تقرير يكتبه: عبد اللطيف حامد - محمود أيوب
لا خلاف بين الخبراء والمحللين الخليجيين أن نظام «تميم» تمادى فى الأخطاء والخطايا على مدى السنوات الأخيرة، على رأسها مؤامرات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية لزعزعة استقرارها، ودعم التنظيمات والجماعات الإرهابية سرا وعلانية، تمويلا، وإقامة على أراضى الإمارة، واستخدم قناة الجزيرة وأخواتها فى نشر الفوضى فى دول المنطقة لصالح قوى خارجية، وشق الإجماع العربى فى التعامل مع إيران كدولة معادية بحجة أنها قوة محورية دون إدراك توابع ذلك على الأمن القومى العربى.
يتوقع المحللون الخليجيون أن تتدخل الأسرة القطرية الحاكمة سريعا لإجبار «تميم» على العودة للصف العربى؛ لأن الإمارة لن تتحمل نتائج قرارات قطع العلاقات من الدول الكبرى فى مجلس التعاون الخليجى بزعامة السعودية والإمارات ثم مصر، وستتوالى الخسائر فى مختلف المجالات بسبب حالة «العزلة الإجبارية» المفروضة عليها، وسيتصاعد الغضب الشعبى لعزله، واستبداله بأمير آخر من تيار اليمين المعتدل.
يؤكد الدكتور عمر الحسن رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية والسياسية أن دول مجلس التعاون الخليج بقيادة السعودية حاولت مرارا وتكرارا بكافة السبل تقديم النصيحة لقطر لتعود لأشقائها فى المجلس، وتحرك الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز منذ عام ٢٠١٣ لدفع الدوحة للالتزام بنهج دول مجلس التعاون الذى يتبنى سياسة الحفاظ على قوة العلاقات سواء مع الدول الأعضاء بشكل خاص أو مع الدول العربية بصفة عامة، وفى مقدمتها مصر، وضرورة العمل على ضمان استقرارها، وأمنها، وفى هذا الاتجاه قامت دولة الكويت بمبادرة من الأمير صباح الأحمد الجابر فى نوفمبر بالوساطة بين السعودية والإمارات والبحرين لإزالة التوتر مع النظام الحاكم القطرى، وترتب على ذلك إعادة السفراء بشرط تعهدات الدوحة بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للقاهرة أو أى دولة خليجية، والتوقف عن دعم وتمويل التنظيمات والجماعات الإرهابية، وطرد عناصر جماعة الإخوان من أراضيها، وعلى رأسهم المطلوبون أمنيا فى مصر، مع غلق أبوابها فى وجه التيارات المعارضة للشرعية فى مختلف الدول العربية، ورغم أن القطريين وافقوا على كل هذه التعهدات، إلا أنهم بعد فترة بسيطة تراجعوا عنها تماما مما زاد حالة الغضب ضدهم.
ويضيف رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية والسياسية إننى كمواطن بحرينى وخليجى أعتقد أن الأزمة مع قطر دخلت مرحلة اللاعودة بعد فاعليات القمة الإسلامية الأمريكية التى استضافتها الرياض، فهى لم تلتزم بنتائجها والدعوات التى خرجت بها من ضرورة محاصرة الإرهاب، إلى جانب أنها خالفت الإجماع الخليجى حول إيران باعتبارها دولة معادية، لا تكف عن التدخل فى شئون بلادها بداية من المنطقة الشرقية فى السعودية ومرورا بالوقوف وراء العديد من التفجيرات فى الكويت حتى مبنى السفارة الإيرانية بها، ثم التدخل السرى والعلنى فى اليمن لدعم الحوثيين لإزاحة السلطة الشرعية، ولم تفلح كل محاولات دول الخليج فى التحاور مع طهران لرفع يدها عن دول المنطقة، بينما يأتى النظام القطرى ليعترف على الملأ بأن إيران دولة محورية، ولابد من التحاور معها، وتتعامل الدوحة معها بدون غضاضة وكأنه ليس هناك أية مشكلة أو خلاف، لدرجة أن الملك سلمان أعلن رفضه لهذه العلاقة المشبوهة قائلا» لقد طفح الكيل».
محنة الدوحة
ويشير د. الحسن إلى أن قرارات قطع العلاقات من جانب مصر والسعودية والإمارات والبحرين ثم تبعهم اليمن وليبيا وجزر المالديف كان إجباريا، فالنظام القطرى لم يترك الفرصة لاختيار آخر، فهو موقف شبه جماعى لردع الدوحة، وإعادتها للمنظومة العربية من جديد، لأنها لا تستطيع أن تعيش بدون أشقائها الخليجيين، وأصبحت فى عزلة تامة، فالعبور برى لها إلا من خلال المعبر السعودى، وحتى المجال الجوى لم يعد أمامها إلا العبور عن طريق إيران، وهذا سيزيد الفجوة مع دول الخليج، ويعجل باتخاذ إجراءات تصعيدية، نظرا لقيام دول أخرى بإعلان المقاطعة الشاملة معها مثل المغرب والجزائر وتونس والأردن، والغريب أن مسئولى الحكومة القطرية يعلمون أن الإيرانيين لا يتعاملون معهم «الند بالند» لكن مجرد تابع لها بينما يتفاخرون بالتعاون معهم.
