بقلم : سحر الجعارة
77 عاما من العطاء، منها حوالى 50 عاما قضاها النجم "عادل إمام" على خشبة المسرح وفى استديوهات السينما والتليفزيون، يحفر مشوار نجوميته فى الصخر ، ويغير جلده عدة مرات، ويتنقل بين شخصيات متناقضة تنهك جهازه العصبى، ويسجل مواقفه السياسية والاجتماعية ليثير الجدل .. ومهما اختلفت مع بعض مواقفه لن تتذكر إلا انه رسم الابتسامة على شفتيك ومنحك بهجة مجانية وجسد آلامك على الشاشة.
يستحق "عادل" أن نتوقف أمامه باعتباره "ظاهرة استثنائية" فى تاريخ الفن المصرى، أن ندرس أفلامه ومسرحياته كجزء أصيل من الذاكرة الوطنية ، فهو صوت المظلومين والمهمشين فى (سلام يا صاحبى، حتى لا يطير الدخان، اللعب مع الكبار، وغيرهم).. وهو صرخة فى وجه الفساد والاستبداد والإرهاب ( المنسى، الإرهابى،طيور الظلام، وغيرهما) .. وهو فى كل الحالات طاقة إبداعية متجددة.
استطاع "عادل إمام" أن يكسر حاجز النجومية المرهون بوسامة النجم وسنه ، وأن يتخطى "شروط النجومية" المعتادة ليفرض شروطه الخاصة المرتبطة جذريا بالجمهور .. واحتفظ بتلك العلاقة الدافئة التى تربطه بمزاج الناس وتلبى احتياجاتهم النفسية فى كل مرحلة رغم التقلبات السياسية والاجتماعية.
ومع الوقت تحول الى "مؤسسة فنية"، شارك فى تأسيسها وإنجاحها كتاب كبار مثل: (وحيد حامد، لينين الرملى، يوسف معاطى).. ومخرجون أبرزهم "شريف عرفة ونادر جلال".. وكل من انتمى لهذه المؤسسة اكتسب بريقا خاصا ، وحقق أكثر من "دويتو" ناجح مع فنانات مختلفات ( 16 عملاً فنياً ما بين الدراما السينمائية والتليفزيونية كونت تاريخ الثنائى الناجح الذى جمع الزعيم بالفنانة "يسرا" ).
قد يرى البعض أن "عادل" قدم معظم أعماله (من تحت إبط النظام)، وانه لم يصطدم بالسلطة إطلاقا حتى فى الأعمال الدرامية التى انتقدت وعارضت بعض الأوضاع السياسية ،(منها النوم فى العسل مثلا)، والحقيقة أن الفنان ليس حزبا معارضا للنظام، ولا يجب أن يكون كذلك، فمهمة الفنان هى نشر الوعى والبهجة ، ورسالته مرتبطة بالعقل الذى ينبغى عليه السعى للتغيير بوسائله المشروعه.
حالة التصالح مع نظام "مبارك" والتردد فى تأييد ثورة 25 يناير، لا تعنى إطلاقا وضع الفن فى خدمة السلطة، لقد أدار "عادل" العلاقة الشائكة بين الفنان والسلطة بحساسية وذكاء شديدين.
"الذكاء" هو موهبة "عادل إمام" الرئيسية، وبه استطاع ان يملك قلوب الملايين من الجمهور العربى، وأن تصمد أعماله المسرحية سنوات طويلة، فى مواجهة إسفاف المسرح التجارى .. وأن يتصدر اسمه قائمة أضخم إنتاج تليفزيونى حتى الآن.
إنه موسوعة خاصة فى فن الإبهار والتقاط القضية الآنية التى تجذب الناس لمعالجتها فنيا، من الفتنة الطائفية فى "حسن ومرقص" إلى أزمة التطبيع مع إسرائيل فى "السفارة فى العمارة".. وصولاً إلى التعصب الدينى فى "مأمون وشركاه".. فإن كانت معالجة تلك القضايا تصب فى مصلحة "السلطة" فقد حقق من خلالها المعادلة الصعبة وجمع بين السلطة والشعب!.
حتى فى أعماله القديمة التى تبدو "سطحية" كان "عادل" هو مصدر الضحكة التى تزيل هموم المصريين، وقد حرص "عادل" على رصيده الجماهيرى طوال الوقت ، وأمد السينما المصرية بجيل من الكوميديانات أصبحوا الآن من نجوم الصف الأول.
إن شئت أن تحسب قيمة النجم "عادل إمام" ، فيجب أن تحسبها بحجم عطائه ومواقفه واختياراته الفنية ، أن تحسبها بكل إضافة يقدمها كل عام لشريط السينما والتليفزيون .. خصوصا بعدما بيعت ذاكرة الفن المصرى إلى قنوات عربية ( روتانا و ART ) ، واصبح الاستسهال سيد الموقف ، وتصدرت الأفلام التجارية المشهد.
عندما نتحدث عن "القوى الناعمة" لمصر يأتى "عادل إمام" فى المقدمة، وعندما نتحدث عن مكانة نجم فى الساحة الثقافية والفنية العربية سيكون هو "الأول"، إنه الناقد الاجتماعى والساخر الأعظم والمدهش دائما.
"عادل إمام" فى عامه الـ 77 .. دمت لنا.