رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


العناصر الشعبية والقومية فى أعمال بعض مؤلفى الموسيقى المصريين

7-11-2021 | 12:09


د. زين نصار,

يظل التراث الشعبى على الدوام معينا لا ينضب، ينهل منه كل متعطش للغوص فى أعماقه، وكل راغب فى البحث عن الأصالة فى حياة أى شعب من الشعوب. وقد وجد المؤلف الموسيقي المصرى فى التراث الشعبى لبلاده مصدرا فياضا لإلهامه الموسيقي، وباعثا له على تقديم مؤلفات موسيقية لها قيمتها الفنية، وهى فى نفس الوقت تستند على عناصر من التراث، سواء باستخدام الألحان الشعبية أو الآلات الموسيقية الشعبية مثل (الربابة-المزمار البلدى- السلامية.. وغيرها) أو باستخدام آلات موسيقية محلية لها ألوانها الصوتية المتنوعة والمميزة للمنطقة التى تنتمى إليها، مثل آلات (الناى- العود- القانون- الدف –الطبلة).

والجدير بالذكر أن الإبداع الموسيقى للمؤلفين المصريين قد اتخذ عدة صور منها:

  1. استخدام الألحان الشعبية المحلية فى مؤلفات أوركسترالية، وتقديمها فى شكل جديد يتناسب مع مدى استفادة كل مؤلف من دراسته لأساليب التأليف الموسيقى الأوروبى وسيطرته عليها، وكذلك مدى إلمامه بتراث بلاده الموسيقى الشعبى والتقليدى.
  2. استخدام آلات موسيقية شعبية وتقليدية محلية، لها ألوانها الصوتية المتميزة والمرتبطة بالبيئة التى عرفت فيها.
  3. استخدام العناصر سالفة الذكر فى مؤلفاتهم من خلال مؤلفات موسيقية أوروبية مثل (المتتالية- السيمفونية- القصيد السيمفونى – الكونشيرتو المنفرد.. وغيرها) ولكنهم حرصوا على أن يكون المحتوى الموسيقى لتلك المؤلفات محليا بشكل واضح، برغم استخدامهم لتلك الأشكال الأوروبية، مع إخضاع كل عناصر العمل الموسيقى لتحقيق ذلك الهدف، ومن تلك المؤلفات نذكر النماذج التالية: أولا: السيمفونية الثانية المعروفة بـ"الشعبية" فى سلم صول الصغير مصنف (21) لمؤلف الموسيقى المصرى أبوبكر خيرت (191. -1963) الذى ينتمى إلى جيل رواد التأليف الموسيقى فى مصر.

وقد أتم خيرت تأليف هذه السيمفونية فى صيف عام 1955. وقد نشات فكرتها عنده منذ أن كان يستمع مع بعض أصدقائه ذات ليلة إلى تسجيل لكونشيرتو البيانو والأوركسترا الأول فى سلم دو الصغير مصنف (1.) الذى ألفه عام 1944، فلما سئل، لماذا لاتحاول تأليف سيمفونية على ألحان مصرية؟ وهنا نشأ جدل بينهم، وكان من رأى أكثرهم أن الألحان المصرية هى ألحان ذات طابع غنائى رخو، لاتصلح لإستخدامها فى مؤلفات السيمفونية التى تكتب حركتها الأولى فى صيغةالسوناتا الدرامية التكوين التى تحتاج إلى بناء التقابل بين اللحنين الأساسيين المتعارضين، والذى تبنى عليهما الحركة الأولى من مؤلفات السيمفونية، ولكن أبو بكر خيرت لم يوافقهم على ذلك الرأى، وأصر على إمكان إنجاز سيمفونية تبنى على أساس ألحان مصرية. وفى صيف نفس العام بدأ خيرت فى إثبات وجهة نظره بشكل عملى، واتم تأليف سيمفونيته الثانية المعروفة (بالشعبية).

والواقع أنه قد نجح فى إثبات وجهة نظره، بأنه من الممكن تأليف سيمفونية على ألحان مصرية شعبية وتقليدية، ويعزفها الأوركسترا السيمفونى.

جاءت هذه السيمفونية فى أربع حركات على النحو التالى:

الحركة الأولى: متوسطة السرعة

وتشتمل على لحن أساسى يتفرع إلى ألحان أخرى جميعها ذات طابع غنائى، وهى مكتوبة فى صيغة السوناتا الدرامية الطابع المكونة من لحنين أساسيين يقدمهما المؤلف من خلال ثلاثة أقسام هى (العرض- التفاعل- إعادة العرض).

