د . هدى درويش
المشير حسين طنطاوي شخصية مصرية قيادية فذة ورجل عسكري متميز, التحق بالكلية العسكرية عام 1952, وتخرج عام 1956, ثم تدرج في المناصب والرتب العسكرية حتي وصل إلى رتبة عميد وقائد كتيبة وقائد أعلى للقوات المسلحة ووزير للدفاع والإنتاج الحربى الأسبق, ورئيسا للمجلس العسكري الحاكم لمصر في الفترة من عام 2011 وحتى 2012, والقائد العسكري الذى شارك في خمسة حروب والحاصل على أرفع النياشين والأوسمة.
ترجع نشأة المشير طنطاوي إلى الأصول النوبية التي عاشت في مصر منذ القدم، وكان للأسر النوبية تاريخ عريق حيث حكمت مصر وكان لها تأثير كبير في مختلف نواحي الحياة وكان مشهودا لها بالكفاءة والعراقة ومنهم مينا حاكم مصر.
والمشير طنطاوي حفيد هؤلاء النوبيين المتميزين بعلو الهمة والأصالة والعراقة وطيب الأخلاق.
ولد في 31 أكتوبر 1935، بحي عابدين بالقاهرة، لأب نوبي من قرية أبو سمبل بأسوان. وعرف والده بالخير والتواصل الطيب مع أهل قريته، وقد أنعم الله على والده بالخاتمة الحسنة حين أدركته الوفاة بأرض الحجاز أثناء أدائه فريضة الحج عام 1952 ودفن في أرضها الطاهرة.
وعاشت والدته رحمها الله في نفس المسكن بعابدين لأكثر من سبعين عاماً حتى توفيت في عام 2000م.
ورغبة مني في تناول الجانب الإنساني في شخصية المشير طنطاوي (رحمه الله)، وقد كان على صلة كبيرة بزوج أختي اللواء أ. ح . دكتور مقبل الشافعي رئيس الهيئة الهندسية سابقا وهو ما أتاح لي اللقاء بسيادته في أكثر
من مناسبة - أشار علي اللواء مقبل بالتحدث مع أبرز الشخصيات والقادة العسكريين قربًا الى قلب المشير طنطاوي وهو السيد اللواء الدكتور سمير فرج الذي شغل منصب مدير الشؤون المعنوية في الجيش المصري أقرب المحبوبين إلى قلب المشير طنطاوي.
ومن خلال حديث يتسم بالصدق والأصالة والشرف العسكري بين الرجال المخلصين لوطنهم الذين يمتلكون كاريزما القيادة والإدارة، بجانب روح التدين والإيمان، تحدثت مع اللواء سمير فرج فقال:
تعلم التقاليد النوبية العظيمة منذ نعومة أظفاره فنشأ مؤمنا محافظا على الصلاة محبا لدينه وأهله وكل أبناء وطنه.
وعند وفاة والده كان المشير في السابعة عشرة من عمره، فأتمت أمه تربيته، وجمعه بها رباط عظيم، حتى إنه كان لا يستطيع النوم إلا بعد الاطمئنان عليها يوميا، وإذا كان في مهمة خارج البلاد يعود إلى بيت والدته أولا قبل بيته.
ولم ينقطع عن الذهاب إلى جمعية أبو سمبل الخيرية بالقاهرة- التي كان عضوا فيها- لتأدية واجبات العزاء، ومتابعة أخبار أهله في أبي سمبل، وكان يتواصل مع الحالات المرضية في القرية، ويقوم بتقديم المساعدة لها من ماله الخاص موصيًا بإخفاء ذلك وعدم ذكره.
كما كان المشير يسعد كثيرًا بأحفاده ويستمتع بهم، ويقضى معهم أسعد أوقاته، وكان متعلقًا بهم كثيرًا خاصة في آخر أيامه، وكان سعيدًا بمهارة حفيده «حسين» في لعب الكرة مثله.
وعلى صعيد زملائه في الجيش وحرصا على رعايتهم يذكر اللواء سمير الجمعية المصرية لرعاية أسر المجندين التي أنشأها المشير طنطاوي وتعهده برعايتهم ورعاية أسرهم وأولادهم، خاصة الجنود المعاقين منهم، إلى جانب تقديمه الحلول لكل ما يواجه الفرد، حتى في الجوانب المعيشية الشخصية، وكذلك توفير الحج والعمرة لأسر المجندين.
وعلى الصعيد المجتمعي لم يترك مناسبة عزاء أو فرح إلا وكان أول من يحضر، ويقوم بعلاج الأسر الفقيرة، وكذلك الإنفاق على مصروفات الدراسة لغير القادرين منهم وخاصة أبناء قرى الصعيد.
وكثيرا ما كان يهدي الأسر أشياء ومستلزمات أساسية لبيوتهم في احتفالات أكتوبر. كما كان من مواقف المشير الإنسانية والخيرية بناؤه 50 بيتا لأبناء قريته في أسوان وهو ما أكده أهل القرية.
ذلك هو الجانب الإنساني الذى امتلأت به شخصية المشير طنطاوي المتميزة بالحكمة وضبط النفس في المواقف الصعبة، ويذكر اللواء سمير أنه كان على الدوام منضبطا ملتزما نظيف اليد، متذوقا جيدا للشعر، محبًا لأشعار المتنبي. وأن ما اتصف به المشير من شدة وحزم وصرامة إنما كان بهدف تحويل أفراد حرب الخنادق إلى جيش منضبط له مكانته العسكرية الأولى في المنطقة، فأصبح الجيش المصري كما أراد، بل أصبح من الجيوش المعدودة عالميا.
وبعد ما يقرب من ستة عقود في الخدمة العسكرية والبطولة والصمود والشجاعة، رحل المشير طنطاوي، تاركًا وراءه سيرة عطرة، وبطولات لقائد عظيم نجح فى إدارة بلاده باقتدار منقطع النظير، سوف تحكى للأجيال القادمة وتدرس في الداخل والخارج عن خدمته لبلاده وحبه لوطنه وتضحيته من أجله.
وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على إنسانية ونزاهة المشير طنطاوي الذى قاد الوطن في مرحلة صعبة، معبرًا عن تقديره تلك الشخصية المصرية الفذة حيث أعلن الرئيس السيسي حالة الحداد الرسمي فى البلاد بعد وفاة المشير طنطاوي، وقرر خلال افتتاحه لعدد من المشروعات التنموية فى سيناء إطلاق اسمه على قاعدة الهايكستب العسكرية تقديرا واحتراما لدوره فى الحفاظ على مصرنا الحبيبة.
وقبل ذلك تم تشييد مسجد المشير طنطاوي في مارس عام 2015 ويعد أحد المساجد المهمة في مدينة القاهرة تخليدًا لدوره الوطني في تاريخ مصر.
لقد رحل المشير طنطاوي تاركا أجيالا أبطالا يذكرون بطولته العظيمة وأخلاقه السامية وإنسانيته وتضحياته التي لن تنسى على مر التاريخ من أجل الواجب وحب الوطن .. رحم الله المشير طنطاوي البطل الإنسان.