خبير يوضّح تأثير أسعار الغاز الطبيعى على حجم الاستثمار الأجنبى فى الصناعات البتروكيماوية
إن صناعة البتروكيماويات تعد صناعة القيمة المضافة، حيث أن هناك سلسلة متصلة ومتداخلة لتلك الصناعة تعمل على زيادة القيمة المضافة، وكلما اتجهنا إلى مراحل الإنتاج المتقدمة بالنسبة للغاز الطبيعي، فإن القيمة المضافة لسعر بيع الغاز لاستخدامه في إنتاج البتروكيماويات الأساسية والوسيطة تكون أكبر عشرة أمثال العائد من بيعه كوقود، كما أن صناعة البتروكيماويات صناعة كثيفة العمالة ذات منحنى تصديري، وتعد صادراتها مفتاحًا مؤديًا إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، وارتفاع حجم الصادرات من المواد والمنتجات البتروكيماوية يعد عاملًا مساعدًا في إضعاف درجة تعرض الدول النامية، ومنها مصر لتقلبات الأسعار في السوق العالمية، وكذلك زيادة القدرة على استيراد احتياجات التنمية من مختلف أنواع السلع والخدمات اللازمة لعملية التراكم الرأسمالي، وزيادة درجة الجدارة الائتمانية.
كما أن زيادة صادرات الدولة من المواد والمنتجات البتروكيماوية يساهم في تقليل العجز في الميزان التجاري مما ينعكس ايجابيًا على ميزان المدفوعات من خلال زيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي. ويمكن إجمال أثر الصادرات المصرية من المواد والمنتجات البتروكيماوية على التنمية الاقتصادية، في نوعين من التأثير:
الأول: أثرًا مباشرًا لكون تلك الصادرات تمثل على المستوى الماكرو اقتصادي زيادة في الطلب الكلي.
الثاني: أثرًا غير مباشرًا لأن صناعة البتروكيماويات المخصصة للتصدير تعد مصدرًا حيويًا لعملية التراكم الرأسمالي على المستوى القومي.
الصادرات تحقق نصيبًا مرتفعًا من السيولة الدولية
وقال الدكتور إبراهيم العصفوري مدرس الاقتصاد المساعد بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف والمحلل المالي، إن الصادرات تحقق نصيبًا مرتفعًا من السيولة الدولية، وهى ضرورية حيث تستخدم لتمويل الواردات اللازمة لتنفيذ الاستثمارات التوسعية والجديدة المخططة، علمًا بأن مدى مساهمة تصدير المواد والمنتجات البتروكيماوية في المدى القصير يتوقف على مدى ارتفاع حصيلة تلك الصادرات ودرجة نموها ومدى الحاجة إلى الاستيراد، وكلما كان هيكل الصادرات السلعية من المواد والمنتجات البتروكيماوية متنوعًا كلما ارتفع احتمال زيادة عرض الصادرات منها.
وأوضح العصفوري في تصريحات خاصة لـ"دار الهلال" أن هذا يعني أن الطلب العالمي على هذه السلع سوف يكون متميزًا بمرونة سعرية( مدى استجابة الكميات المطلوبة من السلع البتروكيماوية كمتغير تابع للتغير في سعرها كمتغير مستقل)، ومرونة دخلية (مدى استجابة الكميات المطلوبة من السلع البتروكيماوية كمتغير تابع للتغير في دخول المستهلكين كمتغير مستقل) وذلك يجعل اقتصاد الدولة لا يتزعزع أمام تذبذب الأسعار العالمية للبتروكيماويات أو أمام حدوث أي تقلبات مفاجئة في الأسواق العالمية، كما تشكل صناعة البتروكيماويات مصدرًا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول المضيفة، لِما تتمتع به من ميزات تنافسية، تتمثل في توفير المواد الخام، مثل النفط والغاز الطبيعي، وبما يساعد في انخفاض تكلفة الانتاج وارتفاع القيمة المضافة.
بالنسبة لدور الغاز الطبيعي في تلك الصناعة
وأستطرد المحلل المالي أن بالنسبة لدور الغاز الطبيعي في تلك الصناعة، فمن المعروف أنه يتم تحفيز انتاج البتروكيماويات من خلال استخدام الغاز الطبيعي كمادة وسيطة للصناعة، ويستخدم الغاز الطبيعي في المقام الأول لانتاج الغاز الطبيعي المُسال (LNG) وتوليد الطاقة. كما يدخل الغاز الطبيعي في مفردات البتروكيماويات الأساسية، التي تدخل بدورها في الصناعات الوسيطة والنهائية البتروكيماوية، مثل: البتروكيماويات الأليفاتية، والهيدروجين الذي يكون الاعتماد في استخلاصه على طاقة مستمدة من الوقود الإحفوري (الفحم، الكهرباء، والغاز الطبيعي).