الحركة الثانية: بطئ وشجى

وهى مكونة من لحنين إستعار المؤلف أولهما من مقطوعة كان قد الفها للبيانو المنفرد، واللحن الثانى ذو طابع شعبى واضح، من تأليفه أيضا، ويقوم فيه المؤلف بتصوير الرقص الشعبى المعروف (رقص العصا- التحطيب).وفى الختام يسمع اللحن الأول من الأوركسترا كاملا، مع تذييل يبرزاللحنين تحت أضواء جديدة.

الحركة الثالثة: سريع ورشيق فى أسلوب الإسكرتسو

 وتبنى هذه الحركة على لحنين، الأول راقص متوثب يعرف يالرقص الإسكندرانى، الذى يؤديه أبناء الإسكندرية فى (زفة العريس)، وتستعرضه آلات النفخ بالتناوب بينها.واللحن الثانى لحن قوى وتعزفه المجموعة كاملة، ويتصل ختام هذه الحركة ببداية الحركة الرابعة والأخيرة مباشرة عن طريق نغمات طويلة تعزفها آلات الكورنو.

الحركة الرابعة: ختام سريع

وهذه الحركة مكتوبة فى صيغة الروندو المطولة، وصيغة الروندوعزيزى القارئى تعتمد على لحن أساسى يتكرر عدة مرات، وبين كل تكرار وآخريظهر لحن جديد، وتختتم الصيغة باللحن الأساسى. وقد وضع المؤلف لهذه الحركة برنامجا تصويريا محددا، فقد أراد من خلالها تصوير رحلة نهر النيل من المنبع إلى المصب.    

وتبدأ الموسيقى بنداء قوى تؤديه مجموعة آلات الكورنو، وتسمع دقات من الطبول تنبؤنا أننا فى أواسط أفريقيا، حيث ينبع نهر النيل، ويرمز المؤلف إلى النهر نفسه بلحن متوثب سريع تؤديه الآلات الوترية، ويتكرر دائما خلال هذه الحركة ثم يعقبه لحن إستطرادى يرمز إلى السودان، وهو لحن راقص يمكن تبينه بسهولة، وعندما يصل نهر النيل إلى مصر، يسمع لحن يمثل الإنتصار، يتبع ذلك إستعراض لعدة ألحان من حركات السيمفونية متطابقة مع لحن نهر النيل، ثم يختتم المؤلف السيمفونية بلحن الانتصار وتؤديه آلات الأوركسترا كاملة فى قوة ووضوح.

ثانيا: المتتالية الشعبية لأبو بكر خيرت

أتمها أبوبكر خيرت فى أواخر عام 1958، وفاز عنها بجائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى عام1959. وقد بنى خيرت موسيقى هذه المتتالية على أساس بعض الألحان الشعبية التى كان يغنيها فى صباه. وتكونت هذه المتتالية من ست مقطوعات، جاءت على النحو التالى:

المقطوعة الأولى: بعنوان مدخل

وهى مكتوبة فى قالب البشرف المعروفة فى الموسيقا العربية التقليدية. ويتكون البشرف عادة من أربعة ألحان أساسية يطلق على كل منها اسم (خانة)، ويفصل بين كل خانة وأخرى لحن أصغر يسمى (التسليم) ويختتم به البشرف.

 

المقطوعة الثانية: بعنوان (أغنية وقانون).

استخدم المؤلف فيها آلة القانون العربية مع الأوركسترا السيمفونى – وإن لم يكن أول من فعل ذلك – وقد استخدمها المؤلف بحذر شديد، فلم يمزج بين دورها ودورآلات الأوركسترا المختلفة، وإنما بدأ بمقدمة من الأوركسترا تنتهى بالتمهيد لعازف القانون المنفرد ليصول ويجول وحده مستعرضا قدراته التكنيكية وبراعته فى الانتقال بين مقامات الموسيقى العربية المختلفة، وقد قام بعزف آلة القانون فى الأسطرانة المسجلة عليها هذه المتتالية، عازف القانون البارع عبدالفتاح منسى (1924- 199.). وبعد أن ينتهى عازف القانون من عزفه، يعود الأوركسترا للعزف حيث تنتهى المقطوعة.

