سيدات من بيت النبوة .. زينب بنت جحش أم المساكين
كتبت : هدى إسماعيل
«زوجكنَّ آباؤكنَّ، وزوَّجني الله من فوق سبع سماوات » بهذه الكلمات كانت السيدة زينب بنت حجش تتباهي على بقية زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولم لا وقد نزلت فيها أربع آيات من القرآن الكريم تتلى إلى قيام الساعة.
اقتضت حكمة الله أن تكون زينب الزوجة السابعة لرسوله الكريم سببا في تعليم المسلمين دروسا مهمة في ما يتعلق بنبذ بعض عادات الجاهلية وأحكامها حيث أراد رسول الله أن يُحقِق المساواة الكاملة بتزويج زيد بن حارثة وكان مولى من موالى قريش من شريفة بني هاشم قريبة النبي زينب بنت جحش؛ ليُسقط تلك الفوارق الطبقيَّة بنفسه في أسرته، وانطلق رسول الله ليخطبها لزيد بن حارثة فدخل على زينب فخطبها، فقالت: لستُ بناكحته.
فقال رسول الله «بَلْ فَانْكِحِيهِ »، قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى
قوله على رسوله «وَمَا كَانَ لمِؤنٍ وَلاَ مُؤمْنَةٍ إذِاَ قضَى الَّله ورَسَولهُ أمَراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخيَرةَ مِنْ أمَرْهِم ومَنْ يعَصِ الَّله وَرسَولهَ فقَد ضَلّ ضَاَلاً مُبِينًا » فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال :نعم. قالت: إذن لا أعصي رسول الله.
ولحكمة اقتضاها الله لم تَسِرْ الحياة على وجهها المطلوب بين زيد بن حارثة والسيدة زينب فجاء زيد للنبي يريد أن يُطلِّقها، لكن النبي ردَّه وقال له: «اتَّقِ اللهَ، وأَمَسْكْ عَليَكَ زوَجَكَ »، فأنزل الله تعالى قوله: «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أنَعَمَ الَّله عَلَيْهِ وَأنَعْمَتَ عَليَهِ أمَسِكْ عَليَكَ زوَجْكَ وَاتَّقِ الَّلخ وَتُخْفِي نَفْسِكَ مَا الَّله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالَّله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه » ليخبر نبيَّه أن زينب ستكون زوجةً من زوجاته، لكن النبي خاف المنافقين وأقوالهم لأن زيدًا ابنه بالتبنِّي إلا أن الله تعالى أخرج ما كان في صدر النبي ليكون زواجه من السيدة زينب ذا حكمة تشريعية عظيمة وهي إسقاط التبني.
وبعد طاق السيدة زينب من زيد بن حارثة وانقضاء عِدَّتها قال رسول الله لزيد «اذْهَبْ وَاذْكُرْهَا عَلَيَّ ». يقول زيد: فلمَّا قال ذلك عظمت في نفسي، فذهبتُ إليها وجعلتُ ظهري إلى الباب، وقلتُ: يا زينب، بعث رسول الله يَذْكُرُك. فقالت: ما كنتُ لأحدث شيئًا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجد لها، فأنزل الله تعالى: «فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِنَ حَرَجٌ فِ أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً .»
وروي: أنه لما تزوَّجها رسول الله تكلَّم في ذلك المنافقون، فقالوا: حرَّم محمد نساء الولد وقد تزوَّج امرأة ابنه! فأنزل الله تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالكِمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللِه وَخَاتَم النَّبِيِّنَ وَكَانَ اللُّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا .»
وبعد أن نزلت هذه الآيات كانت زينب -رضي الله عنها- تفتخر بها وتقول لزوجات النبى: زوجكنَّ آباؤكنَّ، وزوَّجني الله من فوق سبع سماوات، وما أَوْلَمَ رسول الله على امرأٍة من نسائه أكثر وأفضل ممَّا أولم على زينب. ولأم المؤمنن زينب- رضى الله عنها - العديد من المواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته ومن أشهر تلك المواقف ما كان يدور بينها والسيدة عائشة - رضى الله عنها فقد غارت عائشة من جلوس النبي محمد عند زوجته زينب التي كانت تسقيه عسا، فتواصت هي وأم المؤمنن حفصة رضى الله عنها- عند دخول النبي محمد على أي منهما أن تقل له: «إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِير، فقال: «لا بَأْسَ شَرِبْتُ عَسَا عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ ». فنزل الوحي بآية )يَا أيَهُّا النَّبِيُّ لِمَ تُرِّمُ مَا أَحَلَّ اللُه لَكَ تَبتْغَي مَرضْاة أَزْوَاجِكَ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ .»
وقد عرف عن زينب حبها للخير وكثرة تصدُّقها حتى لقبت بأم المساكين، كما عرف عنها زهدها في الدنيا، ونزلت فيها آية الحجاب «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَن تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَ مُسْتَأْنِسِنَ لِدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ... » وذلك في شأن وليمة عرسها على النبي حيث أطال بعض القوم المقام بعد الوليمة فنزلت تلك الآية.
توفيت رضى الله عنها سنة 20 ه عن عمر 53 سنة، وحي ن حضرتها الوفاة قالت: «إني أعددت كفني، فإن بعث عمر لي بكفن فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم إذا دليتموني أن تتصدقوا بحقوتي فافعلوا »، ورحلت عن الدنيا دون أن تخلف درهماً ولا ديناراً، ودفنت بالبقيع، وقد صلى عليها الخليفة وقتئذ عمر بن الخطاب.
المصادر:
نساء النبي عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ - نساء حول النبي - محمد برهان