ويوجد الغاز الطبيعي في هيئتين:
1- في هيئة غاز مصاحب للنفط الخام (الغاز الرطب) وهو الذي يحتوي على نسبة عالية من الهيدروكربونات المُذابة في النفط السائل، والتي يُطلق عليها مجتمعة سوائل الغاز الطبيعي (البروبان - البوتان) وهو الغاز المتكون والموجود أعلى طبقة النفط في صورة قبة غازية، ويحتوي كل برميل من النفط على كمية من الغاز المُصاحب، تُقدر في المتوسط بحوال (500) قدم مكعب.
2- في شكل غاز حر مُنفَرِد غير مُصاحِب ( الغاز الجاف) ويغلب غاز الميثان على الغاز الطبيعي الجاف، وهو الغاز الذي يصلح لانتاج البتروكيماويات.
وفي مصر تضم منطقة دلتا النيل البرية وامتداداتها البحرية أكبر حقول الغاز الطبيعي المنفرد الحر الغير مصاحب (الغاز الجاف) فهى تضم اثنى عشر تجمعًا للغاز الطبيعي تقع ثلاثة تجمعات منها في دلتا النيل البرية، وتسعة تجمعات في البحر المتوسط، نذكر منها: حقل غاز شروق العملاق، وحقل ظُهر. ولقد أدى اكتشاف حقل غاز شروق إلى زيادة نصيب مصر من الاحتياطي العالمي للغاز إلى ما يتراوح بين 6.5% إلى 7% مقابل 2.5% في عام 2015، كذلك احتلت مصر المركز الأول على مستوى دول حوض شرق المتوسط في إنتاج الغاز تليها اسرائيل ثمَ قبرص.
الانتاج المصري من البتروكيماويات
وكشف "العصفوري" أن الانتاج المصري من البتروكيماويات لا يزال حتى اليوم يحتاج إلى التنوع كمًا وكيفًا للوفاء باحتياجات الطلب المحلي من البتروكيماويات، وكذلك التصدير، إلا أننا نجد عائقًا يقف حائلًا أمام تحقيق هذا التنوع في المنتجات البتروكيماوية والتوسع في تصديرها، يتمثل في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي يدخل في الصناعات البتروكيماوية.
وقال العصفوري، إن الزيادات الهائلة في أسعار الطاقة ومنها الغاز، كانت سببا في حالة الركود التضخمي التي تشهدها البلاد حاليًا، وهو ذاك التضخم المصحوب بالركود، وهو حدث اقتصادي يتميز بارتفاع التضخم وركود نمو الاقتصاد، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات البطالة، كذلك تعد أزمة الامدادات وزيادة الطلب مقارنة بالعرض سببًا رئيسًا آخر في تلك الزيادات في أسعار الغاز.
وأوضح أن بعض شركات البتروكيماويات في مصر تخشى أن تتأثر أرباحها بالزيادات الحالية والمحتملة في أسعار الغاز، ذلك لأن ارتفاع سعر الغاز بل وتوقعات ارتفاع سعره، يؤثر على هوامش الأرباح في حال ما إذا استمر الوضع على هذا النحو، وهنا يتعين على الحكومة المصرية أن تتدخل لتجعل هذا السعر معقولًا ليحتفظ القطاع بقدرته التنافسية على المستوى العالمي.
خُطط التوسع لدى منتجي البتروكيماويات
وأضاف "العصفوري" أن عدم وجود امدادات متاحة من الغاز يؤدي إلى تعطيل خُطط التوسع لدى منتجي البتروكيماويات والصناعات التي تعتمد على الطاقة منخفضة التكلفة والتي بها محطات كهرباء تعمل بالغاز مثل صناعة الأسمدة، فضلًا عن كون ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف الانتاج من المواد والمنتجات البتروكيماوية.
وتابع: أن ارتفاع أسعار الغاز يؤدي إلي قلة الانتاج والتصدير، فضلًا عن عدم تشجيع المستثمر الأجنبي على الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات البتروكيماوية، في مصر لاسيما وأن الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات البتروكيماوية يسد فجوة التمويل في حالة تراجع معدلات الادخار المحلي ويعزز القدرة التصديرية لمصر بوصفها بلدًا مستضيفًا لهذة الاستثمارات.