يلى ذلك خمس مقطوعات بناها المؤلف على ألحان بعض الأغانى الشعبية التى كان يغنيها فى صباه، لجمال ألحانها وبساطتها، وقد جاءت المقطوعات الخمسة على النحو التالى:

المقطوعة الثالثة: مبنية على لحن الأغنية الشعبية المعروفة (عطشان يا صبايا دلونى على السبيل)

وقد جاءت فى صورة  المارش، وتعزف بقوة وسرعة. وتبدأ الموسيقا بعزف من آلة التمبانى والكاسات النحاسية وباقى آلات الأوركسترا، ويؤدى اللحن آلات الكورنو، ثم يتبادل عزفه آلات النفخ الخشبية والوتريات، وتختتم المصطوعة فى هدوء.

المقطوعة الرابعة: وهى مبنية على لحن (يمامة حلوة ومنين أجيبها)

وتبدأ موسيقاها بنغمات طويلة من آلات النفخ الخشبية تساندها الآلات الوترية، ثم تعزف اللحن على التوالى آلات (الفاجوت والكلارينيت- الكلارينيت – الكورنو- الفاجوت-الكلارينيت- الفلوت- الكلارينيت- الفلوت) تصاحبها الآلات الوترية بالعزف نبرا بالأصابع مع آلة الدف.

يلى ذلك فقرة تعزفها الوتريات نبرا، ثم يعزف اللحن على التوالى آلات (الكلارينيت- الفلوت- الكلارينيت- الفلوت-الوتريات) ثم تعزف اللحن آلات النفخ الخشبية، حيث تنتهى المقطوعة فى هدوء.

المقطوعة الخامسة: وهى مبنية على لحن الأغنية الشعبية لسورية (بفتة هندى)

وجاء لحنها بطيئا ذو طابع غنائى.

المقطوعة السادسة: وهى مبنية على لحن (وجننتينى يا بنت يا بيضة) لداود حسنى

وتبدأ بعزف من الوتريات ثم تتبادل عزف اللحن الآلات التالية (كلارينيت- الوتريات- فلوت) وتنتهى المقطوعة فى هدوء.

المقطوعة السابعة والأخيرة: وهى مبنية على لحن (أنصتوا أيها الصحاب) من المسرحية الغنائية (شهرزاد) لسيد درويش

قد جاءت الموسيقى فى صورة المارش القوى السريع، وتبدأ بعزف من آلات الإيقاع، ويؤدى اللحن الأساسى آلة (الترومبيت)، ثم تشارك باقى آلات الأوركسترا فى عزف اللحن، حيث تقوم آلات النفخ وآلات الإيقاع بالدور الرئيسى فى عزف موسيقى هذه المقطوعة، التى تختتم فى قوة ووضوح.

ثالثا: السيمفونية الثالثة: فى سلم دو عمل رقم (23 )لأبوبكرخيرت: الحركة الثانية:

أتم المؤلف هذه السيمفونية فى أواخرأبريل عام 1958. وقد جاءت الحركة الثانية من السيمفونية بطيئة وشجية، وصاغها المؤلف فى صيغة (اللحن وتنويعاته)، وهى الصيغة الموسيقية عزيزى القارئ يقدم فيها المؤلف اللحن فى صورته الأصلية ثم يعيد تقديمه عدة مرات بأشكال مختلفة، فقد يغير سرعة الأداء أو الميزان الموسيقى، أو الآلات المؤدية للحن، وغير ذلك من أساليب التنويع الموسيقى.المختلفة وقد بنى المؤلف هذه الحركة على أحد ألحان المسرحية الغنائية (شهرزاد) لسيد درويش واللحن لايزيد عن ثمانى مازورات، أضاف إليها المؤلف أربع مازورات من تأليفه لإعادة الجملة الموسيقية إلى السلم الموسيقى الأساسى للمقطوعة وهو سلم صول الكبير. وقد قدم خيرت اللحن مع سبع تنويعات أوركسترالية على النحو التالى:

التنويع الأول: جاء هارمونيا، وفيه يظل اللحن محتفظابصورته الأصلية مع إدخال مركبات هارمونية مصاحبة له تعزفها آلة الهارب.

ومن الثالث التنويع وحتى التنويع السادس جاءت تنويعات ميلودية وبوليفونية وإيقاعية. وفى التنويع السابع والأخير، يبدأ اللحن فى العودة إلى صورته الأصلية وتعزفه الأوركسترا كاملة، وينتهى هذا الجزء بتذييل ختامى يتم إستعراض الألحان فيه تحت أضواء جديدة.

