي شرعه وصدره إلي الشرق الأوسط. ماحدث في باريس يدق ناقوس الخطر بالنسبة للغرب ويهيب بالجميع التعاون والتضافر لاستئصال الارهاب هذه الظاهرة التي تسعي الي نشر الدمار والفوضي وزعزعة الأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
كتبت : سناء السعيد