د. هبة سعد الدين,
يبدو أن السينما المصرية كانت أكثر سبقاً في الخيال وتنبأت بما يمكن أن يحدث أثناء التصوير بصورة تفصيلية، وكيف يمكن أن يتحول مجرد مشهد تمثيلي إلى واقع صادم للجميع، فمنذ عام ١٩٦١ كان فيلم "مع الذكريات" تأليف وإخراج سعد عرفه، والذى يعتمد فى قصته على مقتل ممثلة أثناء التصوير برصاص من المفترض أنه "فشنك"؛ ولكن يصاب الجميع بصدمة أن الرصاص حقيقى وتموت الممثلة على يد خطيبها الممثل، ومع تطور الأحداث نعرف أن الجريمة مدبرة ومقصودة، ولم تكن تلك المرة الأولى التى تفكر السينما المصرية أن يتحول التمثيل إلى حقيقة فقد سبق ذلك عام ١٩٥٤ فيلم "عفريتة إسماعيل يس" للمخرج حسن الصيفى استبدال الرصاص الفشنك بآخر حقيقى لقتل الراقصة كيتى أثناء أداء الاستعراض ولكن تغيير المونولوجست إسماعيل يس لأحداث الدراما واستبدال قتل الزوجة ليغنى "العفو عند المقدرة" جعل الجريمة لا تتم.
تلك الفكرة الخيالية تجسدت بتفاصيلها من أيام حيث تحول المشهد التمثيلى إلى واقع؛ لتموت مديرة التصوير هالينا هاتشيز ذات الأربعة والعشرين عاما ويصاب المخرج جويل سوزا الذى لم يكن يفعل شيئاً سوى أنه يقف وراءها!
الحادثة صادمة على المستوى الإنسانى فمديرة التصوير زوجة وأم، والحادثة مفاجئة للوسط الفنى ككل فرغم كافة الإجراءات وبروتوكولات تأمين الأسلحة وقعت الكارثة.
صدمة أقوى من كل الكلمات ومحاولات التوصيف، ومجرد الحديث عن الإهمال وتويتات الرثاء والمشاعر الحزينة عن حدث كان من المفترض أن يكون "عادى" وأصبح فى لحظة رهن التحقيقات والأسئلة والمسئولية الجنائية، والسؤال: كيف حدث؟
عندما اقتربت السينما المصرية من تلك الفكرة اعتمدت على فكرة "القصد" فى ارتكاب الجريمة ولم تكن سهواً أو حدث غير مقصود؛ بل كان دوماً فى إطار الجريمة المدبرة التى تتخذ المشهد التمثيلى غطاءً للقتل الخطأ، ولكن على أرض الواقع السينمائى الغربى كان للواقع وجه آخر فلم تكن تلك الحادثة الأولى أو الوحيدة بل سبقها العديد من الحوادث التى تسببت فى المزيد من إجراءات التأمين لتنفيذ تلك المشاهد؛ خاصة أن هناك حوادث وقعت نظراً لاحتراق بارود وغير ذلك من مواد.
المرة الوحيدة التى كانت خارج كل التوقعات والاحتياطات والتأمين، كانت عام ١٩٩٣ عندما قتل الممثل براندون لي نتيجة إصابته برصاصة في بطنه، لأن انطلاق الأعيرة النارية غير الحقيقية دفعت برصاصة حقيقية كانت عالقة بالسلاح، فأصابت الممثل ذا السابعة والعشرين نجل بروس لى وتسببت فى قتله!
ولكن وقوع حادثة إليك بالدوين بهذه الطريقة جعلها تتخذ عدة اتجاهات فى التحقيقات؛ لدرجة وضع فرضية "سبق الإصرار والترصد"!؛ نظراً لإصابة المخرج لمجرد وقوفه خلف مديرة التصوير.
بالتأكيد لن تمر هذه الحادثة وسنكتشف قريباً من ورائها وكيف تمت بهذه الصورة، وهل هى مدبرة بالفعل وهل أصابت من كان مقصوداً؟ أم مجرد إهمال نظراً لأن الفيلم يعتمد على تكلفة إنتاجية قليلة؟
على كل الأحوال ستفرض تلك الحادثة الكثير من التغييرات على تنفيذ الأفلام، وقد يتخذ النجوم إجراءات لحماية أنفسهم وكذا العاملين في الصناعة، وسيكون هناك واقع آخر ما بعد الحادثة حتى لا تصبح الرصاصة المفترض أنها "كده وكده" قاتلة.