رابعا: الإفتتاحية الشعبية: فى سلم فا الكبير من المجموعة رقم (26) لأبوبكر خيرت

أتم المؤلف هذه الإفتتاحية فى شهر ينايرعام 1960، وأهداها إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وفى هذه الإفتتاحية يستغل خيرت بعض الألحان المميزة لأغانى سيد درويش فى صياغتها، وبناهاعلى أساس لحنين متعارضين فى الطابع من ألحان مسرحيته الغنائية (شهرزاد)، كما استخدم لحنا فرعيا من المسرحية الغنائية (العشرة الطيبة) لسيد درويش أيضا، فجاء اللحن الأول نشيطا وله صفات اللحن الأول فى صيغة السوناتا، وجاء اللحن الثانى غنائى الطابع.

ويتقابل هذان اللحنان فى قسمى العرض والتفاعل، ثم يدعم المؤلف اللحن الأول بألحان أخرى من تأليفه تؤديها الآلات الوترية أحيانا وآلات النفخ أحيانا أخرى، فيما يشبه طابع (التقاسيم)، ثم يسمع لحن ثالث قبيل إعادة العرض، حيث يستعاد اللحنان الأولان فى سلم فا الكبير، ويعقب ذلك ختام سريع للإفتتاحية من كل آلات الأوركسترا.

خامسا: المتتالية الأوركسترالية (صور شعبية) لكامل الرمالى (1922 -2.11)

أتمها المؤلف عام 1968، وقدمت لأول مرة فى التاسع والعشرين من يونيوعام 1968، وعزفها أوركسترا القاهرة السيمفونى، وتتكون المتتالية من خمس مقطوعات بناها المؤلف على ألحان شعبية مصرية جاءت على النحو التالى:

المقطوعة الأولى: مبنيةعلى لحن (ياحسن ياخولى الجنينة) وهو لحن شائع، وقد أعاد المؤلف صياغته بأشكال متنوعة، وتؤديه مختلف آلات الأوركسترا على التوالى، كما أن اللحن يظهر أحيانا فى صورة إيقاعية، ويلاحظ استخدام آلة الكلارينيت بوضوح فى هذه المقطوعة.

المقطوعة الثانية (دعاء) ولحنها ذو طابع دينى، ويغلب عليه الوقار. وتؤديه آلات النفخ الخشبية والنحاسية على هيئة شذرات لحنية متتالية وتصاحبها الآلات الوترية بالعزف نبرا بالأصابع، كما تقوم آلات (الطبلة الجانبية- المثلث- الإكسيلوفون –الهارب) بأدوار بارزة.

المقطوعة الثالثة: وهى مبنيةعلى اللحن الشعبى المعروف (سلم على) ويعرضه المؤلف بلغة هارمونية، وكتابة أوركسترالية فعالة، ويستنبط تآلفاته الهارمونية من طبيعة الألحان المصرية. وتبدأ المقطوعة بعزف من آلة الفاجوت، ترد عليها آلة التشيللو، ثم يتبادل عزف اللحن مع آلات النفخ الخشبية آلتا الهارب والطبلة الجانبية، وبعد ذلك تقوم الوتريات بعزف اللحن الذى يظهرفى كل الحالات فى صورة شذرات لحنية ذات طابع إيقاعى.

المقطوعة الرابعة: وهى مبنية على اللحن الشعبى المعروف (حب العزيز الربعة بقرش) وهو لحن يتميز بإيقاعاته الواضحة، ويتبادل عزفه آلات النفخ والآلات الوترية.

المقطوعة الخامسة: وهى مبنية على لحنى (زفة العروسة) و(آه يازين) واللحن الأول شائع وله طابعه المعروف. أما اللحن الثانى فقد سبق استغلاله فى أكثر من عمل فى الموسيقى العربية المتطورة. وتبدأ المقطوعة بعزف لحن (زفة العروسة)، وتتبادل عزفه آلات (الفاجوت - الأوبوا–الترومبيت)، ثم يسمع لحن (آه يازين)، وتعزفه على التوالى آلات (الفيولا والتشيللووالأوبواوالكلارينيت والوتريات ثم آلات النفخ النحاسية). ويلاحظ هنا أن المؤلف قد استخدم لغة هارمونية مناسبة للألحان الشعبية التى تناولها، فقدمها بلغة موسيقية حديثة يغلب عليها عنصر الإيقاع، كما تتميز هذه المعالجة الموسيقية بالوعى الناضج بالمساحة الصوتية للآلات الأوركسترالية المختلفة.

