رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الحلال والحرام في الخنزير

29-10-2021 | 13:13


أحمد تركى,

جدل واسع فى وسائل الإعلام بعد ما حقق جراحون أمريكيون نجاحاً في زراعة كلية خنزير في جسم إنسان، ويعد ذلك تطوراً  علميًا كبيرًا، بعث بآمال كبيرة لدى الملايين حول العالم، وبات السؤال الأبرز على الساحة الطبية، هل أضحت زراعة أعضاء الخنازير الخيار الأمثل للإنسان؟ وهل يمكن أن تحل هذه التقنية نقص أعضاء المتبرعين لصالح مرضى الفشل الكلوي؟.

وبالتالى تحول الجدل العلمى حول الموضوع إلى جدل دينى، هل يجوز الاستفادة من أعضاء حيوان الخنزير فى المجال العلمى والطبي ؟.

واستضاف الإعلامى عمرو أديب بعض شيوخ الأزهر من المعارضين لفكرة نقل كلية الخنزير إلى الإنسان بدعوى عدم طهارته دينياً وعدم جواز الاستفادة من أى شيء فيه!.

كما تفضل بعض الزملاء بإبداء رأيه فى نفس البرنامج بجواز هذا الأمر .

فرأيت من واجبى تأصيل تلك المسألة فقهياً وعلمياً وفق القرآن الكريم ووفق معطيات العلم .

1-  تناولت أربع آيات من آيات القرآن الكريم حرمة تناول لحم الخنزير، ولم تشر من قريب أو من بعيد إلى حرمة الاستفادة من الخنزير فى غير الطعام والشراب!

قال تعالى :

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ( 173 البقرة )

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ( 3 المائدة)

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ( 115 النحل)

إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ( 145 الأنعام)

وفى آية سورة الأنعام تنص الآية إلى أن لحم الخنزير رجس!

والرجس هو اتيان الفعل المنهى عنه .

وبهذه الآية ذهب الجمهور من الفقهاء القدامى إلى أن الخنزير نجس، وبالتالى لا يجوز دبغ جلده ولا الاستفادة منه بأى صورة من الصور!.

وهؤلاء الفقهاء بالطبع ينحصر تصورهم عن الخنزير فى أنه مأكول لحمه أو مدبوغ جلده وفقط !

وبالتالى قاموا ببناء مذهبهم على ذلك ولم يتصوروا أن الخنزير يحمل الكثير من الهبات الربانية لعلاج الإنسان والتى تم اكتشافها فى العصر الحديث، كالأنسولين لعلاج مرضى السكرى.. وصناعة أنسجة القلب، والخيوط الدقيقة التى تضمد بها الجروح.. إلخ.

وتجاهلوا أيضاً أن مفهوم الرجس هو مفهوم معنوى وليس مادياً .  

 فرجس الخنزير رجس معنوى تأكيداً لحرمة تناول لحمه. 

ولو كان الخنزير كله حرام لنصت الآيات الكريمة على ذلك مباشرة إنما نص التحريم على لحم الخنزير وهذا متفق عليه ولا خلاف حوله.

ولابد من الوقوف على الحالة النفسية للمتشرعين والفقهاء حيث يتصورون وجود خصومة خاصة بين الإسلام والخنزير!.

فبحثوا عن كل تأويل  يصب فى اتجاه نجاسة الخنزير الحقيقية حتى يتم التحذير منه ومن الاستفادة طبياً من أعضائه !، وهذا بالطبع مخالف للقرآن والسنة الربانية فى خلق الكائنات! فلا خصومة خاصة بين الاسلام والخنزير!، ولا خصومة بين الكائنات التى أمرنا بقتلهامثل العقرب والحية.. إلخ.. وبين الإسلام !.

الخنزير حيوان مثل أي حيوان خلقه الله تعالى بقدره.. كما قال: "إنا كل شيء خلقناه بقدر".

ومن ثم علة التحريم هى لتأصيل مبدأ النفع والضرر فقط الذى يقدر بقدره دون تأويل باطل، أو ادعاء فى غير محله. 

وعلى هذا فالتصور الشرعى السليم لهذه المسائل هو: أنه يجوز الاستفادة من الخنزير طبياً بإنتاج الأنسولين، وخيوط الجروح والعمليات والأنسجة المستخدمة فى دعامات القلب، والاستعانة بكليته لإحياء إنسان مريض بفشل كلوى ويحتاج إلى كلية، مع حرمة أكل لحمه كما نص القرآن الكريم.

كما يجوز إنتاج السموم من العقارب والحيات لإنتاج الأمصال والأدوية والتى يقدر اللتر الواحد من تلك السموم بعشرة ملايين دولار! وبخة السموم الواحدة فى الهواء  من الكوبرا وهى تدافع عن نفسها قد يصل ثمن السم فيها إلى مئات الدولارات.

ورغم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا بقتلها حتى لا يتعرض إنسان للدغ! إلا أن إنتاجها حلال عندما تم توجيهه إلى النفع بعدما كان فقط للقتل والضرر.

