تحقيق : نجلاء أبوزيد
ارتبط شهر رمضان لدى المصريين بالكثير من العادات أبرزها تبادل العزومات على الإفطار والسحور لتتكلف الأسرة التى وجهت الدعوة بالعزومة إعداد أنواع مختلفة من الأطعمة بينما تحرص الأخرى على شراء طبق حلويات أو شيكولاتة أو بعض الكيلوهات من الفاكهة بحجة "ما ينفعش أدخل بإيدى فاضية"، لكن وسط ارتفاع الأسعار أصبحت العزومات عبئا حقيقيا على الأسر المصرية، فهل يمكن تغيير شكل مجاملتنا وبدلا من تقديم طبق حلوى أو شيكولاتة حضور العزومة بسلع غذائية ينتفع بها أهل المنزل، وهل شكل السلع والهدايا يمكن أن يختلف باختلاف طبيعة العلاقة وقوتها؟
فى البداية تقول شيماء عبدالله، ربه منزل: لمة الأهل في رمضان فرحة كبيرة، ونحن كعائلة نتعاون في ما بيننا حيث يصنع كل منا صنفا من الطعام لتقليل التكاليف، وهذا العام اقترحت أختى أن نفعل ما كانت جدتنا تفعله في مجاملات الأفراح بأن تجهز شنطة فيها سلع استهلاكية ونقدمها لصاحب العزومة فوافقنا على تلك الفكرة وهذا ليس على سبيل المساعدة لكنه فكر اقتصادي حتى لا نحضر فاكهة أو حلوى قد تفسد بعد مدة دون أن ينتفع بها أهل البيت بعد الزيارة.
مجاملاتنا اقتصادية
يقول أحمد: تطوير المجاملة شيء ضروري وشراء أشياء نافعة لأهل البيت أفضل من الفاكهة والحلوى، ويختلف الأمر حسب العلاقة التى تربط الأسرتين فعندما دعوت للإفطار في بيت شقيقتي أحضرت طقم كاسات لابنتها لأنها على وشك الزواج، ورمضان وعزائمه فرصة لتغيير شكل مجاملاتنا لتكون مواكبة لظروفنا الاقتصادية الصعبة.
وترى نهى كامل، مذيعة أن فكرة تغيير المجاملات لسلع غذائية وهدايا مفيدة فكرة جيدة يجب نشرها بين الأهل والأصدقاء لأنها ستجعل للمة بعدا تكافليا وتكسب العزومات ودا وتواصلا بعد أن تحولت إلى مصدر للمشاكل في كثير من البيوت، وتقول: يمكن أن نحدد ما نشتريه حسب البيت الذي سنذهب إليه، وبالطبع ما أحضرته لهم سيرد لى مثله وهكذا تكون مجاملاتنا خير في خير ولمتنا فرحة بلا تكاليف.
تعاون عائلى
أما هدى محمد معبد فتقول: اللمة الحلوة تحتاج لتعاون حتى لا يتحمل شخص واحد كل التكاليف لذا عادة أتشارك مع أشقائي إحضار طعام أى عزومة وإذا كان أحدهم يصر على القيام بالعزومة بمفرده نشترى شيئا جماعيا ينتفع به في البيت، وكلما كان هناك حب وتعاون لن يكون هناك خجل من شراء أشياء مفيدة، لكن ما يتم شراؤه لمجرد المجاملة لم يعد له مكان في ظل الظروف الحالية خاصة بين الأهل والأصدقاء.
"دعتني أختى للإفطار عندها فذهبت بزيت وسكر وأرز فأعجبت بالفكرة وقررت نشرها بين صديقاتها في رمضان" هكذا بدأت نجوى على موظفة حديثها وتابعت: اعتدت إحضار طبق حلوى في أى عزومة لكنى منذ فترة شعرت أن الحلوى تتواجد فى كل المنازل وبكثرة فقررت شراء سلع تستفيد بها الأسرة التى تتكلف العزومة، وبدأت مع أختى فأعجبتها الفكرة وحكت عنها لصديقاتها وحظت الفكرة بترحيب وقررنا التوسع فيها خلال عزائم رمضان، وإذا لم يكن الشخص من الأهل يمكن شراء هديه تفيد في البيت.
بينما رفض محمود عبد الغفار، مدير عام الفكرة قائلا: أعتقد الاستغناء عن المجاملات بين الأهل بالإضافة لعدم المبالغة في العزائم أفضل من إحضار سلع للبيت المضيف لأن هذا قد يسبب إحراج له وهذه الأمور أصبحت تشكل حساسية لدى الكثير والأفضل أن يشترط المضيف على ضيوفه عدم تكلفه أنفسهم بإحضار أى شيء وأن تتكرر العزائم بالتبادل فتقل التكاليف بحيث يكون يوم عندي ويوم وعندك، وهكذا يقل ضغط العزومة كما يمكن تنظيمها في أضيق الحدود بين الأهل فقط من أجل صلة الرحم.
مجاملات تكافلية
لكن ما تعليق المتخصصين على هذا الفكر الاقتصادي لمجاملاتنا الرمضانية؟ تقول د. آيه ماهر أستاذ الاقتصاد والإدارة بالجامعة الألمانية: الظروف الاقتصادية التي يعيشها المصريون منذ فترة خاصة بعد تعويم الجنيه جعلتهم يفكرون فى أمور كثيرة تساعدهم على مواجهة أزماتهم الاقتصاديه وتقليل الضغوط الناتجة عنها، وفكرة تغيير شكل المجاملات لم يظهر في رمضان فقط لكن ظهر في الأسر التي لديها بنات على وشك الزواج حيث يسأل الأقارب عما ينقصها وكل شخص يحضر شيئا فهذا الشكل التكافلي للمجاملات يحافظ على الود ويقلل الأعباء المالية، وتبنى تلك الفكرة مرتبطة بدرجة الوعي وقوة العلاقة التى تربط بين الطرفين لكنها فكر اقتصادي جيد يحافظ على الترابط الاجتماعي دون تكاليف اقتصادية زائدة وكل طبقة اجتماعية سيكون تعاملها مع المجاملة وفقا لقدرتها الاقتصادية.
عادات طيبة
ويقول د. رفعت عبد الباسط أستاذ علم الاجتماع: العزومات ولمة الأهل فى رمضان من التقاليد المصرية القديمة والعادات الطيبة التي تقوى أواصل المودة بين الأقارب وتحافظ على المحبة بين الأهل لذا يجب الاستمرار في القيام بها لكن بشرط عدم المبالغة فكلما كانت العزومات في الإطار الطبيعي لاقتصاديات الأسرة لن تشكل عبئا اقتصاديا أو تتسبب فى إثارة الخلافات بين الزوجين، وأى أفكار من شأنها الحفاظ على استمرار العزومات وإحضار السلع فى عزومات الأهل والأشقاء أمر طيب طالما نثق في فهم صاحب الدعوة للهدية وإلا يعتبرها تقليلا من قدرته على تنظيم العزومة لذا يجب أن نفكر في الشكل الأفضل للمجاملة الذي يحقق التعاون والتكافل بين الأقارب، وكلما كانت العلاقة مع صاحب الدعوة بعيدة بعض الشيء كان إحضار السلع الغذائية أمرا محرجا وقد يسبب مشاكل وهنا يفضل شراء أشياء تفيد البيت والديكور المهم ألا تكون أشياء تفسد سريعا، وتدريجيا سيستوعب المجتمع كله الهدايا العينية من سلع وأطعمة لأنها تهدف للحفاظ على عادتنا الاجتماعية في العزومات دون تكاليف إضافية.