سادسا: كونشيرتو العود والأوركسترا فى مقام الحجاز كار كرد، لعطية شرارة (1923 -2.14 ). وقد أتم المؤلف هذا الكونشيرتو فيما بين عامى(1983- 1984 )، وحاول فيه استغلال أحد المؤلفات الموسيقية الأوروبية، وهو الكونشيرتو المنفرد، وعمل على تطويعه لخدمة الموسيقى العربية، واستغله أحسن استغلال، وقدم من خلاله الحانا سلسة أظهرت إمكانيات آلة العود ولونها الصوتى المميز.

وقد جاء الكونشيرتو فى ثلاث حركات على النحو التالى:

الحركة الأولى: سريعة وتستهل بمقدمة فخمة من الأوركسترا، ويشارك عازف العود المنفرد فى الأداء، مظهرا إمكانيات هذه الآلة العربية المتميزة بلونها الصوتى المعروف، ثم يتوالى تتابع العزف المتبادل بين العازف المنفرد والأوركسترا، ويكرر الجملة الإستهلالية بصورة مختصرة، وتتميزهذه باللغة الهارمونية الرصينة، بالإضافة إلى الكتابة الأوركسترالية المؤثرة.

ويلاحظ أن الألحان التى يؤديها عازف العود المنفرد مستوحاة من أسلوب عزف تراث الموسيقى العربية الكلاسيكية.

الحركة الثانية: بطيئة وغنائية الطابع وتزخر موسيقاها بالموازين الموسيقية العربية. ولقد حاول المؤلف أن يستغل أسلوب العزف التقليدى فى الموسيقى العربية فى أحسن صورة، وبعد ذلك يقدم العازف المنفرد الكادنزا على صورة تقاسيم، وتختتم الحركة بعزف من آلة العود بمصاحبة الآلات الوترية الغليطة الصوت التى تعزف نبرا بمصاحبة إيقاع عربى رصين. وقد بنى المؤلف هذه الحركة على اللحن الشعبى المعروف (أيوب المصرى).

الحركة الثالثة: سريعة وتستهل فى فخامة من الأوركستراوعازف العود المنفرد، وتعتمد هذه الحركة على إيقاع عربى ذوطابع راقص ومتوثب. ويقدم عطية شرارة سلسلة من الألحان ذات الجمل اللحنية السلسة التى تشبه إلى حد كبير فى طبيعتها الألحان الشائعة، وتقدم هذه الألحان فى بعض الأحيان مجزأة من العازف المنفرد والأوركسترا. ويختتم الكونشيرتو فى جو عربى بهيج، ونلاحظ هنا أن المؤلف حرص على إظهار براعة عازف العود المنفرد، كما هو المعتاد فى مؤلفات الكونشيرتوالمنفرد، من الناحيتين التكنيكية والتعبيرية.

سابعا: الكونشيرتو المصرى الأول للفيولينة والأوركسترا، فى سلم سى بيمول الكبير، لعطية شرارة:     

أتمه المؤلف عام 1977، وبنى حركته الثالثة على اللحن الشعبى المعروف (يا نخلتين فى العلالى يا بلحهم دوا)، وفى هذا العمل يعتمد المؤلف على بعض الألحان السلسة، ويستغلها أحسن إستغلال فى لغة هارمونية رصينة تساعد على إظهار طبيعة ألحانه المصرية.

ونلاحظ هنا أن المؤلف قد إستخدم مقاما موسيقيا مشتركا بين الموسيقى العربية والموسيقى الأوروبية، ونظرا لأنه عازف بارع على آلة الفيولينة (الكمان)، فقد تفنن فى إبراز إمكانيات عازف الفيولينة المنفرد من الناحيتين التكنيكية والتعبيرية.