ويتوقع رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية والسياسية أن يبادر الحكماء داخل الأسرة الحاكمة بردع الحكومة القطرية وتميم، والتصدى لتطاولهم على الدول العربية خاصة المملكة العربية السعودية ومصر.
عزل تميم
بينما يرى خالد المجريشى الإعلامى السعودى أن النظام القطرى «لف حبل المشنقة حول رقبته» عندما دفع دول مجلس التعاون الخليجى ومصر لقطع العلاقات مع الدوحة، وإذا لم يغير تميم سياسته فى التعامل مع الدول العربية فسيتصاعد الغضب الشعبى فى قطر، وبوادره بدأت بالفعل لعزل تميم، ووصول بديل إلى العرش من تيار اليمين المعتدل داخل الأسرة الحاكمة، وفى الغالب سيكون انقلابا ناعما، وهذا ليس غريبا لأن قطر بلد الانقلابات، وبين عشية وضحاها يمكن أن تنقلب الأمور على رأس الأمير الشاب، ومن الواضح أن الشيخة موزة أصبحت مكبلة الأيدى منعا لاشتعال الموقف داخل القصر الحاكم أو خارجه.
وقال المجريشى إن الشعب القطرى والأسرة الحاكمة لن ينتظروا طويلا لحالة العزلة التى فرضتها عليهم حماقات النظام الحالى، وستزيد توابع قرارات المقاطعة من حدة الموقف، فالخسائر ستكون بمئات المليارات، بدليل أن البورصة القطرية تراجعت بمعدل ٨ فى المائة حتى ظهر الاثنين، وقابلة لمزيد من الهبوط، والعملة المالية ستتهاوى أمام وقف تبادل العملات والتعاملات فى مختلف المجالات مع الدول العربية الأخرى سواء الخليجية أو غيرها، وعلى المسئولين أن يدركوا أن أية محاولة للخروج من المأزق عن طريق الارتماء فى حضن إيران سيكون بمثابة انتحار لأن الأخيرة تعانى مشكلات داخلية وخارجية، ومعظم الدول العربية لن تغفر للدوحة هذه الخطوة أبدا.
ويتوقع المجريشى أن تتدخل الكويت كعادتها وقت الأزمات من أجل الوساطة بين دول مجلس التعاون الخليجى ومصر من ناحية وبين قطر من ناحية أخرى، لكن لابد أن تكون التعهدات القطرية مكتوبة ومعلنة حتى لا تتنصل منها فيما بعد كما عودتنا، ولم يعد مجرد « تقبيل الخشوم» كافيا، يجب أن تعترف الدوحة بأنها كانت وراء أزمات العديد من الدول العربية، وتفجير الأوضاع بها من خلال ذراعها الإعلامية «قناة الجزيرة وأخواتها» التى تمولها بملايين الدولارات شهريا، وطرد عناصر الجماعات الإرهابية من أراضيها وعلى رأسهم قيادات جماعة الإخوان، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى.
تجاوزات قطر متكررة
وتقول منال فيصل الشريف، مدير تحرير صحيفة البلاد السعودية إن قطر تجاوزت كل الاتفاقيات والمعاهدات وضربت بعرض الحائط القمة العربية الأخيرة التى أقيمت فى الرياض، ومقاطعة عدد من الدول لقطر جاء بعد أن نفد صبرهم من التجاوزات التى تكررها باستمرار وعلى رأسهم السعودية، وما تقوم به قناة الجزيرة من تأجيج الفتنة بين الدول العربية، وكذلك الكاريكاتير الأخير المسىء للرئيس السيسى والملك سلمان ثم عادوا مرة أخرى وتم حذفه، فلا يصح أن نضع رموزا لها مكانها، واحترامها للسخرية والاستهزاء بهذا الشكل بالإضافة إلى تصريحاتها الأخيرة عن دعمها لإيران وأنها دولة صديقة، وهنا أتساءل كيف لها أن تكون داعمة لإيران وتحضر فى ذات الوقت قمة الرياض؟، إذا كان هذا موقفها من إيران فلماذا حضرت، فحضورها يعنى أنك غير مرحب بالدولة التى استقبلتها؛ بل إن وزير الخارجية القطرى عندما ذهب إلى بغداد اجتمع مع «قاسم سليمان» وهو شخصية معروفة أنها قامت بالعديد من «مدابح» للسوريين والعراقيين فكل هذه مؤشرات تتأجج من النار، وقطر هى الوحيدة التى تستطيع أن تخرج من هذا المأزق فالكرة الآن فى ملعبها وليس أى دولة أخرى».
وترى أن مستقبل تميم بين القطريين فلهم الحق فى قبوله أو رفضه؛ لأن لا أحد يستطيع أن يملى على الشعب القطرى فى اختياراته وقراراته فيمن يحكمه، لكن الضرر من المقاطعة ليس واقعًا فقط على الأسرة المالكة فى قطر ولكن واقعًا أيضًا على الشعب القطري، وبالتالى الموضوع ليس سهلا، والشعب القطرى سيكتب نهاية الموقف.