د . زاهى حواس
المشير محمد حسين طنطاوى كان رجلًا وطنيًا عظيمًا, وقدم للآثار خدمات جليلة, وهنا سوف أسرد بعض هذه المواقف, فى عام 2001 كنت فى ذلك الوقت مدير منطقة الأهرامات, وقد بدأنا مع فاروق حسنى وزير الثقافة فى ذلك الوقت الاستعداد لاختيار موقع للمتحف المصرى الكبير, وقد قابلت المشير طنطاوي لأول مرة فى منطقة الهرم, وتحدثت معه عن منطقة آثار دهشور وكان يوجد بها فى ذلك الوقت قواعد عسكرية ولم يكن مصرحًا لأي شخص بزيارة هذه المنطقة الأثرية المهمة, وقد شرحت للمشير طنطاوي أن هذه المنطقة تعتبر من أهم مناطق الآثار فى مصر وخاصة لوجود هرمين من الأسرة الرابعة للملك سنفرو والد الملك خوفو أحدهما وهو الهرم الشمالى يعتبر ثانى أهم هرم فى مصر بعد هرم الملك خوفو والهرم الثانى الذى يعرف باسم الهرم المنحنى, بالإضافة إلى أهرامات أخرى تعود إلى الدولة الوسطى, وابتسم المشير وقال “أرسل خطابا بذلك عن طريق الوزير للقوات المسلحة” ولم تمضِ إلا شهور قليلة وتمت الموافقة على افتتاح منطقة آثار دهشور للزيارة ليس للمصريين فقط بل وللسياحة العالمية.
لم ألتق بالمشير بعد ذلك إلا فى عام 2011، وأعتقد أن من أهم ما قام به المشير محمد حسين طنطاوى الحفاظ على المتحف المصرى، فقد حدث فى يوم 28 يناير عام 2011 أن دخل المتحف المصرى حوالى ألف شخص أغلبهم عمال من العاملين فى البناء، وفى هذه الليلة اعتقدت أن المتحف المصرى سوف ينهب تمامًا، وقد اتصلت بمكتب المشير ورد عليّ شخص بالمكتب لا أتذكر اسمه الآن وأبلغته بضرورة أن يقوم بإبلاغ المشير بأن المتحف المصرى دخله العديد من المواطنين ولا توجد شرطة لحماية المتحف وطلبت تدخل القوات المسلحة، وفعلاً فى منتصف الليل جاءت قوات من الصاعقة، دخلوا المتحف وقبضوا على اللصوص، وحضرت للمتحف فى صباح يوم 29 يناير وقابلت المسئول عن قوات الصاعقة وشرح لى ما حدث ليلة 28 يناير والقبض على بعض ممن كانوا داخل المتحف، وظلت قوات الصاعقة داخل المتحف لحمايته أكثر من عشرة أيام، وقد كلفت د. طارق العوضى مدير المتحف بالدخول مع لجنة فى وجود قوات الصاعقة فعادوا وقالوا لى إن المتحف بخير وإن الآثار الفريدة وخاصة قاعة الذهب والمومياوات بخير، وبعد جرد المتحف اتضح أن الآثار التى سرقت بلغ عددها حوالى 54 قطعة فقط واستطعنا بعد ذلك إعادة هذه القطع، وأعتقد أن تدخل المشير السريع أنقذ المتحف تماماً لأن هذا المتحف لو سرق لكان حديث العالم فى كل مكان، ولذلك أعتقد من أعظم أعمال هذا الرجل العظيم الحفاظ بل وإنقاذ المتحف المصرى، وقد يكون هناك سبب آخر لحماية المتحف وهو أن كل من دخل المتحف كان يبحث عن الذهب والزئبق الأحمر، ونحمد الله أن المتحف شديد الظلام ولم يشاهد اللصوص مكان حجرات الذهب والمومياوات.
ولن أنسى يوم أن ودعنا قوات الصاعقة وقد قمت بالتصوير معهم أمام مدخل المتحف وعندما عدت وزيرا للآثار فى المرة الثانية فقد حلفت اليمين أمام المشير طنطاوي وبعد حلف اليمين طلب أن أقابله واستمرت المقابلة حوالى نصف ساعة، وقال لى بالحرف الواحد إنه يريد أن يتأكد أن مناطق الآثار مؤمنة وكذلك مخازن الآثار والمتاحف، وطلب حضور ضابط من مكتبه وأعطانى رقم تليفون للإبلاغ عن أى حالة لكى تتحرك قوات الجيش للدفاع عن آثار مصر، وحدث العديد من الحالات سواء التعدي على مناطق الآثار أو المخازن وكانت تأتى القوات المسلحة لإزالة هذه التعديات.
شكراً للراحل العظيم المشير محمد حسين طنطاوى لأنه أنقذ آثار مصر ولذلك سوف يخلد اسم هذا الرجل فى التاريخ بحروف من ذهب، كان رجلاً عظيماً بمعنى الكلمة ونطلب من الله سبحانه وتعالى له الرحمة وأن يسكنه فسيح جناته، لن أنسى مواقف هذا الرجل فى حماية آثار مصر.