ثامنا: الكونشيرتو الثانى للفيولينة والأوركسترافى سلم دو الصغير، لعطية شرارة:

أتمه المؤلف عام 1977، وفاز عنه بجائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى عام 1983، وقد جاء الكونشيرتو فى ثلاث حركات على النحو التالى:

الحركة الأولى: بناها المؤلف على اللحن الشعبى المعروف (ياحسن ياخولى الجنينة ياحسن )، وتبدأ الحركة بعزف من الأوركسترا، يسمع بعدها عازف     الفيولينةالمنفردة ليقدم اللحن أولا محورا، ثم يقدمه فى صورته الأصلية، ويعزفه بمصاحبة آلة الرق، وبعدها يقدم العازف المنفرد فقرات تكنيكية تتطلب مهارة فى الأداء، ثم ما يلبث أن يعود اللحن فى صورته الأصلية من جديد، حيث يتبادل العازف المنفرد أداء اللحن تارة مع الآلات الوترية، وتارة أخرى مع آلات النفخ، حتى تختتم الحركة فى قوة ووضوح.

الحركة الثانية: بطيئة وذات طابع غنائى

ويقدم فيها عطية شرارة اللحن السابق محورا وبصور مختلفة، وقرب نهاية الحركة يؤدى العازف المنفرد فقرة تظهر براعته فى العزف.

الحركة الثالثة: سريعة ونشطة وهى مبنية أيضا على اللحن الشعبى المعروف (ياحسن ياخولى الجنينة)، وتبدأ بعزف من الأوركسترا، ثم يسمع عازف الفيولينة المنفردة، وبعدها يؤدى الألحان بالتبادل مع بعض آلات الأوركسترا أحيانا، ومع الأوركستراكاملا أحيانا أخرى، حتى تنتهى الحركة والكونشيرتو فى قوة ووضوح.

تاسعا: كونشيرتو الناى فى مقام الراست.. لعطية شرارة:

أتم المؤلف هذا الكونشيرتوعام 198.، وجاءت حركته الثالثة مبنية على لحن (أذان الصلاة)الإسلامية. وقد جاء الكونشيرتو فى ثلاث حركات على النحو التالى:

الحركة الأولى: سريعة، ويسمع فيها الناى منذ اللحظة الأولى بلونه الصوتى المتميز، مؤديا ألحانا مسترسلة، ثم يتبادل الحوار الموسيقى مع باقى الآلات المصاحبة له، حتى تنتهى الحركة.

الحركة الثانية: بطيئة ويغلب عليها طابع الهدوء والتأمل.

الحركة الثالثة: سريعة ويسمع خلالها لحن (أذان الصلاة) الإسلامية، ويؤديه عازف الناى المنفرد، ثم يتبادل الحوار الموسيقى مع باقى الآلات المصاحبة له، وبعدها تسمع فقرة تشبه الكادنزا، يستعرض فيها عازف الناى المنفرد براعته فى الأداء وخاصة فى الجانب التكنيكى، ثم ينضم إلى باقى أعضاء الفرقة الموسيقية حتى تختتم الحركة فى سرعة وقوة.

عاشرا: المتتالية العربية.. لعطية شرارة:

يرجع تأليف هذه المتتالية إلى عام 1968، وقد ألفها عطية شرارة أثناء عمله فى بعض البلاد العربية فى ذلك الوقت.

وتتكون هذه المتتالية من سبع مقطوعات جاءت على النحو التالى:

  • مقدمة أندلسية.
  • لحن من صعيد مصر هو (ياابوسنة دهب لولى).
  • موسيقا موشح (لما بدا يتثنى ).
  • لحن من سوريا ولبنان هو (حول ياغنام ).
  • لحن من تونس هو (أليف ياسلطانى ).
  • لحن من ليبيا هو (جايبلى جيته من فم الباب).
  • لحن مصرى هو (الحنة الحنة ياقطر الندى ).

 وقد صاغ عطية شرارة هذه الباقة من الألحان العربية الشائعة، فى متتالية عربية، وهى تتميز بالتلوين الأوركسترالى واللغة الهارمونية الرصينة التى تعكس أسلوب عطية شرارة فى إستغلال الألحان العربية فى محاولة جادة لإعادة صياغة بعض الألحان العربية السلسة مع الإستفادة من العلوم الموسيقية الأوروبية، وتطويعها لخدمة الموسيقى العربية المحلية، والتى قدمها شرارة هذه

المرة من خلال مؤلف المتتالية المعروف فى الموسيقى الأوروبية.

