سوزان طه حسين.. جوهر الحب والصداقة في حياة زوجها عميد الأدب العربي
تحل اليوم ذكرى وفاة عميد الأدب العربي طه حسين، وعلى الرغم من قامته الكبيرة التي أثرت الحياة الفكرية في مصر والوطن العربي ونقلتها نقلة نوعية لا مثيل لها في تاريخ الثقافة المصرية الحديثة لا نستطيع أن ننسى أن طه حسين لم يكن متفردًا بذاته فقط بل كانت لذات أنثوية أخرى التصاقًا به، قبلته وأحبته، وأصبحت هي النور الذي فقده منذ صغره، كانت هي مرآته في الدنيا وأنين النغم والموسيقى التي كانت تشعره بقيمة الحياة وتسانده من هول ضرباتها القاسية، فنحن الآن على مشارف الحديث عن زوجة أديبنا المصري السيدة "سوزان بريسو"، هذا البريق الذي ضغى على حياة عميد الأدب العربي وساهم في إنجاز الكثير من مهامه البحثية والفكرية والأدبية التي ترسخت في التاريخ وصرنا ندرسها الآن.
من هي سوازن بريسو؟
وُلدت سوزان بريسو عام 1895م، ونشأت في أسرة كاثوليكية، وعملت بالتدريس في بداية حياتها العملية، ولكن مع نشوب الحرب العالمية الأولى تسببت أحداثها في تهجيرها مع عائلتها إلى جنوب فرنسا، وتحديدًا بمدينة "مونبليه".
لقاءها بـ طه حسين؟
كانت بداية تعارفها ولقاءها بـ طه حسين في هذه الفترة التي هاجرت فيها وبالتحديد في عام 1915م، حيث كان "حسين" شاب مصريّ أُرسل إلى فرنسا في بعثة تعليمية هناك، دارس للدراسات العليا، كفيف للبصر، وكان طه في حاجة شديدة إلى أحد يقرأ له الكتب والمراجع حتى يستطيع أن يطلع عليها، وكانت سوزان هي من قامت بهذا الدور وظلت تقرأ له، حتى تزوجا وحتى وفاته عام 1973م.
بداية العلاقة
كانت العلاقة الأولى هي إعجاب من سوزان بفكر هذا الشاب المصري طه حسين مما دفعها لأن تساعده وتقرأ له الكتب والمراجع، وكانت البداية صداقة برباط سماوي لا تدركه سوى القلوب الصافية والعقول النهمة لمعرفة الحب، حيث كان يناديها طه حسين في ذلك الوقت "صديقتي" ولم يكن يدري بأن الصداقة في عمقها حبّ شديد مسافته مسافة السماء وقربه قرب نظرة وشغف.
طه حسين يصارح سوزان بحبه لها
صارح طه حسين سوزان بحبه لها، ولكن الأمر لم يكن بهذه الصورة السهلة لسوزان، فقد كانت تدرك بأحكام عقلها بأنها كيف ستتزوج بإنسان فاقد البصر، وقالت له وأنا لا أحبك، وابتعدت، ولكن شعور ما في داخلها غير نظرتها، حيث اكتشفت أن قوة القلب أقوى من الأمور العقلانية، وأدركت سوزان أن للقلب طريق آخر مخالف للعقل، وللقلب أحكام ومجريات أخرى.
اعتراض أهل سوزان على زيجتها من طه حسين
أعلنت سوزان لأسرتها رغبتها في الزواج من طه حسين الشاب المصري الذي أتى من نشأة وبيئة مختلفة تمامًا عنها، وكانت أسرتها من المتمسكين بعقيدتهم الكاثوليكية، وغير ذلك أنه كفيف البصر أيضًا، فاعترضت أسرتها بشدة وظلت المحاولات لإقناعهم بإتمام ومباركة هذه الزيجة، وكان لسوزان عمّ "قس" جلس مع عميد الأدب طه حسين وانبهر به، واستطاع أن يقنع أهلها بهذه الزيجة، وتمت بالفعل.
سوزان هي النور في حياة عميد الأدب العربي
"بدونك أشعر أني أعمى حقا، أما وأنا معك، فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء"، هذه الجملة الجملية التي تحمل في ثناياها عمق وحب وصدق، كتبها طه حسين لزوجته معلنًا لها كم كانت فريدة في حياته، وكم كانت بمثابة النور الذي حرمه منه الله في نفسه وأرسله له في إنسان آخر، فقد ظلت علاقة طه حسين بزوجته وطيدة وصادقة مليئة بالحب والتضحيات حتى وفاتها.
"معك"
عقب وفاء عميد الأدب العربي طه حسين، أصدرت زوجته سوزان كتابًا عنه إحياءً لذكراه، وكتبته باللغة الفرنسية، وأسمته "معك"، ولكنها أرادت أن يصل الكتاب للمجتمع العربي كله، فترجمه من الفرنسية للعربية المترجم السوري «بدر الدين عرودكي» وراجع الترجمة الأستاذ «محمود أمين العالم»، لتصدر النسخة العربية عام 1979م.