2- لا ينبغى عرض هذه المسائل العلمية على الفقهاء للحكم عليها بالحل أو الحرمة قبل عرضها على العلم لبيان مساحة النفع والضرر والمصلحة والمفسدة !.. لماذا؟.

لأن مساحة الحرام فى القرآن لها حدود ، وحدودها  ما هو منصوص على حرمته صراحةً، قال تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖأَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الأنعام.

وهذه المساحة مساحةٌ ضيقة جدا، حيث أن الآيات التى تناولت النهى عن المحرمات وقررت ما هو محرم على الإنسان فى حياته 219 آية بالتكرار، فقد يتكرر تأكيد  النهى الواحد عدة مرات، كحرمة القتل! تكررت تأكيدًا عدة مرات.

وكحرمة أكل أموال الناس بالباطل وأكل مال اليتيم، وحرمة تناول الميتة والدم ولحم الخنزير.. إلخ. 

ولا يجوز الحكم بالحرمة على أي شيء مستجد لا نص فيه إلا بثبوت ضرره ويكون ضرره أكثر من نفعه (وإثمهما أكبر من نفعهما). 

وبقية آيات القرآن ( وعدد آيات القرآن 6236 آية ) تتحدث عن المباحات والأخلاق والعقائد والعطاء الحضارى للإنسان بالتفكر والنظر والرؤية والذكر والسعى، إلخ.

قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت. 

بالتالى بقية معطيات الحياة والمعطيات الحضارية دون المحرمات المذكورة مباحةٌ بذاتيتها، ولا تحتاج إلى واعظ أو معمم ليحرم أو يحلل !، وليس من حق أى أحد تحريمها إلا بعد ثبوت ضرر للشيء ويكون ضرره أكثر من نفعه !.

فأى اكتشاف جديد  لا ينبغى عرضه على الفقهاء بدايةً ! ولكن مكانه الطبيعى قاعات العلم والتخصص للوصول إلى حقيقة، المصالح والمفاسد أو المنافع والأضرار!

فاذا تبينت مساحات النفع والضرر بأبحاث علمية موثقة. 

وكان النفع اكبر من الضرر فهذا مباح. 

ولا يتم الحكم عليه بالحرمة إلا بعد التاكد من أن الضرر أكبر من النفع وفى هذه الحالة.. سيرفضه علماء التخصص لخطره على الصحةالعامة.

3- من العبث استدعاء أراء فقهية من القرن الرابع الهجري كانت تأخذ بالأحوطيات الفقهية، وتصورها العلمى محدود للغاية بحكم عصرها البدائى الرتيب، وكانت آراؤهم لهذا العصر، وعلاقتها بالخنزير فقط هل نأكله وندبغ جلده أم لا ؟!.   

ومن الجنون جعل هذه الآراء الفقهيه فى مقابل العلم ومصالح العباد والبلاد فى عصرنا الحاضر.

فنحن لا نعارض النصوص القطعية فى التحريم، إنما نعارض الآراء الفقهية المؤلة للنصوص إذا عارضت العقل والمنطق والعلم ومصلحة الإنسان الذى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشئون دنياكم".

أرى أن العقل الجمعى الدينى مسموم ويحتاج إلى علاج وتنقية من السموم حتى لا تنعكس سمومه على صورة الإسلام وهدى النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم الموصوف بالمحجة البيضاء.

وأرى أن الإسراع بتحريم كل ما هو جديد حضارياً من قبل بعض المتشرعين بدعوى الالتزام بالدين، طفولة على مستوى التفكير والرشد، ومسيء لدين الله تعالى وللقرآن الكريم الذى دعانا إلى التفكر والرؤية والنظر والذكر والتدبر من خلال 2500 آية في القرآن الكريم.

كما أعلن رفضى  بكل قواى العقلية وعلمى الأزهري المتواضع عرض هذه المسائل العلمية على لجان الفتاوى الدينية، قبل عرضها على لجان الـ ethics "أخلاقيات  البحث العلمي".

فلجان أخلاقيات البحث العلمى الموجودة فى كليات الطب ووزارة الصحة معنية  بإبراز جوانب النفع والضرر والمصلحة والمفسدة فى الأبحاث العلمية والأدوية المرشحة للتناول.

فإذا كان الدواء ضرره أكثر من نفعه وخطره كبير، يتم رفضه أخلاقياً.. وهنا يجوز للفقيه تحريمه بملء الفم ورجاحة العقل واطمئنان القلب، كما تم تحريم الترامادول بإدراجه فى جدول المخدرات، وقد كان يصرف قبل ذلك كدواء !.

وإذا كان نفع الدواء أكبر من ضرره فلا ينبغى الحكم عليه بالحرمة لمجرد تأويل قديم لبعض النصوص!.

لأن القاعدة الأصولية تقول: ما كان ضرره أكبر من نفعه حرام، وما كان نفعه أكبر من ضرره مباح.

وأخيراً أقول: كل ما هو أخلاقى علمياً هو أخلاقى دينيا.

فاتركوا العلم والطب والعلماء يؤدون دورهم الإنسانى يرحمكم الله .