وهكذا ترى عزيزى القارئ أن عطية شرارة قد صاغ هذه الباقة من الألحان العربية الشائعة فى متتالية عربية، تتميز بالتلوين الأوركسترالى البراق، واللغة الهارمونية الرصينة، تعكس أسلوبه فى إستغلال الألحان العربية فى محاولة جادة منه لإعادة صياغة بعض الألحان العربية السلسة مع الاستفادة من العلوم الموسيقية الأوروبية، وتطويعها لخدمة الموسيقى العربية.

حادى عشر: السيمفونية العربية.. لرفعت جرانة (1924-2.17 ):    

ألفها جرانة عام 1962، تحت تأثير فكرة الوحدة العربية التى كانت مطروحة بقوة على الساحة السياسية فى ذلك الوقت من خلال خطابات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وقد إعتمد المؤلف إلى جانب إستخدامه للألحان الشعبيةالعربية الأصيلة، على إستخدامه الإيقاعات العربية، فاستغل ميزان السماعى الثقيل المحتوى على عشر وحدات زمنية، فى الحركة الثالثة من السيمفونية. وتعتبر هذه السيمفونية خطوة هامة نحو إستخدام المؤلفات الموسيقية العالمية فى موسيقانا العربية المتطورة.وقد جاءت السيمفونية العربية فى أربع حركات على النحو التالى:

الحركة الأولى: سريعة ومبنية على اللحنين الشعبيين (عطشان ياصبايا دلونى على السبيل)و(خد البزة واسكت خد البزة ونام). وقد إستطاع المؤلف أن يستغل إمكانيات الأوركسترا السيمفونى الكبيرفى عرض ألحانه وفى إستثمارها، مستغلا قدراته على الكتابة الأوركسترالية الفعالة.

الحركة الثانية: معتدلة السرعة وفى إستطالة، وهذه الحركة مكتوبة بأسلوب بوليفونى، وتعتمد على بعض الألحان الشائعة نذكر منها لحن (آه يازين).

الحركة الثالثة: سكرتسو

وتفيض هذه الحركة بالحيوية، ويعرض المؤلف خلالها اللحن المعروف (على دلعونة) يلى ذلك قسم الثلاثية، ويستغل المؤلف فى هذه الحركة الإيقاع العربى الأصيل وهو السماعى الثقيل الذى يحتوى على عشر وحدات زمنية، مما يعطى هذه الحركة بصفة خاصة، والسيمفونية بصفة عامة، لونا مميزا ثم يعاد الإسكرتسو مرة ثانية.

الحركة الرابعة: تستهل بمقدمة بطيئة ذات طابع غنائى، يسمع خلالها اللحن الشائع(حول ياغنام) يلى ذلك القسم الأساسى من الحركة ولحنه الأساسى هو نفسه لحن المقدمة، أما اللحن الثانى فتقدمه آلة الكورنو الإنجليزى، وهو يعتمد على لحن (الله أكبر)  ويستعرضه المؤلف من المجموعات المختلفة من الآلات الموسيقية، يلى ذلك قسم التفاعل ويتبعه قسم إعادة العرض فيعرض المادة اللحنية الأساسية، وتختتم الحركة فى رقة ونعومة.

ثانى عشر: كونشيرتو القانون والأوركسترا لرفعت جرانة (1924 -2.17 ):

أتم المؤلف هذا الكونشيرتو فى الخمس عشرمن أكتوبر عما 1966. وفى هذا الكونشيرتو إستخدم المؤلف آلة القانون العربية وهى آلة محلية، كما أنه قد بنى حركات السيمفونية الثلاث على ألحان دينية إسلامية، جاءت على النحو التالى:

الحركة الأولى: متوسطة السرعة، وتعتمد على التكبيرات والتهليلات التى تتردد فى صلاة عيدى الفطر والأضحى فى العالم الإسلامى، ويعزفها أولا الأوركسترا كاملا فى قوة ووضوح، ثم يؤديها عازف القانون المنفرد، ويعيد تقديمها بأشكال مختلفة.وتتميز هذه الحركة باستخدام الإيقاعات العربية الأصيلة، ويزيد تتابعها فى عرض الموسيقا فى قوة وحيوية.

الحركة الثانية: بطيئة وغنائية

وتبدأ فى نعومة، ثم نستمع إلى لحن تمهيدى من آلة القانون المنفردة، يتميز بالصفاء ويعتبر خير تمهيد لسماع اللحن الأساسى للحركة وهو(طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكرعلينا مادعى لله داع ) الذى يتردد فى السماع، منذ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وتقدمه أولا آلات النفخ النحاسية، ثم تستعرضه الآلات الوترية فى قوة وعنف وتجاوبها آلات النفخ الخشبية فى تسلسل يتميز باليسروالسهولة مع عرض كامل لإمكانيات آلة القانون.

الحركة الثالثة: سريعة دون إسراف

تعتمد هذه الحركة فى بنائها الموسيقى على لحن (أذان الصلاة) الإسلامية الذى يتردد فى العالم الإسلامى للدعوة للصلاة خمس مرات فى اليوم، وتبدأ الحركة من العازف المنفرد على آلة القانون الذى يقدم اللحن الأساسى ثم يتبعه الأوركسترا كاملا بعرض سريع للحن، وبعد فقرة إنتقالية، تسمع الألحان الأساسية للحركات السابقة فى أشكال مختلفة ومتداخلة، فى أسلوب بوليفونى لم نألفه من قبل فى المؤلفات الموسيقية العربية، وتختتم الحركة فى قوة ووضوح.

وهكذا عزيزى القارئ ترى أن مؤلف الموسيقى المصرى الراحل رفعت جرانة قد إستخدم آلة موسيقية محلية، وألحانا دينية إسلامية قوية التأثير على سامعيها.

 - ثالث عشر: فانتازيا للعود والأوركسترا: للدكتور سيد عوض(1926 -2...) أتمها المؤلف عام 1984، وهى وإن كانت من حركة واحدة متصلة، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام تستهل بالقسم الأول وهو بمثابة المقدمة أو التمهيد للعمل كله، يلى ذلك القسم الثانى وخلاله يعبر المؤلف عن الإنسان المتحضر عندما يتعرض لمصاعب الحياة وما فيها من مآسى ثم ينتقل إلى القسم الثالث، ويعبرفيه المؤلف عن (التأمل والتفكير) فى محاولة للتجاوزعن المواقف الصعبة فى الحياة، والتى يمر بها الإنسان بالشكل الذى أراده الله سبحانه وتعالى.

وتتميز موسيقى الفانتازيا بالتوازن الكامل بين الأجزاء الإنفرادية لآلة العود، والأجزاء التى يؤديها الأوركسترا، خلال التدفق اللحنى للحوار بين آلة العود وآلات النفخ الخشبية فى حوار أخاذ تشارك فيه الوتريات فى أسلوب ينم على مقدرة المؤلف على الكتابة لآلات الأوركسترا بتفهم كامل. وفى النهاية يعبرعن الأمل وضرورة استمرار الحياة.

 

وهكذا عزيزى القارئ ترى أن المؤلفين الموسيقيين المصريين الذين أشارنا إليهم، قد استخدموا فى مؤلفاتهم عناصر شعبية وقومية محلية لإثراء مؤلفاتهم وتدعيمها بألوان موسيقية خاصة تميزها عن غيرها من المؤلفات، وهم فى سبيل ذلك لجؤا إلى إستخدام الألحان الشعبية أو الآلات الموسيقية التقليدية المحلية مثل (الناى- العود- القانون – الكمان –الدف).

وفى النهاية حصلنا على مؤلفات واضحة المعالم ومنتمية إلى الهوية الموسيقية المصرية، مع استخدام الأوركسترا السيمفونى كوسيلة للتعبير، وجعل آلاته تعزف بلغة موسيقية عربية.

المراجع:

1-أحمد المصرى: تعليقات على برامج حفلات أوركسترا القاهرة السيمفونى، ايام (2.|7/1963 – 4/1/1964 –

25/2/1982 – 18 /1/1985 – 12 /4 /1985 – 28 /6 /1985 – 16/5/1968 – 6/1 /1989 ).

2-د. زين نصار: إتجاهات فى الموسيقا المصرية المعاصرة، القاهرة، مجلة الفن المعاصر، اكاديمية الفنون، المجلد الأول، العدد الثانى، شتاء 1986.

3-محمود كامل: تذوق الموسيقى العربية، القاهرة، اللجنة الموسيقية العليا، سلسلة الكتب الثقافية، الناشرمحمد الأمين، 1979.

 4-لقاءات شخصية مسجلة مع بعض المؤلفين الذين ورد ذكرهم فى هذه الدراسة.

5-تسجيلات صوتية للمؤلفات الموسيقية، التى ورد ذكرها.

   أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون